كفى.. لقد طفح الكيل!

كفى.. لقد طفح الكيل!

لعل الجريمة الأخيرة التي ارتكبها عناصر من ميليشيات الجيش (الوطني) بحق أربعة أشخاص من الكرد السوريين في مدينة جنديرس شمال غرب سوريا، كانت القطرة التي طفح فيها كيل الناس من الممارسات الإجرامية المشينة التي صارت لصيقة تماماً بتلك الميليشيات المتفلتة من أي ضابط أو رابط، والتي صارت أيضاً ما يشبه نهج عمل اتخذته تلك الميليشيات في محاولاتها لإخضاع عموم المجتمع في تلك المناطق والكرد منهم على نحو خاص. 

 وهو كما هو واقع الحال لا يفاجئنا، وإن كان في كل مرة يشكل صدمة لنا ربما لأننا ما نزال نراهن بغباء على إمكانية أن تكون تلك المناطق وطرق إدارة الشأن العام فيها يمكن أن تكون شيئاً مغايراً ومختلفاً عما يُمارس في مناطق أخرى تخضع لسلطات أخرى، وهو لطالما كان رهاناً خاسراً.. إذ لا يمكنك أن تفترض إمكانية الحصول على نتائج مغايرة بسلوك وأدوات تتماثل تماماً – وتتفوق أحياناً بإجرامها – على تلك التي تتولى شؤون مناطق أخرى، لنخلص بنتيجة أن كل تلك الأدوات والميليشيات تتشابه إلى حد التناسخ والتماثل في امتهانها للجريمة كسبيل لإخضاع البشر والاعتداء على حقوقهم ووطئها بالبساطير العسكرية. 

أما أولئك الذين ما يزالون في الغيبوبة وما زالوا يرددون ببغائية غبية فرضية أنهم في مناطق (محررة) فواقع الحال يشي بخلاف ذلك تماماً، فالمنطقة تعاني من فشل ذريع على مختلف المستويات سواء لجهة عجز الأدوات (الحكومية) عن القيام بوظيفتها، وفشل المجالس المحلية وتخبطها وخضوعها لابتزاز القوى العسكرية أو على مستوى بقاء القوى المسلحة كبنى ميليشيوية تنضوي بشكل صوري تحت مظلة تم التوافق على تسميتها بالجيش (الوطني)، فضلاً عن هذا الكم المفجع من الجرائم والانتهاكات والتعدي على الحقوق والحريات والممتلكات واستباحتها دون أي رادع.. فأي شبر لا يتمكن الناس فيه من ممارسة حقوقهم والتمتع بالحماية القانونية لها ولهم لا يمكن أن يكون محرراً بالقطع.   

لقد شكلت الصورة التي عليها واقع السوريين في مناطق شمال غرب سوريا كل ملامح الفشل المزري لقوى (الثورة) وأدوات المعارضة السياسية منها والميليشيوية، ولم يعد أحد منهم يكتال بحقوق السوريين وقضيتهم والمآلات التي وصلوا إليها بسبب هذا التقزم والخنوع غير المفهوم وغير المبرر لمحض إملاءات دولية وإقليمية كانت على الدوام على الضد من مصالح السوريين وعلى الضد دائماً مما يجب عمله لخدمة القضية الوطنية السورية.. ولولا أن رأى القاصي والداني كيف يتاجر سوريون بقضيتهم ويساومون عليها لما استطاع أحد ممارسة كل هذه الاستباحة عليها وعلينا، ولما فقدت كل القوى الدولية والإقليمية الداعمة لنا أو على الأقل لبعض مطالبنا وحقوقنا أي أمل من إمكانية إحداث اختراق حقيقي عبر تلك القوى والأدوات التي قدمت أداء لا يدانيه في السوء أحد من كل القوى المنخرطة في الشأن السوري، دون أن يعفي ذلك تلك القوى وخاصة العربية والإقليمية منها من مسؤولياتها الأخلاقية واستداراتها السياسية وخضوعها للابتزاز الإيراني عبر أدواته المحلية، ومنها منظومة السلطة الأسدية التي يقبلون اليوم بإعادة تعويمها بما لا ينم عن حصافة وحسن إدراك لما يشتغل عليه لهذه المنطقة، والتي سيدفعون ثمنها كثيراً في القريب العاجل. 

أمام كل هذا المشهد الكئيب هل من أمل أو فسحة لفعل شيء ؟؟؟ ..

الحقيقة أنني على المستوى الشخصي أعتقد بتعذر ذلك لأسباب كثيرة ليس بعضها ما ورد في هذه السطور فقط، وإنما أيضاً لقناعتي أن الحوامل الوطنية الداخلية لمشروع التغيير الوطني لم تعد موجودة، وما هو موجود منها غير قادر على حمل هذا العبء الكبير.. لكن بطبيعة الحال لا يجب أن تكون قراءتي السوداوية لملامح المشهد حائلاً عند الآخرين القادرين على الفعل من أن ينهضوا به، خصوصاً أنه لم يعد خياراً يعكس حالة ترف فكري بقدر ما هو ضرورة لحفظ الحياة نفسها أولاً ولتحسين فرص عيشها ثانياً ولفرض مقاربات تحفظ الحد الأدنى الممكن من المطالب والحقوق ثالثاً.. والبداية هناك في الشمال، حيث المعاناة والقهر والفشل مضاعف.. وتلك البداية لا بد أن تكون بالخلاص من قادة الميليشيات وتنحيتهم جانباً أو تصفية وجودهم على رأس تلك القوى التي تضم بلا شك بعضاً من المخلصين، والعمل على إنتاج سلطة حكم محلي تتولى إدارة شأن تلك المناطق بالاختيار الحر للناس وقطع أي صلة مع ما يُسمى حكومة مؤقتة أو ائتلاف أو أي مكون آخر من تلك المكونات التي أمعنت في الفشل وغاصت في الارتهان وإعلاء شأن القانون والامتثال له.. أما كيف يحصل ذلك وكيف يمكن الوصول إليه فتلك مهمة من يتبنى هذا الأمر الذي يتعين عليه أن يحدد السبل والوسائل لفعله، وإلا فالجميع مأخوذون إلى الهاوية حيث سيلقى بكم في فم الذئب وينجو أولئك اللصوص والقتلة بفعلتهم بعد أن ملؤوا الخزائن والحسابات بمنهوباتهم طوال سني قهركم. 

نعم لقد طفح الكيل وفاض كثيراً... ولم يعد أولئك المضطهدون بوسعهم التحمل أكثر مع انسداد الأفق وتآكل الآمال، فضلاً عن المتاجرات العربية والاقليمية بهم وبأوجاعهم في سوق النخاسة والسياسات الوضيعة... فهل من يقول كفى؟ 

التعليقات (1)

    كيف

    ·منذ سنة يوم
    أستاذ قرنفل لقد فصّلت وحللت هذا الخراب الممتهن لحياة الناس في هذه المناطق اللامحررة بل التي زاد احتلالها من مجموعات انتهازية وحشية لكنك جئت بحلٍ لم تعط به أي أمل لحدوثه. كيف برأيك يمكن التخلص من قادة ورؤساء هذه المجموعات واستبدالها بغيرها؟ من يتكفل بهذه المهمة وما هي أدواته لتحقيقه؟ أتظن أن هؤلاء يتنحون عن سلطلتهم بدون قوة تزيحهم ؟ فمن يملك هذه القوة ؟ وأمام هذه الانعطافات السياسية الحاصلة وإعادة الاعتبار للسلطة في دمشق هل تظن أن ذلك هو الحل لعودة تلك المناطق تحت ربقة هذه الديكتاتورية ؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات