عن مبادرات تأهيل الأسد.. السوريون "فرق عملة"؟!

عن مبادرات تأهيل الأسد.. السوريون "فرق عملة"؟!

بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية، عاد الحديث عن مبادرات هنا وهناك؛ لإعادة إنتاج نظام الأسد وتأهيله ليعود إلى مرحلة ما قبل 2011، مع استغلال ظرف الزلزال الأخير، ليكون بوابة واسعة لتحقيق هذه الغاية.

قلنا كثيراً إن الزلزال كان مجرّد نافذة مناسِبة لتحركات التطبيع مع بشار تحت عناوين إنسانية، فالواقع أن هذه الموجة كانت قادمة سواء مع حدوث زلزال أو بدونه، غير أن تحرُّك صفائح الأرض في فجر 6 شباط الماضي، لم يفتح "طاقة الفرَج" لبشار فقط، لكنه ساهم في حفظ ماء الوجه لدى الدول التي كانت قد أعدّت خارطة الطريق إلى دمشق قبل الزلزال بأسابيع.

منذ آب الماضي، احتلّت المفاوضات بين أنقرة والأسد عناوين الأخبار حول سوريا، وشكّلت انعطافة كبيرة في مسار الملف السوري المفتوح منذ اثني عشر عاماً، غير أن هذه الأخبار لم تلبث أن فقدت بريقها تدريجياً بعد "الشروط التعجيزية" التي وضعها بشار على الطاولة قبل إجراء أي لقاء نوعي وعلى مستويات عُليا، بُغية عدم تقديم "هدية سياسية" لأردوغان قبيل انتخابات أيار القادم.

البريقُ اليوم تستحوذ عليه أخبار ما بات يُعرف بـ"المبادرة العربية"، التي بات المتابعون والمراقبون والمحللون، والسوريون، يتلقّفون تفاصيلها وتسريباتِها من الصحف الغربية والكواليس العربية، في ظل انعدام أي معلومات رسمية عنها في تصريحات الدول المعنيّة، وغير المَعنية، حتى باتت أخبار هذه المبادرة فرصة لـ "المُنجِّمين" السياسيين، ليتحدثوا عنها بصيغة أقرب إلى توقعات خبراء الجيولوجيا حول حدوث هزات أرضية هنا وهناك. 

لا معلومات مؤكدة، ولا تصريحات واضحة، كل ما نراه هو أن بشار الأسد أزال الغبار عن طائرته الرئاسية التي صَدِئت في مربضها منذ سنوات، وأجرى خلال أيام زيارات يقول المحللون إنها ترتبط مباشرة بـ"المبادرة العربية".. مجهولةِ المعالم.

على أية حال، تحقّق لنا الصحافة الغربية دائماً ما نعجز عن فهمه في كل ما يدور باللغة العربية، لنجد أن صحيفة "وول ستريت جورنال" سرّبت بعضاً من تفاصيل تلك المبادرة، التي قالت إنها تتمحور حول تعهّد "دول المبادرة" بالسعي لتخفيف العقوبات عن الأسد والمساعدة بإعادة إعمار سوريا، مقابل مجموعة من الشروط التي ينبغي عليه أن يحقّقها.

تتمثّل الشروط في مُجملها حول كفّ نفوذ إيران في سوريا، وإيقاف تهريب المخدرات، والتعاون مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي، والقبول بدخول قوات حفظ سلام عربية إلى مناطق يُفترض أن يعود إليها اللاجئون السوريون من مَنافيهم في أصقاع الأرض.

هكذا ببساطة، تُختصر قصة اثني عشر عاماً من المحرقة السورية الكبرى ببنود لا تخصّ السوريين من قريب ولا من بعيد، لا حديث عن حساب مسؤولين عن جرائم حرب، ولا كلام عن أرواح أكثر من مليون سوري، ولا إشارة إلى أدنى مطالب السوريين التي ينادون بها، والتي من أجلها واجهوا واحداً من أعتى الأنظمة الدموية في تاريخ البشرية.

نعم هكذا ببساطة، وكأنّ كل ما حدث في سوريا كان احتجاجات على تدخّل إيران في حياة السوريين!، وكأن أطفال درعا كانوا مُمتعضين من عمليات تهريب الكبتاغون إلى دول الجوار، فقامت قوات الأمن باعتقالهم واقتلاع أظافرهم وإذلال أهلهم!، وكأن السوريين كانوا قد ضجّوا من انقطاع الماء والكهرباء فهاجروا في أرجاء المعمورة للتمتّع بملذات الحياة، وهم الآن يحتاجون قوات حفظ سلام لتأمين عودتهم إلى "حضن الوطن".

المختصر في هذه "المبادرة" وغيرها من مبادرات سابقة (وقد تكون لاحقة) أن حقوق السوريين فيها لا وجود لها نهائياً، وأن المطالب التي من أجلها باتوا أشقى شعوب الأرض لا تشكّل في سياسات المبادرات أكثر من تاريخ مضى، وأن رأيهم في هذه المبادرة أتفهُ من أن يطّلع عليه أحد، ما دام الكبار والساسة متوافقين على "بنود الحل".

والمختصر أيضاً أن جميع بنود تلك المبادرات لا تعني السوريين من قريب أو بعيد طالما أنها لا تحقّق واحداً بالمئة مما أرادوه، ولسان حالهم يقول للجميع: أوقِفوا السبب المباشر لنكبتنا، ونتعهّد لكم بإخراج إيران وأذرعها ونفاياتها البشرية والمادية من سوريا خلال شهر واحد فقط، ونضمن لكم عدم عبور حبّة كبتاغون واحدة من سوريا نحو حدودكم، ونضمن لكم كذلك أن نعيد بناء وطننا دون مساعدات دولية ومؤتمرات للمانحين.. ساعدونا في الخلاص من كابوس آل الأسد، وستنتهي نكبتنا، وينتهي "وجع الرأس" الذي تسبّبه لكم سوريا.. نحن لسنا "فرق عملة"، وما دمتم تساعدون قاتلنا على البقاء فوق جماجمنا، فالتاريخ سيذكركم بشكل صريح على أنكم شركاء له في المذبحة. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات