اتفاق الرياض طهران.. ماذا لو لم يصدق الإيرانيون كعادتهم؟

اتفاق الرياض طهران.. ماذا لو لم يصدق الإيرانيون كعادتهم؟

قد يكون الأكثر إثارة في تعليقات وردت حول "الصين" بأن الرياح إذا هبت من الشرق فهي غير محمودة في بلادنا، وأن الشمس لا تشرق إلا من الشرق، ولكن ثمة حذر في التفاؤل بالنسبة للاتفاق السعودي الإيراني. 

الصين هي الضامن للاتفاق اليوم، وهذا مؤثّر في حال لم تلتزم طهران، وأعطيت مدة شهرين لإثبات حسن نواياها، وإجراء تغيير حقيقي في المشهد الذي صنعته في المنطقة بحسب "عكاظ" السعودية. 

أبرز عناوين المشهد هو الميليشيات المعبّأة عقائدياً، والتي نشرتها إيران في اليمن حيث استهدفت من خلالها مصافي النفط في الساحل العربي من الخليج، وفي العراق ولبنان، والأهم في سوريا حيث تدفّق منها الكبتاغون والسلاح إلى الخليج. 

يطرح الاتفاق عدة أسئلة أبرزها: هل ستلتزم إيران بالحد من دور تلك الميليشيات كما توحي السعودية بعد أن دفع الخامنئي المال والرجال على مدى عقود من أجل تمدد إيران في المنطقة؟ وهل تستطيع الصين ضمان تحجيم هذه الميليشيات؟، وكيف ينعكس الاتفاق على القضية السورية؟.

الإجابة عن تلك الأسئلة تكمن في البحث ضمن عامل " المال والاقتصاد" بوصفه محور الضمانة الصينية غير "المؤدلجة" والمدفوعة بـ "الجزرة" السعودية بموافقة أمريكية على الأرجح.

وبالنسبة لإيران فإن هناك معطيات ترجح تقديمها تنازلات، وأبرزها أزمتها الداخلية التي توصف بالوجودية، وأزمتها الخارجية المتمثلة في الاتفاق النووي والعقوبات، في حين أن مسألة الدماء والرجال، لا تعني الكثير بالنسبة لأنظمة مثل إيران خاصة أن معظمها استُنزف من الميليشيات غير الفارسية، وكذلك لا تعني الكثير للصين التي لديها تجربة ناجحة في التخلي عن ثوابت إيديولوجية من خلال انتقالها إلى النموذج الرأسمالي في ظل حكم الحزب الشيوعي..

ولكن ثمة من يرى أن الأيديولوجيات تختلف عن العقائد من حيث الجذرية، والميليشيات هي أداة إيران في تصدير ثورة الخميني التي لطالما روج غلاة التشدد بأنها أحد ثوابت "الجمهورية الإسلامية".

أعتقد أن هذه الرؤية تنطلق من الشكل والظاهر فقط إنما أهداف إيران الحقيقية ليست عقائدية بل اقتصادية، وما يبدو عقائدياً هو وسيلة وغطاء للاستحواذ على مناطق نفوذ في المنطقة العربية، وأبرزها "الوصول إلى المتوسط".

الدولة العميقة في إيران تتحرك تحت عنوان قومي فارسي اقتصادي، وتتخذ غطاء لها الزعامة الدينية "التي جاء بها الغرب بالأساس للتوازن مع السنة في المنطقة واستدامة الصراع بينهما" وتلك الزعامة بدورها تتخذ من العقائدية نهجاً للسيطرة على الشعب الإيراني، على الرغم من فشلها في ذلك وهو ما برز من خلال الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي والتي ما زالت مستمرة. 

أما في الخارج فإن تلك الزعامة تعمل على تعبئة الميليشيات عقائدياً وهذه الميليشيات هي وسيلة إيران وذراعها الضاربة لتحقيق الغاية النهائية للدولة العميقة، باستخدام القتل ضد السنة بشكل خاص باعتبارهم حامل العروبة الرئيس، لدرجة تختلط العناوين وتثير تساؤلات حول ماهية مشروع إيران الحقيقيي في المنطقة هل هو عقائدي، أم قومي بمصالح اقتصادية؟

هذه النقطة تحديداً كانت هدفاً رئيساً للسعودية من خلال الاتفاق بينها وبين إيران إذ أشارت قناة العربية إلى أن هذا الاتفاق يتيح تخفيف حدة خطابات الجماعات المتشددة، التي اتخذت الخلاف بين البلدين وسيلة للتأجيج الطائفي والديني من قبل متطرفين من المذهبين الإسلاميين الكبيرين" السنة والشيعة"، والحد من دور الميليشيات، أو على الأقل تجميد نشاطاتها كمرحلة أولى، ما سيخفف من حدة الصراع في أكثر من دولة إقليمية شرق أوسطية، وسيدفع نحو حلول سياسية، تجعل الدولة المركزية أكثر استقراراً.

ولكن أليس من الجائز أن تكون إيران وافقت على الاتفاق تكتيكياً فقط ريثما تلتقط أنفاسها وتعود من جديد لتحريك ميليشياتها؟ الجواب سعودياً مرتبط بضمانة الصين التي إن خسرتها إيران لن يتبقى لها سوى روسيا الغارقة معها في حمّى السلاح والأزمات الاقتصادية.

ومن هنا جاءت المراهنة من قبل السعودية على استخدام الاقتصاد كقوة، وبضمانة الصين المرتبطة بعلاقات اقتصادية إستراتيجية مع كلا البلدين، ويمكن القول إن السعودية جرت إيران إلى الساحة التي تملك أوراقاً كثيرة فيها إلى جانب الصين، بعيداً عن ساحة السلاح. 

وهذه الرؤية لم تكن معزولة عن موافقة الولايات المتحدة إذ أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أن السعودية أبقت واشنطن على اطلاع بشأن محادثاتها مع إيران تماماً مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكنها لم تشارك بصورة مباشرة".

وثمة ما يشير إلى آلية الضمانة الصينية إذ إن لإيران أموالاً مجمدة في الصين تقدر بـ 30 مليار دولار وبحسب مدير مركز دراسات "سد جشمير" في إيران، ميثم فاضلي كانت الصين رفضت في شباط الماضي إعادة تلك المليارات لطهران لكنها وافقت أخيراً على أن تقدم لها قروضاً من هذه الأموال، شرط المشاركة في إنشاء سد جشمير بمحافظة كهكيلويه وبويرأحمد.

وبالنسبة "للجزرة" السعودية وبموافقة أمريكية على الأرجح فإن العراق الذي كان استضاف مفاوضات إيرانية سعودية أعلن بعيد الاتفاق بين الجانبين الإفراج عن 500 مليون دولار من أموال إيران المجمدة لديه.

ومن جانبها أعلنت إيران رسمياً أنها توصلت مع الولايات المتحدة لاتفاق على تبادل السجناء، ومقابل ذلك الإفراج سيكون إفراج الولايات المتحدة عن 10 مليارات دولار مجمدة لديها بحسب مراسلة العربية/الحدث في واشنطن شرط أن تستخدم للأغراض الإنسانية فقط.

ولكن ما هي دوافع السعودية من الاتفاق مع إيران؟ أوساط الرياض تقول إنها تأتي تنفيذاً لرؤية ولي عهدها الأمير محمد في التنمية والاستثمار وجعل المنطقة كما أوروبا، ولهذا فإنها تعمل على توفير بيئة هادئة في المنطقة من خلال إبعاد تهديدات ميليشيات إيران عن الخليج بشكل رئيس. 

خلال الشهرين المقبلين سيكون اليمن الساخن اختباراً لتنفيذ إيران التزاماتها بموجب الاتفاق والبؤرة الأقل سخونة بالنسبة للسعودية هي البوابة الأردنية التي من المفترض أن تحد إيران من تهريب الكبتاغون عبرها، وأرسلت إيران عبر وزير خارجيتها رسائل بأن علاقاتها مع الأردن ستتحسن بعد الاتفاق ما يعني أن مسألة الكبتاغون تندرج في هذا الإطار.    

ولكن ماذا عن باقي الميليشيات، لبنان سيكون نموذجاً فميليشيا حزب الله موجودة منذ عشرات السنين وأيضاً السعودية، التي أعطت رسائل بهذا المنحى من خلال تصريح وزير خارجيتها أن على اللبنانيين أن يحلوا مشاكلهم فيما بينهم، وهذا يسري على العراق، أي التهدئة ضمن الواقع القائم..

وماذا عن سوريا؟ تبدو القضية السورية بعد الاتفاق السعودي الإيرانية مسألة جزئية أو عنواناً فرعياً ضمن الأولويات والعناوين العامة، وهذا هو المعيار والتوجه السعودي، إذ تتحدث الأوساط السعودية عن تحرك في مسار مختلف عن السابق.

السابق يمكن ترجمته بالتصريح الناري الشهير للمندوب السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، والمعنون: لا تصدقوهم، والتوجه الحالي هو أن هذا التصريح تبعه تسريبات عن مفاوضات بين السعودية وإيران في العراق وبعدها في عمان ومن ثم تلاشى مفعوله في وزارة الخارجية التي أعلنت بأن الحوار مع النظام هو مسار لا بد منه.  

ولكن من جهة أخرى تتحدث السعودية بأن هدفها إنقاذ الشعب السوري ووقف نزيف الدماء ولا مجال أمامها من أجل ذلك سوى التعامل مع النظام، خاصة أن القوى الدولية تخلت عن مفهوم نزع الشرعية عن النظام، واكتفت بتغيير سلوكه، أو تحسينه.

وترد أوساط السعودية على الأصوات السورية التي تلوم السعودية بإلقاء اللوم على المعارضة التي بقيت مشتتة، إذ يقول المحلل السياسي السعودي نايف بن خالد الوقاع لقناة روسيا اليوم: إن هذه المعارضة تحولت إلى اكتساب الفوائد وتقاسم المساعدات والبقاء في فنادق خمس نجوم، ولم تنجح في إنهاء تشتتها رغم أن ما قدمته السعودية لها يفوق ما قدمته أي دولة. 

لا يوجد في المنطقة ميليشيات خارج التبعية الإقليمية أو الدولية بما فيها ميليشيا نظام الأسد، ولهذا فإنها تحت السيطرة وقرارها بيد تلك القوى، والتفاهمات بين تلك القوى تتناسب مع قوة كل منها، والعامل الاقتصادي هنا يغلب العقائدي، وعليه فإن تفاهم القوتين الإقليميتين على النفوذ في المنطقة هو جوهر الاتفاق بينهما بضمانة الصين.

صحيح أن شعوب المنطقة تحتاج التنمية أكثر من أي وقت مضى بل وأكثر تحتاج إلى إنقاذ وتعافٍ مبكر وإغاثة، خاصة في الدول التي انتشرت فيها إيران وأحالتها أنقاضاً وتهجيراً وتدميراً، إلا أنه دون أن يندرج ذلك في إطار حق تقرير المصير والحلول السياسية سيكون بمثابة وصاية إقليمية أو دولية تحت شعار التنمية وبداوفع اقتصادية. 

التعليقات (1)

    Assad is UN shame

    ·منذ سنة أسبوعين
    للأسف الثلاثة هم زبالة سياسية وهم صرامي أمريكية وشعوبهم ميتة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات