كيف يستقبل النازحون ومتضررو الزلزال شهر رمضان في الشمال السوري؟

كيف يستقبل النازحون ومتضررو الزلزال شهر رمضان في الشمال السوري؟

شهر رمضان هو شهر الخير والبركة عند السوريين، وهو شهر الطقوس الاجتماعية والعبادات، ولكنه في هذه السنة مختلف كلياً عن الرمضانات السابقة، والاختلاف يأتي من أنه الرمضان الأول الذي يعقب الزلزال المدمّر الذي ضرب الشمال السوري في السادس من شهر شباط الفائت.

الآلاف الذين نجوا من الزلزال هجروا المدن خوفاً من تكرار الهزات وتوجّهوا نحو المخيمات المكتظة بالأساس بساكنيها، منهم من نزل ضيفاً على أقربائه ومنهم من نصب خيمة جوارهم وفرشها بأبسط المفروشات.

أم محمد تركت شقتها في منطقة سرمدا ونصبت خيمة لها ولأسرتها المكونة من ستة أشخاص في مخيم العهد القريب من بيتها، تقول أم محمد عن استعدادها لشهر الصوم: "رمضان هذه السنة ليس كسابقه بالنسبة لنا، فأغراضنا متفرقة بين الخيمة والبيت لأن الخيمة لا تتسع إلا لبعض الأغراض البسيطة، ونمضي نهارنا نتردد بين البيت والخيمة لإحضار الأغراض وخاصة للأطفال الصغار، لذلك أتوقع أن تقتصر وجباتنا الرمضانية على بعض الأكلات البسيطة والتي لا تحتاج إلى غاز كبير أو وقت طويل، كما إننا سنفتقد الصحون الجوالة عند المساء التي كانت تُوزع قرب الإفطار، لأننا حديثو العهد في هذا المخيم ولا نعرف العادات الرمضانية فيه".

الكثير من النازحين يستقبلون رمضان هذا العام بفقد عدد من أحبتهم، ومنهم من فقد كل عائلته في مدينة جنديرس كأبي عامر الذي ترك زوجته وأبنائه الأربعة في مقبرة جماعية قرب جنديرس بعد أن قضوا تحت ركام منزلهم، ولجأ الزوج المكلوم والمصاب أيضاً إلى بيت أخيه في مخيمات كفرلوسين، يقول أبو عامر بعد أن أطلق تنهيدة طويلة ونظر إلى السماء وكأنه يبحث عن خيالات أطفاله بين الغيوم المتراكمة: "لا شك أنني سأفتقدهم في رمضان، وخاصة على مائدة السحور الأول وسأنادي زوجتي بالاسم لتحضر لي شراب التمر هندي، كما إنني سأنادي على عامر وهادي ووردة وراضية ليسيقظوا على السحور، ولن أسمع الرد وسأبكي" .

تركنا أبا عامر لبعض الوقت يمسح دموعه التي انهمرت على خديه، وليستعيد قدرته على متابعة الحديث، وليضيف: "أنا أعيش الآن عند بيت أخي، وأشعر أنني بين أبنائي، كلهم يتسابقون لخدمتي وتأمين طلباتي وسأستقبل شهر الصوم الكريم بكثير من التفاؤل والدعاء بأن يكون شهر العفو والمغفرة وأن يعيد الله المهجّرين إلى بيوتهم".

بدوره، أبو طلال يسكن في مخيم الكمونة القريب من بلدة حزانو وقد استقبل عائلة من الذين نُكبوا بالزلزال، حيث فرّغ لهم إحدى خيمتيه، يقول عن استعداداته لاستقبال شهر الصوم: "بعد موجات الغلاء الأخيرة التي طالت كل المواد الغذائية والمحروقات، إضافة إلى التخفيضات التي طالت السلّة الإغاثية وكرت المول، لا شك أن قائمة طبخات الإفطار ستنكمش لتقتصر على مشتقات البرغل ويُطعّم في بعض الأيام بالرز والشعيرية، وستغيب بلا شك عن موائدنا كل أنواع المشروبات والحلويات الرمضانية لعجزنا عن شرائها، فأنا أعرف بعض العائلات يأكلون الخضار وهي نيئة بسبب غلاء الغاز، والبعض الآخر تقتصر وجباتهم على الزيت والزعتر ودبس الفليفلة، كما إنهم يمضون يومهم بعمل السندويشات لأطفالهم عوضاً عن الوجبات المعتادة".

"مول الحمرا" أُعلن افتتاحه الضخم من مدينة الدانا، ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، وحضر حفل الافتتاح المئات وتم عرض كل أنواع البضائع والغذائيات على واجهاته البراقة، ولكن السؤال عن جدوى هذا الافتتاح الباذخ ووضع الناس المادي والمعنوي في أسوأ حالاته وخاصة بعد الزلزال الذي هدم عدداً من المباني المجاورة له، ذلك السؤال الذي طرحناه على جمال العليان الذي يقف داخل محله الكائن في الطابق الثاني من المول وقد رصف على أدراجه كل أنواع الحلويات الفخمة والضيافات والقهوة بأنواعها، سألناه عن توقعاته للمبيعات في شهر الصوم فأجاب:

"القدرة الشرائية لأغلب الناس بهذه السنة في رمضان ستكون متدنّية لأسباب نعرفها كلنا، ولكن رواد المول هم من موظفي المنظمات الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار ومن التجار والمتعهّدين وقلة قليلة من العامة وقد حسبنا حسابهم ببعض الأنواع الرخيصة والشعبية، أما هذه الحشود التي تراها أمامك في هذا الافتتاح فالغالبية منهم جاؤوا للفرجة وتجريب الدرج الكهربائي وليس في جيوبهم إلا أجرة الطريق".

بينما يزيّن المسلمون في بقاع الأرض شوارعهم ويضيئون منازلهم احتفاء برمضان، يخيط النازحون هنا رُقع الخيام المتبقية والمتهالكة ليصنعوا منها مأوى يقيهم ما تبقى من برد ليالي الربيع الذي جاء مبكراً هذه السنة وكأنه على موعد مع شهر رمضان، وآخرون يرممون ما تصدع من مساكنهم ويرحّلون ما تهدّم منها، أما صغارهم فيجمعون أغصان الشجر اليابسة وجذور النباتات الشوكية لإشعال النار، لا للشوي عليها أو التحلّق حولها في ليلة سمر رمضانية، إنما لإكساب أجساد صغارهم النحيلة بعض الدفء المفقود.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات