الحرية المحفوظة بعيداً عن متناول الشعوب

الحرية المحفوظة بعيداً عن متناول الشعوب

الحرية هي الشيء الوحيد الذي لا يتعرض لأشعة الشمس في بلادي، هي دائماً تحفظ في أماكن بعيدة عن متناول الشعوب، أو ربما هي انعكاس مستعصٍ في مرايا بلادنا..
 
لهذا هم صوروها لنا بأنها هي الحريّة الاجتماعيّة التي تعني حريّة المجتمع ككل؛ كتحرير الأرض من عدوٍ يحتلها على سبيل المثال، لم يكن مفهوم الحريّة واضحاً بالنسبة لي، كما إنني كنت أجهل مفهوم حريّة الفرد، حريّة إبداء الرأي في وجهات نظرٍ خاصة وآراءٍ شخصيّة، وحريّة القول واختيار مكان العمل والسكن وغيرها.

وهي قدرة الفرد على تعيين واختيار ورسم حياته الخاصة من جميع جوانبها. وصوروها لنا بأنها وحش يمكنه أن يبتلع العامة وأن حرية الفرد تتسم بالأنانية، بل ومخالفة، ذلك أن الفرد غالبا ما يتعرض للخداع في تصور مصلحته الحقيقية.

لم أكن أعلم بأنه من الممكن أن تكون متهماً بالحرية عندما تفكر في حريتك الفردية " الشخصية “، مثلها كمثل السرقة أو القتل. 

أذكر مرة كان لدي أستاذ في اللغة العربية ص . غ . ع . كان يتحدث عن الحريات بلسان سخي، حيث أخذ المسألة إلى مدى أبعد، حدثنا بأنه من حق الشعب الفلاني أن يحظى بالحرية ويكون لديه حدوده وهويته.. وأنه تبدأ حريتك عندما تنتهي حرية الآخرين. مع الإشارة بأنه كان قومياً متعصباً لحزب البعث الاشتراكي.

رفعت يدي وسألته إن كان لديه مطلب يريد تحقيقه أو على الدولة تحقيقه له، ابتسم لي وقال "لا شيء ينقصني، لدي راتب ودراجة نارية تقلني من البيت للمدرسة "، قلت له " ماذا عني إذن؟ " ، اتخذ تعبيراً يوحي بتركيز مفرط،  وأخبرني بأنه يوجد لديه ثلاثون طالبة قبلي، وأكمل ساخراً " أظن بأنك رياضية جيدة، ما قيمة اللاعب الذي يأخذ الكره من حارسه ويكمل بها لوحده إلى حارس فريق الخصم ويفشل في تسجيل الهدف " أخبرته بأنها الإرادة الخاصة بالذات، إلى ما يجب أن يرغبه الفرد من موقعه كمواطن، أي ما يعبر عن مصلحته الحقيقية، سواء كان قادرا على تحديدها وإنجازها أم لم يكن، " لاحظ حينها بأنه اتخذ مساراً خاطئاً وحمل قلماً وكتب على السبورة عبارات كثيرة ليقوم بإعرابها. 

حيث إنه وراء هذا النقاش حول الرؤية الحقيقية لمفهوم الحريّة أو مصداقية مفهوم الحريّة الفردية بالاستعانة الى التاريخ، فإنه علينا الإشارة بأنه يوجد سوء فهم واسع لكلمة " الحريّة " وأن اهتمامنا الخاص بالحريّة الاجتماعية على حساب الحريّة الفردية لأنها تشوه المجتمع، فهي مفهوم خاطئ.

ما أريد قوله بأن الثورة علمتني الكثير، وجعلتني أقرأ كتباً شاملة لأستطيع أن أرد على أولئك.. الذين يقولون لنا بأن هذا الخراب والدمار في سورية هو بسبب الحرية التي أردناها، وأنها هي سبب تهجير وقتل ودمار الشعب. 

نحن ما أردناه هي حرية الفرد وحرية المجتمع في العيش تحت سقف واحد وأرض واحدة وراية واحدة، وآراء متعددة ويمكن لها أن تكون مختلفة أيضاً .
 
و إن كلا المفهومين (الحرية الفردية والحرية الاجتماعية) يرتكزان على دعوى واحدة، بشأن ما هو حسن وما هو ضروري لنا كمواطنين، ووجود الأول لا يعني نفي الثاني، إضافة إلى هذا أن كلا من المفهومين لهما قيمة أصيلة وصحيحة، وأنهما يجتمعان تحت راية واحدة وهي " الحريّة " .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات