الرزق مقابل الحياة.. جامعو الكمأة ضحايا صراع بين ميليشيات أسد وإيران بدير الزور

الرزق مقابل الحياة.. جامعو الكمأة ضحايا صراع بين ميليشيات أسد وإيران بدير الزور

تختلط دماء عمال الكمأة في بادية دير الزور مع ما يجنونه من ثمار بعد شقاء البحث عن رزقهم تحت أشعة الشمس، لينتهي بهم المطاف ضحايا لغم أو رصاص ميليشيات طائفية.

وخلال السنوات الأخيرة تحولت رحلة البحث عن الكمأة من رحلة ترفيهية إلى البادية مطلع كل ربيع اعتادها أهالي المنطقة الشرقية في سوريا، إلى رحلة محفوفة بالمخاطر.

ولا يكاد يمر أسبوع منذ أن بدأ موسم جني الكمأة في البادية السورية الممتدة في أرياف حمص وحماة ودير الزور والرقة، والبالغ مساحتها 75 ألف كيلومتر مربع دون خبر عن قتلى وجرحى من جامعي الكمأة، كان أفظعها مجزرة ارتكبتها الميليشيات الإيرانية بتواطؤ مع ضباط أسد راح ضحيتها 75 قتيلاً معظمهم من عشيرة بني خالد في مدينة السخنة بريف حمص الشرقي.

صراع ميليشاوي وانتقام طائفي

وأفادت مصادر خاصة لأورينت أن الميليشيات التي تسيطر على مدينة دير الزور قسمت البادية إلى مناطق نفوذ بينها، وكل له شروطه للسماح للعمال والأهالي بجني الكمأة وبيعها، حيث تسيطر ميليشيات الحرس الثوري الإيراني على قسم كبير من البادية الشامية الممتدة جنوباً على مساحات واسعة، وتشترط للسماح بالبحث في مناطقها أن تحصل على نصف المحصول، وأن يتم بيعه وفق السعر الذي تحدده الميليشيا.

أما القسم الآخر من البادية فتسيطر عليه ميليشيا الدفاع الوطني، وخاصة ميليشيا أسود الشرقية التي تأخذ نسبة قليلة من المحصول مقابل حماية العمال والسماح لهم ببيعه بالمكان والسعر الذي يشاؤونه، وهذا ما أجج الصراع الميليشياوي بينها وبين الميليشيات الإيرانية الأخرى، وخاصة ميليشيا فاطميون، إذ يرغب العمال بالبحث في مناطق ميليشيا الدفاع الوطني.

وأكدت المصادر لأورينت أن الميليشيات الإيرانية اتجهت للانتقام من العمال وميليشيا أسود الشرقية عبر التسلل ليلاً إلى مناطق الأخيرة وزرع ألغام على الطرق البرية إلى يستخدمها العمال للوصول إلى مناطق الجني في عمق البادية، وكثيراً ما تطور الأمر إلى اشتباكات بين الميليشيات تخلف قتلى وجرحى في صفوف العمال المدنيين في أغلب الأحيان.

واتجهت الميليشيات في اليومين الأخيرين إلى سياسة جديدة وهي الخطف مقابل فدية كان آخرها اختطاف مسلحين يستقلون دراجات نارية لـ 12 عاملاً في جمع الكمأة، في منطقة ناضرة بجبل البشري جنوب غرب دير الزور.

داعش شماعة

يسارع نظام أسد باتهام تنظيم داعش بعد كل مجزرة في البادية السورية بحق جامعي الكمأة في محاولة منه لتغطية جرائم الميليشات الإيرانية التي تسيطر على قسم كبير من البادية حيث تنشط مليشيا الحرس الثوري والميليشات التابعة له.

وتفسر اتهامات نظام أسد لداعش بهذه المجازر فشله بضبط الميليشات الإيرانية أو السيطرة عليها، فبالعودة إلى حيثيات وخلفيات إحدى المجازر التي وقعت في مدينة السخنة الشهر الفائت والتي راح ضحيتها عشرات القتلى معظمهم من المدنيين و 8 منهم عناصر في ميليشيا أسد سارعت حكومة أسد باتهام تنظيم داعش بوقوفه خلف المذبحة إلا أن الأخير لم يصدر أي بيان حول العملية.

وفي 18 شباط الماضي، نعت قبيلة "بني خالد" 75 شخصاً  بينهم نساء معظمهم من أبنائها في منطقة السخنة بريف حمص الشرقي، وقالت في بيانها، إن "المجزرة البشعة التي ارتكبتها المليشيات الطائفية (لواء فاطميون) التابع للحرس الثوري الإيراني في منطقة الضبيات بريف السخنة شرقي حمص، راح ضحيتها ما يقارب 75 شخصاً من المدنيين العزل والذين كانوا يعملون في جني الكمأة، معظمهم من قبيلة بني خالد".

واتهم الشيخ صفوت الخالدي أحد شيوخ قبيلة بني خالد الميليشيات الإيرانية بتعمدها لهذه المجازر لتفريغ المنطقة من المكون العشائري الذي يستقر في بادية الشام وخاصة تدمر والسخنة والحصول على خيرات هذه المناطق، وأن هذه الهجمات المستمرة تحمل طابع انتقام وثأر طائفي تقوم به ميليشا فاطميون ضد المكون العشائري والسني في المنطقة



رغم القتل والاختطاف.. لماذا الكمأة بالتحديد؟

تُعرف ثمرة الكمأة بسعرها المرتفع نتيجة قصر موسم جنيها الذي لا يتجاوز شهراً ونصف الشهر تقريباً، ويمتد من بداية آذار إلى منتصف نيسان، إضافة إلى عدم إمكانية زراعتها إذ إنها تنبت نتيجة الرعود والأمطار في مناطق البادية والمناطق الصحراوية.

ويبلغ ثمن الكيلو غرام الواحد من هذه الثمرة ما يقارب من 50 ألف ليرة سورية (6.5 دولار) إلا أن هذا الرقم يتفاوت حسب جودتها وحجمها ونوعها، ويعتبر "الزبيدي" أجود أنواعها وأغلاها ثمناً.

وبحساب بسيط فإن ما يجنيه العامل في يوم واحد قد يعادل راتب شهرين أو أكثر من متوسط الرواتب التي تمنحها حكومة ميليشيا أسد لموظفيها والتي تتراوح بين 100 و150 ألف ليرة سورية (13-20 دولار)، إضافة إلى عدم وجود بديل أو عمل آخر لهؤلاء المزارعين كمصدر رزق ثابت، في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر بحسب تقارير "الأمم المتحدة“.

ويستغل أسد وميليشاته حاجة هؤلاء المزارعين والعمال في جني هذه الثمرة بشتى الوسائل، فيفرض عليهم شروطاً مجحفة للسماح لهم بالبحث وإعطائهم موافقة أمنية لا تحمي صاحبها من القتل بالألغام والرصاص، أو تعرضه للخطف والابتزاز أو السلب وفرض الإتاوات في أحسن الأحوال. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات