مواضيع زلزالية مخيفة

مواضيع زلزالية مخيفة

تقوم روايات متصدري الخطاب الديني على سردية عقاب الكفرة والملحدين بشتى أنواع الكوارث، ويرجعون الزلزال إلى عقوبة من الله نتيجة المعاصي والكوارث المنتشرة، وانتشار الموسيقا، منطلقين من أقاويل تؤمّن لهم سيولة خطابية لذلك، مثل ما قاله السيوطي "الزلزال هو تخويف من الله لعباده عند فعل المنكرات"، لذا سيستثمر المتزمتون دينياً الزلزال؛ للهروب من سؤال عامة الناس حول "حماية السماء" للفقراء والمحتاجين، مع فقدان الأطفال والنساء الحوامل وحتّى رجال دين وأبناء الطبقات المتديّنة لحياتهم، وكيف لهؤلاء الناس الذين يُعدّون من بين الصالحين والملتزمين دينياً أن يُعاقبوا بهذا الشكل، خاصة أن أعداداً كبيرة من الجوامع هُدمت كُلياً أو جزئياً بفعل الزلزال، كما حصل في العديد من قرى عفرين وشمال غرب سوريا. 

إن التفسيرات الغيبية والدينية للزلزال تُحمّل الضحايا بما فيهم الأطفال والرضّع سبب موتهم تحت الركام، بسبب المُنكرات والمعاصي، وكأن مصيبتهم لا تكفيهم، زاد عليها مُصيبة العقل المُبرر للكارثة الطبيعية، والأكثر غرابة إن المتشددين دينياً يسندون أسباب الكارثة إلى "الله"، منطلقين من فكرة أن الله تعمّد الزلزال، إنزالاً لعقوباته بعباده، لكي يصنع من الضحايا عبرة لباقي الناس.

 ومع الصعوبة في تقبّل الأخذ بهذا الإسناد، لكنه بالعقل السليم، أو لنقل، عقولنا نحن البشر الطبيعيين والعاديين والمكلومين لضحايا الزلزال، يُعدّ ذلك التبرير والإسناد فعل المقاومة أمام تطور العقل العلمي الذي يدحض ويرفض التبريرات غير المثبتة علمياً، خاصة وأن التطور التقني أتاح أمام الإنسان التنبؤ بالأعاصير والكوارث، وإذا أعادتنا الذاكرة إلى فترة انتشار جائحة كورونا، أيضاً قيل إنها عقوبة من الله، لكنّ أكثر الأماكن انتشاراً لكوفيد19 كانت المساجد، والكنائس، والحج، ومختلف دور العبادة.

هذه الأدبيات الدينية تُحدد نوعية العلاقة بين الله والإنسان بالخوف الدائم، وما وصف الزلزال بالعقاب الشديد، إلا دليلٌ غير مُحكم على سردياتهم، علماً أن أطرافاً دينية أخرى ترفض مثل هذا الحديث والشروحات، فالخائف من الشيء يهرب منه، والخائف من الله يهرب إليه.

الزلزال السوري 

انقسم السوريون إلى مشردين، أسرٌ ممزقة، آلاف العالقين تحت الأنقاض، منازل مدمّرة، وآخرون لم يستفيقوا بعد من هول الفاجعة التي لحقت ببلادهم، فخّيَمَ الحزن والسواد على سوريا، وهي ذاتها سوريا المدمّرة والممزقة الأوصال والجغرافية، كانت بالأمس-من يكاد يموت جوعاً- تتوسل المجتمع الدولي لتمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر، واليوم تُناشد ذلك المجتمع نفسه كي يُزيل رُكام المنازل عن صدور الأطفال و النساء.

وإذا كان السوريون محاصرين إلى حين توافق الدول الفاعلة في الشأن السوري، أمريكا وروسيا، فإن خياراتهم بعد الزلزال حُصرت بين الموت جوعاً وعطشاً ومبيتاً في العراء، أو التوسل للنظام للموافقة على إدخال المساعدات عبر خطوط التماس التي تشترطها روسيا للموافقة على عبور الخبز و الماء إليهم، والأمم المتحدة مُحتارة هل تستمر بالقلق أم تتأسف أو تشعر بالحزن على السوريين، رغم  أنها هي من يملك الجبروت التي تستطيع الإطاحة بالأنظمة والحكومات وتُشرعن الحروب متى ما شاءت وتوافقت أقطابها الرئيسية، لكنها لاتزال عاجزة عن إرسال شحنات مساعدة وإغاثة للداخل السوري، ورُبما اكتفت بالتقاط الصور من على سطح الفنادق الفارهة في دمشق.

لكن عفرين وجندريس والباب وإدلب لا فنادق ذات خدمة "سوبر كلاس" لنزلائها، فعجزت حتّى عن التقاط الصور، وهو ما دفع القواعد الاجتماعية النُخب السياسية والثقافية للخوف من أن يكون الفشل الدولي في مساعدة المنكوبين وإغاثتهم مُمهِداً لشرعنة الحكومة السورية وإعادة التآلف معها، وإن كانت الدول الغربية لا تزال تتحفظ على قضية التطبيع وترفضها، لكن بعض الدول العربية مستعجلة كما يبدو على ذلك، والنظام أيضاً يهتم بالمال لكن ليس أكثر من رغبته بغطاءٍ إقليمي أو دولي سيكون كافياً لإعادة التعويم وتصدّر المشهد السياسي، والحلقة الفصل في الموضوع تبقى تركيا، فلا يُمكن إيصال أيَّ نوع من المساعدات دون موافقة أنقرة عليها، وهي ورقة بوجهين، وجهها الأول رغبة دمشق في فرض شروط سياسية على أنقرة، وهو أمر مستحيل مع اقتراب موعد الانتخابات، ووجهها الثاني المواجهة المباشرة مع تركيا المسيطرة على المنطقة، وهو المرفوض من قبل روسيا، ولا مصلحة أو/ طاقة لدمشق على المواجهة المباشرة حالياً.

أيضاً تركيا تعيش حيرة كبيرة، فهي المنهكة والمثخنة بالجراح، عشرات الآلاف من القتلى، مُدنٌ مهدّمة، وشعبٌ يبيتُ في العراء، المعارضة تنهش في جسد حزب العدالة والتنمية النادم على تقديم موعد الانتخابات، والراغبة في إعادة تأجيلها وهو المرفوض من قبل المعارضة، والأخيرة ستستثمر عميقاً وجود تركيا في سوريا أمام الخسائر الفادحة في الاقتصاد والأموال والبشر ولعلها أسوأ مرحلة في تاريخ البلاد، وكيف لها من تحمّل أعباء إنقاذ ومساعدة السوريين في تركيا وسوريا، إضافة إلى تضخم العامل الاجتماعي في وجه العدالة والتنمية، فالنقمة على اللاجئين السوريين بعد الهزة تكبر وتشمل حتى السوريين المقيمين خارج مناطق الزلزال، وإذا ما كانت الخطط تقول إن تركيا تسعى لإعادة السوريين لديها إلى الداخل السوري عبر تقليص المزيد من مساحات نفوذ قسد والقيام بحملة عسكرية جديدة، فإن الزلزال والأكلاف الاقتصادية والضغوط الشعبية ستجعل من الصعب جداً إجراء هذه العمليات العسكرية.

هذا كله عدا أن شمال غرب سوريا شكلَّ نفاذاً للمنتجات والسلع التركية، وتركيا أيضاً كانت تقتني حاجتها من غرب الفرات بأسعار تصبُّ في خدمتها، وهذه العوامل المساعدة للعدالة والتنمية كُلها توقفت وتحولت إلى ملعب المعارضة التركية، وستضاعف الضغوط على الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لتحسين الواقع الاقتصادي، وربط الوضع التركي الداخلي مع مواقف بعض الدول العربية، رُبما يفتح أمام دمشق فرصة استمالة المعارضة في تركيا وبعض الدول العربية للمصالحة ولو على أنقاض الدماء والحجارة في عموم شمال غرب سوريا.

سوريا مقبلة على مجاعة

السوريون مقبلون على مجاعة سواء في غرب الفرات أو الساحل السوري، حيث المناطق التي ضربها الزلزال، فسوريا المدمرة منذ 12 عاماً هي الأقل استعداداً للتعامل مع الأزمات الأقل حدّية، فكيف والحل مع كارثة طبيعية أجّلت إعادة العيش والحياة تقريباً في العديد من المناطق إلى إشعار آخر. فالبنية التحتية مستنزفة ومدمرة، والحل السياسي بعيد، وغالبية المتضررين من الزلزال من إعزاز إلى إدلب هم أساساً مُهجرون أو نازحون داخلياً، وكانوا يعيشون تحت خط الفقر، لكن تحت سقفٍ يؤويهم، والمعونات المقدمة للسوريين تُسرق بسلاسة دون أي جهد، وتُباع في الأسواق العامة، والليرة السورية تتدهور باستمرار أمام جميع العملات الأجنبية، والحوالات التي كانت تسد جزءاً جيداً من احتياجات الناس، ماعادت تنفع لشيء أمام الأسعار المرتفعة بشكل صاروخي، ومع انعدام الحلول والخيارات الاقتصادية لوقف نزيف الليرة السورية، وتصاعد التضخم ونقص الوقود في كل سوريا، ومع فظاعة الوضع الاقتصادي في شمال غرب سوريا خاصة، واستمرار تداعيات وآثار الحرب وقطع شريان الحياة بينهم وبين تركيا ولو إلى بعد حين، وانتشار الكوليرا، يجعل من سوريا دولة نموذجية لحالات الطوارئ شديدة الخطورة والصعوبة، خاصة وأن نظام الرعاية الصحية هشّ أصلاً ويعتمد على المساعدات الإنسانية التي تُسرق أساساً.

قصارى القول: السوريون خلال الــ/12/ عاماً أصبحوا الجسد الأكثر تعرضاً للتجارب وكُلها كانت تُفضي للموت، بدءاً من العنف والصواريخ والبراميل والأزمات الاقتصادية المستفحلة والفقر المدقع والمجاعات، مروراً بالهجرة والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي والسيطرة على الأملاك الخاصة، وصولاً إلى ضحايا الأوبئة والأمراض الغريبة مثل كوفيد19، وانتشار الكوليرا، ومختلف النكبات الإنسانية، وفشل ترقب الأمل في حلٍ سياسي يُعيد الناس لبيوتها بعد إعادة الأعمار، انتهاءً بكارثة الزلزال الذي دمّر مناطق شاسعة لم تدمرها الحرب والقصف، وإن كانت الأرقام التقديرية تشير لتضرر أكثر من /2,5/ مليون طفل سوري وفقاً لمنظمة "اليونيسف"، لكن ملايين من الأطفال تضرروا بشكل مباشر أو غير مباشر من الزلزال نتيجة وجودهم في مناطق لم يصلها الزلزال، فتوقف المدارس، وتحويل بعضها إلى ملاجئ، وضعف الإمكانيات وفقدانها لأهلهم، جعلهم أيتام سوريا المقبلة، سوريا التي بات من الصعب جداً انتشالها من أسفل قاع الإنسانية والاقتصاد والأزمات الاجتماعية بعد الزلزال.

التعليقات (1)

    سوري ناقد

    ·منذ سنة 7 أشهر
    مقال عاطفي لايذكر مصادر للمعلومات وفيه تشفي وحقد وغضب من الارض والسماء وعدم فهم لمعضله الشر الكاتب متعالم وقليل المعرفه ويكتب بناء على رد فعل عاطفي من بعض تجار الدين والمتحدثين باسمه ومن الصور والمشاهد المأساويه مقال غير مفيد وغالبا يضر بنشره المخاوف
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات