تهريج على أبواب دمشق!

تهريج على أبواب دمشق!

يتعارك الكلام مع أبواب دمشق، ولا يدخلها. ليس كلاماً في السياسية، وليس كلاماً في امتداح الطغاة أثناء نومهم، بل هو كلام المفلسين سياسياً على أبواب عاصمة النظام وداخل سورها العتيق، نسمّيها مجدداً عاصمة النظام، لا دمشق، كي لا نسرق اللفظة من معناها، وكأن دمشق صار اسمها المؤجل ريثما تتعافى.

وفودٌ حطّت وهرولت، وفودٌ كانت أسماؤها تشير إلى أنّها تحمل نسبَ برلمانات عربية أدهشها الزلزال السوري التركي المشترك في إيقاعه المباغت والدامي، ونسيت كلّياً تاريخ السوريين المباغت والدامي أيضاً منذ حفنة سنواتٍ مضت، أدهشها مخطط نتنياهو في "تعويم الأسد" ولم يدهشها عجين مخيم "الزعتري" كلما نضج رداؤه شتاءً تلو آخر. وفودٌ تشدّقت وطرحت ملحَ الكلام جانباً في برلمان عاصمة فقدت قراراها منذ أن أصيبت بداء الحمّى الإيرانية الروسية المشترك، لأجل أن يظلَّ عرش الجماجم ماثلاً.  

وفودٌ قالت ونامت، نامت وقالت كلَّ الذي ينبغي ألا يقال. يعجبُها السوري في رحلة فنائه الكبرى من مطر البراميل، إلى اهتزازات "ريختر"، ويعجبها الطاغية حين يقرصُ لحمَ القوانين ويضحك، من كوميديا "قيصر" إلى تراجيديا "الكيبتاغون"، وكأن المساومة باتت المعنى السياسي الوحيدَ والمتاح لتجاوز سينما "بدرخان" في التفاتاتها الباذخة صوب العري وتبعاته، العري السوري طبعاً، العري الباذخ جداً.

 

عربٌ تهرول إلى عاصمة الكيبتاغون!

كل الذين عبروا قبل باتريك غوشا بأسبوع هم مجرّد غبارِ برلماناتٍ عربيّة، كان غوشا رئيس بعثة الأمم المتحدة لمراقبة هدنة وقف إطلاق النار يراقب مليّاً "سحّاب بنطال" فيصل المقداد الجالس قبالته في اجتماع روتينيّ تافه، ويصلّي في سرّه ألا يعود مجدداً إلى عاصمة الموت والصداع الأيديولوجي، عاصمة النظام البغيض. لكنه سيعود.

وكان صعباً على ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي التملّص من لقاء بثينة شعبان قبل أيام، كان يخشى على قلب المترجم المسكين حين كان يناوله من فمها كلماتٍ فسيحة الدلالة تمتدح أخيارَ العالم ومحورهم العجيب. كان لا بدَّ من ظهور الثنائي المدهش مقداد وشعبان بعد موسمٍ طويل من الكسل وارتخاء الألسن. ظهرا بعد الزلزال، وبعد سيلان برلمانيين عرب ووزراء خارجية عرب إلى دمشق من ثقب "تعويم النظام" الذي اقترحته إسرائيل، وتحمّست له السعودية على مضض.

ثم ظهر سامح شكري وزير الخارجية المصري من خلف ستارة الدبلوماسية، ذاك الظهور الذي يشبه ألعاب الخفّة والسحر في عروض سيرك التعويم، فرئيس بلاده مشغولُ البال على ضحايا الزلزال من السوريين، وعلى المشردين على إثره. سلّم رسالته إلى زعيم النظام السوري، وأعربَ، وتألمَ، وحزنَ كما لم يحزن من قبل، ثم غادر، وكأن الزلزال هو موسمٌ لحصاد التعاطف والتدليك داخل غرف "ساونا" الدبلوماسية الدافئة، وكأن موت السوريين وفناءهم مرتبطٌ فقط بزلزال الشمال، ولم يسبق لهم أن عاشوه، واختبروه كظلّهم طيلة العقد الماضي.    

سيرك التعويم الذي وضع فقراته نتنياهو في السابق، أخرج أيضاً أحمد الصفدي رئيس مجلس النواب الأردني إلى دمشق زائراً، أخرج الأردن عن صمتها الطويل حيال الملف السوري، وحيال من يتجاذب أوراقه إقليمياً ودولياً. زيارته الرشيقة تلك كانت مناسَبةً لأن يصرّح الصفدي، وكما يقتضي سيناريو التعويم، الركيك، والمكتوب على عجالة بضرورة عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، أي الرغبة العربية بنفي القطيعة السياسية عن النظام السوري القائم، وإعانته على تفكيك محنة عزلته، وطردها عنه. وها هو زلزال الشمال بهزاته الارتدادية التي لم تشبع من لحم السوريين بعد، تعينُ مخطط التعويم على استنطاق الدعم العربي له، والذي كان يخجل من أين سيبدأ؟! ولا كيف سيبدأ؟! ولا بأي عين سيفعل ذلك؟! كان الزلزال إذاً هديةً نفيسةَ القيمة لتسويق عجرفة السياسة بكل القبح الذي يلطّخها، ويلطّخ الأيادي التي تصنعها.

 

إيران التي ترفض، إيران التي ترسل!

حين اطمأن مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي إلى انتهاء جدول أعماله في بغداد قبل أيام، وجدَ من الهيّن عليه إرسالَ وفدٍ من المشاركين في مقدمتهم محمد الحلبوسي رئيس الاتحاد. زاروا جميعاً عاصمة النظام، ثم غادروها، مانحين زعيم النظام السوري أولى جرعات "برنامج التعويم" أو ما يمكن اعتباره "الجدّية العربية" في قبول فكرة التعويم. فقدّموا إلى زعيم النظام عربوناً من حسن "النيّة العربية"، وغادروا، تاركين الكرة في ملعبه. عليه قبول فكرة طرد الإيرانيين من سوريا، ليكتمل البرنامج، وسرعان ما تنبّه نظام الملالي إلى جدّية إعادة خلط الأوراق المتعلقة بالملف السوري، فسارع إلى إرسال شحنةٍ برلمانية إيرانيّة مضادة ترأسها عباس كلرو نائب رئيس جمعية الصداقة البرلمانية الإيرانية السورية، وجدوا في كارثة الزلزال طبعاً سبباً وسيماً لتزيين زيارتهم تلك، وتبريرها.

لا أحدَ يحب السوريين، أو يكترث لمصيرهم، حتى وإن تمادى الجميع في توظيف كارثة الزلزال توظيفاً سياسياً بَخِسَ القيمة، سيعلم الجميع بأن التحدّث مع الميت مضيعةٌ للوقت، وإراقةٌ لماء الوجه بلا طائل، إذ سرعان ما غزا جيش الكيبتاغون السوري بعد تعافي عاصمة النظام من آثار حمّى الزيارات العربية، كلّاً من الأردن والسعودية ودول خليجية أخرى.

سيدركون في وقتٍ ما، أن النظام السوري الأشبه بالورم الخبيث قد انتشر خارج حدود جسده، خارج الجغرافيا التي أتلفها ولوّثها، ووصلت ميزاته السرطانيّة حدود دولهم، فالتعويم العلاجي ليس سوى تشجيعٍ إضافي له كي يتمادى في سرطنة كلّ من حوله، أما الاستئصال باعتباره عملاً مؤجلاً ولائقاً، فهو بحاجة إلى أخصائيين جادين، لكنهم في هذه المرّة كانوا متفقين على ضرورة تشجيع الورم على الانتشار، فالجسد المقصود واسعٌ وكبير، والمهمة صعبة وطويلة.

التعليقات (3)

    عمرو

    ·منذ سنة أسبوعين
    عاصمة الكبتاغون؟!

    عابر

    ·منذ سنة أسبوعين
    يظلَّ عرش الجماجم ماثلاً

    جعفر

    ·منذ سنة أسبوعين
    مقال ممتاز ولغة جميلة معبرة
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات