آلية دولية لإدارة المساعدات لمنكوبي الزلزال في سورية

آلية دولية لإدارة المساعدات لمنكوبي الزلزال في سورية

كانت فرق الإنقاذ قليلة العدد في الشمال السوري مقارنة مع تركيا تتصارع مع الأمطار الغزيرة والثلوج والبرد القارس للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، التي خلفها زلزال كهرمان مرعش جنوب تركيا. والمتابع لعمليات الإنقاذ على ضفتي الزلزال، شمالاً في تركيا تنتشر فرق الإنقاذ المحترفة على طول المناطق المتضررة من الزلزال المهول، وإضاءة كثيفة، وكلاب متدربة، ورافعات ضخمة لرفع الأنقاض، وأجهزة استشعار حديثة للبحث عن الأشخاص العالقين بين الركام، وطائرات الإسعاف تنقل المصابين للمشافي، وإيواء الناجين في فنادق سياحية ومضافات الدولة، والمسؤولون يتابعون عملية الإنقاذ ميدانياً بملابس عادية، بينما جنوباً في الشمال السوري نجد أضواء خافتة، وأكوام الركام للمباني المنهارة على أصحابها، والناس مندفعة بنخوة وغيرة إنسانية ينبشون بأيديهم بحثاً عن عائلات بقيت تحت الردم. 

النظام لا يكترث بضحايا الزلزال

تابعتُ أخبار وكالة الأخبار السورية / سانا/، كانت تنشر تقارير اتصالات قادة أغلبهم عرب مع بشار الأسد، الذي لم يكلف نفسه عناء زيارة المناطق المنكوبة فور حدوث الزلزال كما يفعل الرؤساء المحترمون في العالم، بل ترك الأمر لوزير الدفاع علي عباس وهو بكامل أناقته حتى لم يغفل عن ربطة العنق الباهظة الثمن، يكفي ثمنها إطعام عشر عائلات من خمسة أفراد لأسبوع على الأقل، وحوله ضباط بلباسهم العسكري قرب المستشفى، وحسب تاريخ التقرير ظهيرة 7 فبراير، يعني بعد يوم على الكارثة يتفقد أعمال البحث عن الناجين، وقال العماد عباس " إن الجيش العربي السوري كان وسيبقى جنباً إلى جنب مع أبناء شعبنا الصامد في مواجهة المحن والتحديات انطلاقاً من مهامه وواجباته الوطنية والدستورية" لا أدري عن أي جيش يتحدث؟ ومن يقصدهم اشتهروا بالقتل وتعفيش منازل الضحايا في المدن والبلدات السورية، بعضها مسحت عن الخريطة تماماً بسلاح هذا الجيش. 

وفي خامس يوم الزلزال يتكرم بشار وزوجته بزيارة المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية، والمُخجل أنه كان منشرح الصدر يوزع ابتساماته وضحكاته على مستقبليه وهو يطأ ركاماً لا زال أنين الناس تحته ينتظر الإغاثة. أيعقل كل هول الكارثة ويضحك؟ ويلتقط صور سيلفي مع الناس؟، وبمستشفى اللاذقية استقبلوه بالزغاريد؟ من أي طينة من البشر يضحك منشرحاً فوق جثث الضحايا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
وليس هذا فحسب من الاستهتار بضحايا الزلزال، بل يرفض بشار السماح لمرور المساعدات للمنكوبين إلا عبر الحكومة السورية، ولا تفتح معابر إلى مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سورية، ومناطق سيطرة الكورد شمال شرق سورية، هم أيضاً تحكموا بالمساعدات الشعبية التي جاءت بفزعة عشائر دير الزور، أصروا على وضع "رايتهم" على شاحنات المساعدات الإنسانية كي تصل للمنكوبين كسادة في مناطق نفوذهم.

وضعٌ مخزٍ وعار على جبين هؤلاء وأولئك في تسييس مساعدة منكوبين في ظروف يموتون فيها جوعاً وبرداً. وفوق هذا وذاك لم تصل فرق إنقاذ محترفة لمناطق سورية المنكوبة سوى البعثة الجزائرية 86 من المحترفين بعمليات الإنقاذ بالحماية المدنية، عملت منذ أول يوم من الزلزال في حلب وهي تحت سيطرة النظام. 

وأمريكا تعلن موقفها حسب المتحدث باسم البيت الأبيض أنها لا تسلم النظام المساعدات " لأنه على مدى سنوات يقتل شعبه ويجوّعه، ولدينا فرق ميدانية شركاء يقومون بمساعدة المتضررين"، للأسف لم نشاهد فرق إنسانية شركاء أمريكا في الفضائيات، التي تنقل تطورات عملية الإنقاذ بالدقيقة، ومعروف وجود قوات أمريكية شرق الفرات تسيطر على النفط السوري، وفي شمال سورية قوات فرنسية، لماذا لم تترجم واقعياً تصريحات بايدن وماكرون بمشاركة عساكرهم في إنقاذ المنكوبين؟ تقاعس دولي جعل قلوبنا تصل الحلق ألماً. بقي السوريون وحيدين في محنتهم.

وقد استغلّ النظام الكارثة الإنسانية ليطالب برفع العقوبات "لتسهيل عملية الإنقاذ"، وكتبت ريم التركماني مديرة مشروع أبحاث الصراع السوري بجامعة لندن على صفحتها في "فيسبوك": "يتم تداول دعوات لرفع العقوبات عن سوريا لتسهيل عمليات الإنقاذ، فإن هذا المطلب، حتى لو تمت الاستجابة له فللأسف لن يكون له أثر ملموس وسريع على عمليات الإنقاذ،  فرفع العقوبات في أي سياق وعلى أي بلد لا يحدث أثر فوري وجميع الشركات والبنوك والمنظمات التي تمتنع عن التعامل مع دولة بسبب العقوبات لا تغير موقفها واجراءاتها إلا بعد وقت طويل من رفع العقوبات". طبعاً النظام يعلم ذلك، لكنه يبقى وفياً لوضاعته بالابتزاز السياسي حتى في إنقاذ بشر تحت الأنقاض.

وطالبت تركماني "بإجراءات استثنائية مؤقتة من الدول المانحة لتجاوز العقبات التي تمنع وصول المعدات والخبراء والمعونات إلى كافة المناطق المتضررة في سوريا اليوم باتخاذ قرارات فورية من الدول المانحة وتَدَخُلٍ منها لإرسال المعدات والخبراء إلى المناطق حسب الحاجة وليس حسب الأهواء السياسية."
وكان مسؤول بالدفاع المدني السوري صرح أمام فضائيات العالم: "ليس لدينا إمكانيات الإنقاذ، سياراتنا تتوقف بنفاد الوقود فلا نستطيع الذهاب بعيداً حتى لا ننقطع بالطريق، وليس لدينا لوازم طبية كافية".
أمام هذا الواقع المرير لا زال النظام يُبازِر بخسّة على حياة الناس برفع العقوبات "لإنقاذهم"، وعندما دخلت المساعدات على قلتها نهبها شبيحة النظام وأصبحت تباع في الأسواق دون رادع أخلاقي، كانت لجوعى الزلزال.

 

النظام نهب المساعدات الإنسانية بشهادة منظمة هيومن رايتس ووتش

إذا تحدثنا عن المساعدات من غذاء وخيم وأغطية ودواء فهنا الطامة الكبرى، لقد استلمها النظام، وأصبحت تُباع بالأسواق السورية بأسعار خيالية، فسبق للنظام أن سطا على مساعدات اللاجئين السوريين شمال سورية بذريعة " السيادة "، والبلد تحتله خمسة جيوش أجنبية. 

وفي تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش خَلُصَ إلى"أن الحكومة السورية قد وضعت إطاراً سياسياً وقانونياً يسمح لها باستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار لتمويل فظائعها، وإعلاء مصالحها، ومعاقبة من يُنظر إليهم على أنهم معارضون، وإفادة الموالين لها".

ويضيف التقرير"أن القيود الحكومية المنتظمة على وصول المنظمات الإنسانية إلى المجتمعات المحلية المحتاجة أو المتلقّية للمعونة، والموافقة الانتقائية على المشاريع الإنسانية واشتراطها عليها أن تشارك الجهات الفاعلة المحلية التي خضعت لتدقيق أمني، مع أنها تبدو حميدة، فهي تضمن أن الاستجابة الإنسانية تُحوَّل بشكل مركزي لصالح أجهزة الدولة المنتهِكة، فيكون الثمن هو منع المساعدة من الوصول إلى السكان بدون عوائق"، ويضيف التقرير: "تدعم هيومن رايتس ووتش توفير التمويل لإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية لكامل سوريا، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها حكومة أسد.

 إلا أنه، وفي غياب الشفافية أو الرقابة أو الضمانات الفعالة، يقع التزام أكبر على الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، والشركات، والجهات المانحة للتخفيف من المخاطر الكبيرة المتمثلة في إعادة توجيه تمويل المعونة وإعادة الإعمار نحو تمكين الجهات الفاعلة المنتهِكة، ومفاقمة الظلم ضد المدنيين، وإطالة المعاناة في سوريا".

وأمام هذا الوضع من نهب نظام أسد لأقوات المنكوبين نناشد الدول المانحة للمساعدات أن تقدمها بنفسها عبر منظمات موثوقة لتصل إلى مستحقيها.

آلية لإدارة المساعدات الإنسانية

يقع على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية التي رفعت العقوبات لستة أشهر أن تقوم بإجراء استخباراتي حول تدمير الزلزال، ليتم التمييز بين ما دمّره الزلزال وما دمّرته حرب النظام على الشعب السوري، لأن النظام أراد إدخال مناطق شرق حلب بحي الشعار المدمّر من قصفه للمدنيين أنه من مخلفات الزلزال، هذا التحقيق يعطي أمريكا حجر الأساس لتوجيه المساعدات للمنكوبين وليس تحويلها إلى إعادة الإعمار للنظام لمناطق دمرها بقصفها بالبراميل المتفجرة.

وعلى اعتبار أن المساعدات تستمر طويلاً في شمال سورية لا بد من التفكير بآلية لتوصيل المساعدات لمستحقيها، وذلك بإنشاء "قناة بيضاء" للمساعدات الإنسانية للمنكوبين على غرار ما فعلته مع إيران في أكتوبر 2020، حين أعلنت واشنطن أن الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية يمكنها إنشاء آلية دفع الصادرات الإنسانية المشروعة إلى سوريا طالما لا يتم تحويل تلك الأموال إلى النظام، وهذا يحتاج قرارات من الدول المانحة لتنفيذ هذه الآلية، إضافة إلى ذلك إنشاء "غرفة مقاصة سيادية" لمعالجة مخاطر معاملات الشحنات في سورية.

 ربما تساعد هذه الآلية في عدم استفادة نظام الأسد والمؤسسات التابعة له من التلاعب بها عبر الرخصة 23 لرفع العقوبات 180 يوماً، تساعد المتضررين وتبني منازلهم وحياتهم من جديد.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات