بعد مضي عامين على انطلاقة الثورة السورية ضد نظام الأسد نجد أن الكثير من مؤسسات الدولة مازالت قائمة وموجودة ونحن هنا لا نتحدث عن المؤسسات الخدمية بل نتحدث عن المؤسسات الخاضعة للنظام والتي تحافظ على وجوده حتى الآن كالمؤسسة العسكرية والنقابات والاتحادات التي ليست إلا منظمات صنعها النظام لخدمته وللحفاظ على بقائه وليس لأجل السوريين أنفسهم , أولئك الذين شكلوا هذه المؤسسات .
فهنالك مئات آلاف الموظفين يستند عليهم النظام في وجوده كالموظفين في الأمن الداخلي وعسكر الجيش وموظفي النقابات على اختلاف أنواعها وموظفي البنوك والمصارف والوزارات والهيئات التي تشكل ركائز هامة لاستمرار النظام.
منذ بدء الثورة كانت الدعوة صريحة للإضراب العام عن مختلف دوائر الدولة وسمي آنذاك إضراب الكرامة الذي لم يؤت نتائجه المرجوة بسبب تخلف أكثر من ثمانين بالمئة من موظفي الدولة عن المشاركة فيه , ولو كانت تلك المشاركة حقيقية وعلى نطاق واسع لأربك النظام منذ الأيام الأولى لإضراب الكرامة.
بعض الموظفين كان ولايزال غير مقتنع بهذه الثورة ويرى أنها لم تكن في وقت أو ظرف مناسبين والبعض الآخر يخشى أن يضرب عن العمل خشية بطش النظام المجرم هذا ،والاغلبية الساحقة كانت من أسرى الراتب الشهري الذين يخافون فقدانه ويعتقدون أنهم سيموتون جوعاً هم وأولادهم لولاه.
ماجد عبد الستار موظف في مديرية الصحة بحلب يعمل في أحد المستوصفات الخاضعة للنظام ومازال على رأس عمله حتى اللحظة , قال لــ أورينت نت : "لم أترك عملي ولم أشارك في أي إضراب منذ بداية الثورة السورية وأنى لي ذلك وأنا أعيش في وسط المدينة وفي منطقة يسيطر النظام عليها بشكل كامل , لو قمت بالإضراب وتركت وظيفتي لاعتقلت وقد أقتل بسبب ذلك خاصة أن المستوصف الذي أعمل فيه تسيطر عليه قوات النظام".
ويضيف : "إن مكان عملي لا يؤهلني لأي نشاط ثوري بل أنا مضطر أيضاً أن أقدم الخدمات الصحية لعناصر النظام وشبيحته بشكل مستمر ولا أستطيع حتى أن أظهر غير الابتسامة وبصراحة كاملة أقول لكم إن الامر مخيف جداً بالنسبة لي فلدي ثلاثة أطفال وليس لهم سواي لو اعتقلت أو قتلت سيذوقون الويلات من بعدي.
وأنا لا أجد جريمة في ما أقوم به فلست في موقع عسكري يفيد النظام ويقويه كما أنني لا أعمل مع أية جهة سياسية أو حزبية , وجودي أو عدمه سيان , ولم أسئ إلى أي مواطن سوري في استمراري على رأس عملي وإنما أبعد الخطر عن نفسي وعن اولادي".
سليم قصير أحد موظفي القصر العدلي بحلب مازال على رأس عمله حتى اللحظة علماً أنه من إحدى بلدات ريف حلب الشمالي التي قصفت واقتحمت واستشهد فيها أكثر من مئة شهيد , يقول كنجو لــ أورينت نت : "أنا مع الثورة والثوار ضمنياً وخفية ومنذ اليوم الأول للثورة , لقد قمت بتقديم الخدمات للثورة منذ بدايتها وساعدت الكثير من المعتقلين بسبب التظاهر وكنت دائماً أحاول تسيير أوراقهم الخاصة بالإفراج عنهم بأقصى سرعة بينما كان بعض الزملاء المؤيدون للنظام يماطلون في تلك المعاملات بشكل متعمد فوجودي داخل القصر العدلي كان مفيداً لفترة طويلة".
يقول سليم :" بعد الاشتباكات عند القصر العدلي انتقل مقر عملنا إلى منتصف المدينة في أحد الأبنية القديمة وأنا الآن أداوم يوماً واحداً في الشهر أو يومين لا أكثر ومقابل ذلك أقبض راتبي كاملاً وهو المصدر الوحيد للدخل بالنسبة لي , فلو تركت وظيفتي من أين سأطعم أطفالي , أنا أكره هذا النظام المجرم وأعلم مدى إساءته للسوريين ولكن لدي أطفال يحتاجون الطعام والدفء والملبس ولا أستطيع أن أتخلى عن هذا المرتب علماً أنه قليل جداً ولا يكفينا إلا لمدة عشرة أيام حالياً لكنه أفضل من لا شيء. ثم إن وجودي على رأس عملي لن يكسب النظام قوة وغيابي لن يضعفه فقوة النظام تأتي من الإمدادات العسكرية التي تصله من عدة دول ومن إهمال المجتمع الدولي للوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري , وأقول لمن يطالبني بالإضراب وترك الوظيفة أنا وغيري من الموظفين سنقوم بذلك عندما يوفر لنا راتباً مماثلاً نعيش منه , ليفعل ذلك أو ليصمت" .
بعد قصف جامعة حلب واستشهاد أكثر من مئة وخمسين طالباً توقع الكثيرون موقفاً ما من الهيئة التدريسية في جامعة الثورة بل وطالبهم الكثيرون بالإضراب وإيقاف العملية التدريسية حتى سقوط النظام , الدكتور عبد المعطي عمار وهو مدرس في جامعة حلب حدثنا حول ذلك فقال لــ أورينت نت : "لقد قضيت معظم حياتي بالدراسة حتى حصلت على شهادة الدكتوراه وأصبحت مدرساً في جامعة حلب , أتطلبون مني أن أترك العمل الذي عملت طوال حياتي للحصول عليه , ثم إن المرتب الشهري الذي أقبضه يكفيني لأعيل أسرتي حتى ضمن هذه الظروف السيئة وغلاء الأسعار الفاحش , ومن ناحية أخرى قد أترك وظيفتي على أمل سقوط النظام عاجلاً ومن ثم بعد سقوطه أعود إليها في ظل الدولة الجديدة ولكن ماذا لو تأخر سقوط النظام سنوات أو بالأحرى ماذا لو لم يسقط نهائياً , نحن نرى كل هذا الدعم الدولي لهذا النظام على اشتداد شراسته وإجرامه وقد لا يسقط أبداً حينها أكون أنا قد خسرت كل شيء".
عينات كثيرة من المجتمع الحلبي أكدت أن سبب بقائها في وظائف الدولة وفي المؤسسات الحكومية هو ذلك الراتب الملعون , والكل أكد أنه ليس مؤثراً في قوة النظام أو ضعفه وتركه لوظيفته يعني خسارة رزقه فقط ..
التعليقات (4)