حذّر اقتصاديون وقانونيون سوريون، من استفادة ميليشيا أسد من مؤتمر بروكسل الدولي المزمع عقده في 16 آذار القادم، وتحويله فرصة لإعادة تعويم النظام، والضغط باتجاه رفع العقوبات الدوليّة المفروضة عليه، ولا سيّما مع انتهاج ذلك من قبل مواليه وبعض الدول العربية بعد البيان الختامي لـ "مؤتمر اتحاد البرلماني العربي" في العراق.
وفي تصريح خاص لـ"أورينت"، أوضح المستشار الاقتصادي "أسامة قاضي" أن مبالغ الدول المانحة في مؤتمر بروكسل، لن يصل منها للشمال السوري المنكوب سوى 5 بالمئة، مؤكداً أنه من خبرات إغاثية أممية سابقة على مدار العشر سنوات، يأخذ لبنان ملياراً والأردن ملياراً، والأمم المتحدة توصل ما بين 80 إلى 95 بالمئة من الإغاثات الأممية إلى ميليشيا أسد، والـ 5 بالمئة الباقية تذهب إلى السوريين المنكوبين.
وأضاف رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، أنه في المؤتمرات الإغاثية السابقة كان المانحون يدفعون 70 أو 60 بالمئة مما تعهدوا به، فإن تعهدوا بمليون يدفعون 600 ألف، وليس كل الرقم المتعهد به يدفع للأمم المتحدة، فهذه إستراتيجية المبالغ لكل المؤتمرات الإغاثية من الكويت إلى بروكسل وصولاً إلى لندن.
في حين قال الناشط المدني وسيم الحاج لـ"أورينت" والذي كان حاضراً في المؤتمر السابق، إنَّه لا يتوقع الكثير من هذا المؤتمر، فالمتبقي للسوريين من مساعدات بعد الاقتطاعات سيُسلَّم إلى الأسد لصّ المساعدات، ليمنحه المزيد من البطش والإجرام على السوريين، بينما بعض الفتات المتبقي سيأتي إلى المناطق الأخرى المحرومة أصلاً من مشاريع التنمية الضرورية والمتروكة على خيط السلة الإغاثية وبعض مشاريع التمكين ذات الأولوية البعيدة.
غياب الشفافية
وبالنسبة لقاضي، فإن المشكلة في توزيع المبالغ الممنوحة تعود إلى (غياب آليات الشفافية)، لمعرفة لماذا لا يزال اللاجئون السوريون في لبنان وضعهم أكثر من سيئ، فلا تؤمن لهم الدولة تعليماً ولا صحة ولا مسكناً، وينامون في الخيام أو في الأقبية غير الصالحة للبشر، ورغم ذلك لا تقوم الأمم المتحدة بالتأكد من طريقة صرف المليار دولار التي أُعطيت للبنان مثلاً.
وبحسب المستشار الاقتصادي، فإن الدول طالما أدارت مسألة الإغاثات بهذا الشكل، فستكون النتيجة ذاتها في المؤتمر المقبل، مشيراً إلى أنَّ الحصة العظمى ستذهب لتركيا على اعتبار أن هناك مغازلة سويدية تركية من أجل قبولها في حلف الناتو، لأنَّ الذي أعلن عن هذا المؤتمر هو وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، فضلاً عن أنَّ تركيا المتضرر الأكثر بالزلزال.
ويعتقد أنَّ 90 بالمئة مما سيجمع في مؤتمر المانحين سيذهب إلى تركيا، وما يتبقى من العشرة بالمئة يبقى للسوريين على اعتبار ما سبق، فتُوزّع 90 إلى 95 بالمئة منها إلى ميليشيا أسد، خاصة أنَّ هناك حملة تطبيع كبيرة عربية وأجنبية من أجل تعويم الأسد، ما يعني إعفاءه من قانون قيصر.
ويأتي هذا مع محاولة تسييس الإغاثات الأممية وانتظار بشار حتى يفتح المعابر، رغم أنَّ الأمم المتحدة لا تحتاج إلى فتح معابر إضافية، ولا تحتاج إلى أوامر من دولة لا تملك السيادة، وهي تعي ذلك، لكن حاولت تسييس هذه المسألة باعتراف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بأنَّهم أخطؤوا وفشلوا في عدم تسييس الإغاثات، لذلك لو أنَّ هناك 5 مليارات دولار تعهدات لن يبقى سوى 35 مليون دولار للشمال السوري وفقاً للمستشار الاقتصادي.
وحول وصول وتسليم المساعدات من التعهدات المخصصة بيّن "وسيم الحاج" أن حصة السوريين الموجودين في تركيا ولبنان والأردن يتم اقتطاعها من (رأس الكوم) وتُنفّذ عبر الدول المستضيفة للاجئين السوريين، والحصة المتبقية للسوريين الموجودين داخل البلاد يتم التعامل مع كل منطقة نفوذ بطريقة مختلفة عن الأخرى.
وأردف الحاج أن لكل منطقة حجماً مختلفاً في تخصيص المساعدات بناء على اعتبارات سياسية لا اعتبارات إنسانية، وطريقة مختلفة أيضاً في التعامل حوكمياً، مضيفاً أنه هنا يقع السوريون بين فكّي سرقة المساعدات بذريعة الدولة السورية، أو هدرها لعدم وجود دور للمجتمع المدني في تحديد الأولويات أو رقابة من الحكومات المسيطرة على عمل تلك المنظمات.
وأكد غياب صوت المجتمع المدني السوري داخل البلاد وخارجها في قرار المساعدات أو تحديد أولوية الاحتياجات (نقابات، جاليات، تجمعات شبابية، فرق طلابية، حراك جماهيري منظم، اتحادات... إلخ)، فالسائد والمتحكم على مفهوم المجتمع المدني هم بعض المنظمات، التي لا تمثل سوى جزء صغير جداً من المجتمع المدني السوري.
ومن المستغرب أن 70 بالمئة من العاملين في المنظمات يعتقدون أنَّهم هم المجتمع المدني وعليهم تقع مسؤولية تأمين احتياجات السوريين والوصول بهم حتى إلى بر الحل السياسي المنشود، حسب الحاج، معرباً عن أسفه من ضعف أداء المعارضة على الصعيد السياسي والحكومي، فهم مسؤولون ومساهمون في خنق صوت المجتمع المدني السوري الحقيقي.
في حين أشار إلى أن إيقاف تخصيص المساعدات للشعب السوري يؤدي إلى انقطاع رزق آلاف من موظفي الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات، تلك الدول العاملة في الشأن السوري والشرق الأوسط ومصاريف مكاتبهم التشغيلية، والتي يتم اقتطاعها من المبالغ المخصصة للشعب السوري.
رسالة إلى مؤتمر المانحين
ولقطع الطريق على ميليشيا أسد وحلفائها الروس والإيرانيين واليمين الأوروبي المتطرف، من الاستفادة من هذا المؤتمر وتحويله فرصة لإعادة تعويم بشار الاسد، والضغط باتجاه رفع العقوبات الدوليّة المفروضة عليه، يقول المحامي عبد الناصر حوشان: إنَّه يقتضي على المعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني توجيه رسالة للمؤتمر يحذرون فيها من ذلك، والطلب إلى المانحين توجيه المساعدات إلى مكانها الصحيح، وأن تصرف للمستحقين الحقيقيين من المنكوبين جراء الزلزال.
ويوضح عضو هيئة القانونين السوريين (حوشان) لـ "أورينت" أنَّ مؤتمر بروكسل مهم جداً، فمن الممكن الاستفادة منه للحيلولة دون تعويم الأسد من خلال هذا المؤتمر، وللضغط على المجتمع الدولي لإعلان المنطقة المحررة منطقة آمنة أو محمية باعتبار أنَّها أصبحت في وضع إنساني معقّد بسبب اجتماع ظرفي النزاع المسلح والكارثة الطبيعية، في ظل عدم وجود أي أفق للحل السياسي في المدى المنظور.
يذكر أنَّ المؤتمر يُعقد سنوياً في العاصمة البلجيكية بروكسل، وينظمه الاتحاد الأوروبي وتجتمع فيه الدول لتتعهد بمبالغ تقدمها كمساعدات للشعب السوري ودول المنطقة المستضيفة للاجئين، ويتم وضع جزء من المبالغ المتعهد بها في صندوق الأمم المتحدة لتنفيذه عبر وكالاتها، والجزء الأكبر تنفذه الدول عبر وكالاتها ومنظماتها، وفي أيار الماضي تعهدت الدول المانحة بمبلغ 6,7 مليارات دولار.
وفي 20 شباط/فبراير الماضي، أعلن وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، أنَّ "بلاده تعتزم عقد مؤتمر دولي في 16 آذار في بروكسل لجمع التبرعات بعد الزلزال المدمّر في 6 شباط". مشيراً إلى أنَّ السويد تهدف من خلاله إلى دعم إضافي لشعبي تركيا وسوريا
التعليقات (0)