عزمارين، بلدة سورية منكوبة، ضربها الزلزال كباقي المدن القريبة منها، وفقدت ما يقرب من 400 شخص من أبنائها ومن النازحين إليها، منهم أكثر من خمسين شخصاً من عائلة واحدة، وتدمّرت فيها عشرات المساكن وتصدّعت المئات، ومع ذلك لم يغطيها الإعلام بنفس درجة من حولها، ليقف أبناء البلدة جوار الدفاع المدني بإمكانياتهم المتواضعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقال خضر العبد الله من أبناء البلدة، إن غياب الإعلام عن البلدة يعود لبعدها عن مدن الشمال ووعورة طريقها الجبلي، إضافة إلى أنها صغيرة الحجم وقلّة عدد السكان فيها قياساً لسلقين وحارم التي تتبع لهما، علماً أنها خسرت أكثر من غيرها بالزلزال نسبياً، كما إنه ليس فيها نشطاء إعلاميون.
وتقع بلدة عزمارين في الجهة الغربية من محافظة إدلب، ويفصلها عن تركيا نهر العاصي، وتبعد عن إدلب المدينة بحدود 55 كم، وتتبع إدارياً لمنطقة حارم وناحية سلقين.
ويعمل معظم أبناء البلدة بالزراعة، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 5200 نسمة قبل الثورة، وكانت من أول البلدات المحررة من النظام، لذا لجأ إليها أكثر من 12500 نازح من مدن الداخل.
وفي السادس من هذا الشهر، تعرّضت عزمارين لزلزال مدمر كباقي أخواتها من مدن الشمال، حيث تهدمت فيها 20 بناية طابقية تهدماً كلياً، بينما سلم من الزلزال المنازل الأرضية والمحال التجارية، علماً أن أكثر من نصف الأبنية المتبقية في البلدة متصدعة وغير صالحة للسكن حسب ما أفاد أهلها.
وقرب المساكن المهدمة وفي اليوم التالي لوقوع الزلزال، تم إنشاء مركز إيواء لمن نجا من الزلزال وتهدّم أو تصدّع منزله، المركز يتكون من عدد من الخيم المفردة التي نُصِبت على عجل من قبل المنظمات الإغاثية، ولكنها تفتقر إلى المنافع المستقلة والتمديدات الصحية، أبو رجب أحد القاطنين في المركز مع عائلته قال لنا: "بعد أن شاهدنا الشقوق في منزلنا والتي تُدخِل الكف، خفنا على أرواحنا وزاد خوفنا الهزات الاراتدادية التي تكررت كثيراً، الأمر الذي أرغمنا على السكن في هذه الخيمة على أمل ترميم مسكننا أوتأمين مساكن بديلة لمن لا يصلح منزله للسكن".
عن الصعوبات التي تعترضهم في مركز الإيواء، ذكر أن "أهمها الازدحام والبرد ونقص المواد إن كانت للتدفئة أوالتغذية، كما إن الوعود كثيرة ولكن الواقع لم يتغير منذ اليوم الأول لحدوث الزلزال".
بدوره، أفاد عبد الله أبو العباس أحد شباب البلدة الذين هبّوا فور انتهاء الزلزال لنجدة السكان وكان متابعاً لوضع بلدة عزمارين لحظة بلحظة،: "فقدت عزمارين مجموعة من العوائل بكامل أفرادها كعائلة الغنام والتي فقدت اثنين وخمسين شخصاً من أبنائها، وهي أكبر عائلة بالبلدة، علماً أن أحد البنايات المنهارة كل سكانها من عائلة الغنام والذين قضوا جميعاً، سبب هذا الكم الكبير من الشهداء من العائلة هو سكنهم جوار بعضهم كونهم أقرباء، إضافة إلى أنهم يسكنون السكن الطابقي، وهو ما زاد من الوفيات، الضحايا في عزمارين لم يكونوا من أبناء البلدة فقط، بل كانوا من النازحين أيضا من بلدة سلة الزهور القريبة والتي فقدت 12 شخصاً من عائلة واحدة، ومن بشلامون والبارة".
وعن لحظات الإنقاذ التي عاشها أبو العباس قال: "لحظة الزلزال واهتزاز المبنى الذي كنت فيه، شاهدت هلع الناس وهروبهم، هو كان يوم رعب ولا يُنسى، مثل يوم القيامة، البعض يبكي والبعض يصرخ وآخر يدعو ربه ومنهم من انهار في مكانه والقليل من بقي به عزم لمساعدة غيره، وخاصة بعد أن بدأت البناية بالاهتزاز، حيث رأيت أمامي أربعاً من البنايات التي انهارت، وانطلقتُ مع عدد من شباب البلدة لإنقاذ الناس، حيث تمكنت من إنقاذ طفلين بادئ الأمر ثم امرأة وابنتها، وكنا بين كل عملية إنقاذ نذهب لندفئ أيدينا ونعود للمساعدة".
وعن سبب تأخّر عمليات الإسعاف في بلدة عزمارين، بيّن أبو العباس: "لم يصل الدفاع المدني مواقع الهدم حتى ما بعد الظهر، حيث ذهبت للمركز لأطلب منه الحضور وإذا بخزان الماء البيتوني المجاور للمركز قد تهدم فوقهم وسبّب ضرراً لآلياتهم، حيث قال لي أحد عناصر المركز إنهم سيحضرون بالحال رغم تعدد الطلبات وعجزهم عن الرد عليها كلها، كما إن كبر حجم الكارثة وتعدد مواقع الهدم أعاق عمل الدفاع المدني المشهود لهم بالمبادرة دائماً".
في هذه الأيام وبعد مرور عشرة أيام على النكبة، تبدو عزمارين وكأنها بلدة يملؤها الحزن والدمار، بعد ليالٍ عاشها أهلها مليئة بالألم، وهم يجترّون مشاهد الحزن بعد أن فقدت زينة أبنائها نتيجة الزلزال، والبعض يسترجع ذكرى الأب المفجوع الذي يجلس قبالة ابنته المحشورة تحت أنقاض منزلهم وسط محاولات الدفاع المدني بإنقاذها، يواسيها بالكلمات ويعدها قائلاً: "قومي يا روحي والله بجبلك لعبة".
كما يذكرون بحسرة كبيرة لحظات إنقاذ الطفلة أنوار على قيد الحياة، من بين أنقاض منزلها في بلدة عزمارين في ثاني أيام الزلزال، لكنها للأسف فقدت الحياة قبل وصولها إلى المشفى.
آلاف العوائل خرجت دون أمتعتها، معها فقط ما تحمله من ذكريات هرباً من الموت، يعيشون حتى اليوم بالقرب من ركام منازلهم التي دمرها الزلزال، في ظروف قاسية على أنفسهم وأجسادهم التي أثقلتها الهموم.
الحاجة وردة وابنة جبل الزاوية والنازحة إلى عزمارين تبدو وكأن هموم الدنيا تجثم على كاهلها، تقول إنها فقدت 12 شخصاً من عائلتها، وهم أبناؤها وأخواتها وأبناؤهن وتضيف بحسرة:
"كلهم شباب، منهم الممرض والمدرّسة وجمعناهم كلهم وذهبنا بهم إلى بلدتنا البارة في جبل الزاوية ودفناهم هناك، لو أنني فقدت واحداً أو اثنين لما فتحت فمي، ولكن كل أهلي راحوا!".
كما أنهم يذكرون طلب أحد الآباء المفجوعين وهو يترجّى رجال الإنقاذ: "احفرلي القبر عبين ما إجي"، طالباً أن يأخد ابنته لتنعم بالدفء قبل أن يتم دفنها!.
أهل عزمارين يقولون إن التكافل الذي لمسوه خلال الأزمة، ليس بغريب عن أهلنا نهائياً، لكن الملفت للنظر هو مساهمة الطفل قبل البالغ والمرأة قبل الرجل والفقير قبل الغني والنازح قبل المقيم ومن بالداخل قبل المغتربين، وهو ما ذكرهم بحملات جمع التبرعات في بداية الثورة عندما فتحت أبواب التبرع لمناطق الحصار بحمص وغيرها من المناطق وكيف كان البذل آنذاك.
سمة الإيثار أيضاً ظهرت في عزمارين، وذلك ما قاله أحد أعضاء الجمعيات التي كانت تقوم بتوزيع الإغاثة بعد الزلزال: "حدث معنا في بلدة عزمارين المنكوبة وأثناء توزيع السلل الغذائية والتدفئة على العائلات المنكوبة في البلدة كان يقف ثلاثة إخوة مهجّرين من حلب دُمرت بيوتهم بالزلزال، أعطيناهم ثلاث حصص، لكنهم اعتذروا وقالوا: "يسلموا أخي، نحن تضررنا كثيراً، ولكن وضعنا المادي جيد، أعطيها لمن فقد بيته وفقير ليس عنده شيء".
الكثير من مباني عزمارين تهدم ومنها من تصدّع ويحتاج إلى ترميم، وبقيت عيون أهلها مع الكثير من النازحين إليها الذين فقدوا أحبتهم وممتلكاتهم، تنتظر من يمد لهم يد العون ويفتح أمامهم بيتاً جديداً يجمعون فيه ما تبقى لهم من ذكريات.
التعليقات (0)