متى يردّ على الزلزال بالوقت المناسب..؟

متى يردّ على الزلزال بالوقت المناسب..؟

في إحدى مناطق العالم وتُدعى سوريا، يوجد شعب يتعرّض منذ اثنيْ عشر عاماً لأعلى درجات الزلزال وعلى مقياس طاغية مستبد يعلو صوت شدة عذابه وإجرامه فوق صوت الزلازل.

هذا الزلزال المستبدّ دمّر كل جوانب الحياة بأبعادها السياسة والاقتصادية والاجتماعية في الداخل السوري، ومازال يُمنح فرص الفعل المؤازر

من قبل داعميه إيران وروسيا ليكمل الزلزال الكارثي منذ بدء الثورة، هذا الزلزال الذي كانت نتائجه دماراً للبنية التحتية السورية وللمدن بصورة شبه كاملة، بالإضافة إلى الانزياحات السكانية على شكل أمواج من التهجير القسري، داخلياً وخارجياً، يضاف إليهم آلاف القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين.

الزلزال كارثة طبيعية مرعبة، لا يمكن ضبط توقّع ساعة حدوثه وقوته ومدّته، وكذلك تصوّر نتائجه وتخيّل ما يلحقه من أضرار مادية وخسائر بشرية.

وقد أعيتِ الزلازل والكوارث الطبيعية المختصين والمتنبئين، ولم تستطيع علوم هندسة البناء والدراسات الجيولوجية لطبقات الأرض، الحد من كوارثها، وبقي الإحساس المبكّر للحيوانات يفوق التوقعات والدراسات وبقي الإنسان مهما حصل من معارف وعلوم وجمع من أموال ضعيفاً أمامها.

لا صوت اليوم يعلو فوق صوت السوريين الذين استفاقوا صباح يوم الإثنين من شهر شباط الجاري للعام 2023 على أكبر زلزال في تاريخهم المعاصر، ليكتشفوا بعد دقائق من الإعلام ووسائل التواصل أن مركزه لا يبعد عن حدودهم الشمالية أكثر من بضع كيلومترات، تلك الحدود التي تربطهم بجيرانهم الأتراك الذين خبروا فعل الزلازل ونتائجها الكارثية في التاريخ الماضي.

هذا الزلازل الذي كان مركزه تركيا ووصلت ارتداداته لسوريا، وجّه رسالة مفادها أن الطبيعة بظواهرها وخيراتها وكوارثها لايقف بوجهها حدود ولا معابر ولا جدران، ولاتميّز الشعوب في هوياتها القومية والدينية، ولا تستثني الجنس والعمر.

هذا الزلازل أيقظ الجميع، الأتراك والسوريين، ككابوس مرعب أثناء نومهم، وجعل الرعب يدبّ في قلوبهم فانتفضوا من فرشهم هرباً تاركين بيوتهم حاملين أطفالهم إلى الشوارع والساحات، وتركوا خلفهم أمتعتهم وحوائجهم، وتحت سماء الرحمن التي كانت تمطر استظلوا، خوفاً من بيوت ستهوي وتقع فوقهم، وصبروا على البرد والصقيع أمام هول الزلزال ورعبه.

ما زالت أعداد الضحايا في ازدياد، وقد تجاوز عددهم في سوريا وتركيا آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، وكذلك المفقودين، والحالات التي يُكشف عنها خطيرة والتوقعات سيئة، فالدمار كبير والركام كثير، والمباني الآيلة للسقوط والانهيار كثيرة، وخاصة بالجانب السوري، إذ معظم الأبنية في الشمال السوري قد تعرّضت للقصف على مدار سنوات الثورة من قبل جيش الأسد والطيران الروسي، ويقيم فيها عدد كبير من المهجّرين من مناطقهم إلى جانب سكان المنطقة الأصليين الذين يعانون من الفقر والعوز والحاجة ونقص الإمكانيات وضعف القدرات، وزاد في الكارثة برد الشتاء وتدنّي درجات الحرارة وهطول الثلج.

الزلزال الذي حدث وهو من سنن الكون ونواميس الطبيعة التي خلقها الله عز وجل، و حدث بأمره، لا مناص من التسليم والرضا والدعاء لله بالرحمة واللطف بعباده، وأن يكون عوناً لهم ويصبرهم على ما حلّ بهم، ويرحم موتاهم ويعافي جرحاهم وينجي المفقودين تحت الركام، ويصبّر المكلومين والمفجوعين، ويعوضهم خيراً على ما أصابهم.

 ولكنّ زلزال السوريين ونكبتهم الأشد هو نظام الأسد المستبد، إذ تتكرر مأساته كل يوم، وتزداد يوماً بعد آخر، ويكتوي بناره الشعب، الذي هُدمت بيوته وقُتل أبناؤه وهُجّر من دياره، وانتُهكت ومقدساته وسُلب تاريخُه وضاعَ مستقبله، وأثناء النكبة لاحقهم زلزال الأسد بقصفهم بالمناطق التي هُجّروا إليها.

زلزال استبداد الأسد، صدع سوريا وتركيا ودول الجوار ويمعن كل يوم بظاهرة جديدة لدوام استبداده، آخرها تصدير المخدرات.

 وما زال هذا الزلزال المستبد مستمراً، وموجاته الارتدادية متكرّرة، وقد ينسى السوريون الذين ثاروا للخلاص منه ومن آثاره، ما حلّ بهم من الزلزال الطبيعي بكل جوانبه البشرية والمادية، أما زلزال الأسد فهو الزلزال الذي لن ينسوه، وكتبُ التاريخ لن تطوي صفحات إجرامه مهما زُلزلت الأرض واهتزت طبقاتها تحت أقدامهم.

التعليقات (2)

    حسن المروان

    ·منذ سنة شهرين
    يسلم ايدك استاذ يونس

    يونس العيسى

    ·منذ سنة شهرين
    شكرا استاذ حسن و تحياتي لك
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات