أرواح في عين الزلزال

أرواح في عين الزلزال

هزّات ارتدادية عنيفة، عواصف، ثلوج، صقيع، بيوت، خيام،... والناس في العراء أطفال وكبار ونساء ومرضى، ولسان حالهم " لو أننا نموت جميعاً فلا نبكي على أحد، ولا نترك خلفنا من يبكي علينا" عاد المشهد المأساوي للسوريين المهجّرين النّاجين من قصف طاغية العصر بشار ومن براميله وصواريخه الفراغية، ليموتوا تحت الأنقاض في البرد القارس. من استبداد الأنظمة والفصائل إلى طغيان الطبيعة وغضبها المفاجئ! 

على ماذا يبكي السوري الآن؟ على وطن تنازعته ضباع العالم الأشرار ونُفي عنه؟ ترك كل شيء فيه وغادره؟ أم على بحر يبتلعه بين طيّات أمواجه الصاخبة؟ أم على أرض غريبة كان مهدّداً في الترحيل منها تبتلعه الآن في جوفها؟!

الزلزال المدمّر مرّتان  

توقظنا الأرض وهي تهزّ السرير فجراً، نهرع للشوارع الباردة بثيابنا، نرقب موجات الارتدادات ونسأل الغبار، فتطلع من كهف الذاكرة؛ الصواريخ الفراغية والبراميل الأسدية والكراسبول والسيخوي والقذائف العنقودية، حين كانت تدكّ المنازل والمشافي والمدارس وكل ما تطاله من أبنية وبنى تحتيّة، على مبدأ الإبادة والعقوبة الجماعية، تعود الصور المؤلمة من جديد في فصل من فصول الجحيم السوري.

عزيزي الزلزال، لماذا أتيت؟ ليس مرة واحدة فقط في هذا الشمال البئيس، ولكن مراراً وتكراراً مع مزيد من الحسرة التي لا تنتهي، هل قدر السوري أن يحارب ويناضل ضد الفيضانات والبرد القارس والزلازل؟ هل قدر السوري أن تحمله المأساة إلى أبعد نقطة في الخيال، لم نعد نستوعب حجم المعاناة الحاصلة في قلب تلك الكارثة الهائلة والتي عادت لتعود معها المقابر الجماعية لتعود معها ذكرى القصف الأسدي فنشاهد الجثامين المتراصفة كما شهدناها بعد ضربة الكيماوي في منهاج القصف المتكرر للنظام المجرم، ترجع صور النزوح المريرة ترجع معها صور التشرّد في العراء تحت الثلج والرياح العاصفة، ترجع صور الاتصال الأخير مع الضحايا تحت الأنقاض يرجع معها سيل من النداءات الأخيرة والبكاء المرير للفقد في أحد فصول الذاكرة السورية الممتلئة بالآلام والأوجاع، ترجع معه أصوات الصراخ والعويل والتكبير، ترجع معه نداءات الاستغاثة للشعب المنكوب ترجع معه بيانات التضامن والقلق المخزي من بعض الدول التي ماتزال إلى الآن تخذل الشعب السوري وما يزال الشعب الأعزل متروكاً وحيداً في العراء يواجه قدره ومصيره المحتوم ويصارع حتى النّفس الأخير، يناشد ويدعو الله وحده.

كما إنه لا يخفى على أحد منّا، الجحيم اليومي المعاش في الشمال السوري، ولا يستطيع أحد مقايسة معاناة هؤلاء ضمن ميليشيات متناحرة وفي ظل غياب الدولة أو مؤسسات رشيدة يمكن أن يُعوّل عليها، أو حتى يمكن أن تحمل جانباً أخلاقياً لتقديم العون وتجاوز الخلافات لمن يجاورنه مثل تنظيم قسد وغيره، لتكون هذه المأساة الجديدة التي تضاف إلى واقع المآسي السورية، وفي المقارنة مع الزلزال نفسه الذي انقسم إلى شطرين؛ شطر في تركيا حيث الدولة أعلنت على الفور الطوارئ من الدرجة الرابعة، وأعملت كافة منافذها الخارجية وطلبت الدّعم الفوري والمساعدة من الدول كافة. فتزاحمت الطائرات والفرق الدولية في مطاراتها وتهافتت عليها الدول القوية في تقديم يد العون والمساعدة من فرق إنقاذ وخبراء ومعدّات وتجهيزات صُنعت خصيصاً لهذه الكارثة؛ بل تُشعرك تلك الدول كأنها تسابقت فيمن سيقدم لها يد العون أولاً، فالدول القوية تساعد من يكون على شاكلتها، بينما نحن السوريين نتحسّر على الشمال الغائب عن الحياة، الشمال الحزين المطعون في عين الدمار المزدوج الحاصل لها، لتعيش زلزالاً مضاعفاً، ونحن نشاهد تلك الأسر المنكوبة وهي تحزم أمتعتها لتبيت في العراء، فأي ملاجئ سيأوي إليها اللاجئون في ظروف المناخ القاسية، أولئك الذين بنوا بيوتهم الصغيرة على عجل في الشمال دون دعم كافٍ لها، بسبب ضعف الإمكانيات أو ظنوا أن الأزمة لا بد أن تُحلّ في المدى المنظور، والسؤال المر من سيعوّضهم، من سيدفع لهم تلك الخسائر في الممتلكات؟ بعد الصور المأساوية من أمطار وسيول وفيضانات وانهيارات، فقد شهدت أضراراً مهولة بعد هذا الزلزال وتبعاته من هزّات ارتدادية عنيفة، هكذا ينقسم الزلزال على الحدود السورية، حتى في تعداد الضحايا داخل تركيا، معظم السوريين استقر بهم الحال في الجنوب التركي في إقليم هاتاي وفي مناطق غازي عنتاب والتي شهدت ضرراً مهولاً، والأخبار ترد عند عدد كبير من الضحايا السوريين، هؤلاء أُسقطوا من حسابات النظام السوري، حين أعلن الرئيس المجرم في لقائه الأول بعد حدوث الكارثة أسماء المناطق المنكوبة، واستثنوا إدلب من المحافظات السورية، وكذلك تجاهلوا أعداد ضحايا اللاجئين الذين قضوا سواء في الشمال المحرّر أو في تركيا.

أحلام صغيرة تحت الأنقاض 

في قلب الأرض كان هناك صدع؛ والصدع في الأرض وصل إلى الصدع في قلوبنا؛ وفقدنا شعبنا وأرضنا! أي معادلة يعيشها الشعب السوري المقهور وما الذي يرمم تلك الآمال المتصدعّة، والأحلام المدفونة تحت الأنقاض، والصرخات المؤلمة والرغبات المحطمة في العراء الموحل والموحش لشعب خذله العالم في رحلة النزوح الطويلة دون وجهة واضحة له، دون أفق يمكن أن يعوّل عليه، وهو لا ينفكّ يجري التدريبات اليومية على الزلزال، الدموع والألم والحسرة يعودان إلى الظهور من الشقوق مرة أخرى في أرواح أولئك الذين يسيء العالم معاملتهم؛ في الأمواج الشديدة التي تهدّد بغرقهم جميعاً، في يأس نداء ضحية لم يتم الردّ عليها تحت الأنقاض؛ إنها تلك الرحلة الشّاقة الطويلة التي عجز عنها العالم ليحسم خلاصها، لتمر الآن في محطة الزلزال السوري، ذلك الذي سيبقى محفوراً في أذهان الملايين من الناس إلى الأبد.

التعليقات (2)

    ورد الشام

    ·منذ سنة شهر
    اخخخخ من القهر

    مشارك

    ·منذ سنة شهر
    وعلى هذا الاساس، ننتظر من السوريين المنكوبين شمال غرب سوريا، بعد توديع عائلاتهم، الخروج بثورة على تلك الميليشات المتناحرة والمعارضة، تماما كما خرجوا منذ 12 عام على النظام المجرم...... كما ننتظر من وفد النظام السوري المفاوض في استانا إلى وقف التفاوض مع الائتلاف، الذي أثبت فشله الذريع. شكرا. الرحمة للشهداء.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات