التداعيات السياسية لزلزال "كهرمان مرعش"

التداعيات السياسية لزلزال "كهرمان مرعش"

مازالت الكارثة التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا تكشف عن وجهها القبيح، ومازال الخوف والهلع يلاحق سكان تلك المناطق بسبب الهزات الارتدادية المتكررة التي لم تتوقف حتى اليوم، وتظهر البيانات والمعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية وغير الرسمية أن الأضرار التي ألحقها الزلزال الذي وقع صبيحة يوم الإثنين 2/6/ 2023 توزعت على ثلاث مناطق؛ أكثرها تضرراً تلك المناطق الواقعة في مركز الزلزال في الأراضي التركية، تليها المناطق الواقعة في شمال سوريا، وهي المناطق الخارجة عن سلطة النظام، بينما كان تأثير الزلزال أقل حدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

وبينما تختلف تأثيرات الزلازل حسب حدتها وشدتها، اتضح مبكراً أن زلزال "كهرمان مرعش" تسبّب بكارثة إنسانية قضّت مضجع العالم، فهرعت الدول من كل حدب وصوب ترسل المساعدات الفنية والطبية والإنسانية إلى المناطق التي ضربها الزلزال. تعرّف هيئة الأمم المتحدة الكارثة على أنها "حالة مفجعة يتأثر من جرّائها نمط الحياة اليومية فجأة ويصبح الناس يعانون من ويلاتها ويصيرون في حاجة إلى حماية، وملابس، وملجأ، وعناية طبية واجتماعية واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى". ولأن الإنسان بطبيعته يربط الظاهرة بالسلطة السياسية عندما يشعر بأنه غير قادر لوحده على حل المشاكل الناجمة عنها، فمن الطبيعي أن تكون للكارثة التي خلفها الزلزال تداعيات سياسية، ورغم أنه من المبكر الحديث تلك التداعيات، إلا أنه يمكن للمحلل السياسي أن يتحدث بالخطوط العريضة لما يمكن أن يحدث.

لا شك أن هذه الكارثة الطبيعية التي أصابت الجنوب التركي وضعت الحكومة التركية في موقف صعب للغاية، فمواجهة ما خلفه الزلزال من أضرار يفوق طاقات الدولة التركية، وهذا طبيعي، إذ لا توجد دولة في العالم مهما عظمت مقدراتها على مواجهة هذا النوع من الكوارث منفردة، وهو ما دفع الحكومة التركية منذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال لإصدار تحذير من الدرجة الرابعة يناشد مساعدة دولية، واستنفرت الحكومة التركية كل طاقاتها في محاولة لاحتواء الأزمة الإنسانية التي خلفتها الكارثة، والكارثة في بعض جوانبها تشبه الحرب إذ تخلق حالة يكون فيه التكاتف والتعاطف بين أبناء المجتمع في ذروته، وتخلق حالة من الحشد الشعبي خلف الحكومة، من هنا، وباعتبار أن الحكومة التركية مقبلة على انتخابات مصيرية؛ يمكن اعتبار طريقة إدارتها للأزمة بمثابة برنامج انتخابي، فهي إما "تجسّد القيادة في تحويل ما هو محنة إلى مكاسب" على حد تعبير "صن تزو"، وإما تفقد رصيدها لدى الشارع التركي إن هي فشلت بإدارة الأزمة، فكما يقول "روبرت هيريك": "ثم تولد الشدائد السخط".

من جهة أخرى، لم يفسح امتداد الآثار المدمرة للزلزال إلى الأراضي السورية المجال لما يعرف في أدبيات العلاقات الدولية بدبلوماسية الكوارث، حيث تقوم بعض الحكومات بعرض أو تقديم المساعدات لجهة كانت بالأصل على خلاف معها، وهو ما يخلق بيئة صالحة لتخفيف حدة التوتر بين الطرفين، بل جاءت الكارثة بعكس ذلك، فالحكومة التركية التي كانت تتحدث عن إمكانية التطبيع مع النظام السوري، وعن إمكانية حدوث لقاءات على أعلى المستويات بينها وبين النظام السوري؛ لم تعد بوارد الحديث عن هذا الموضوع في الوقت الراهن، وفي حال صدقت التنبؤات القائلة بأن الحديث عن إمكانية التقارب مع النظام السوري مجرد مناورة انتخابية؛ فيمكن القول: إن قصة المصالحة مع النظام السوري ذهبت أدراج الرياح وإلى غير رجعة.

على المقلب الآخر، تبدو الكارثة قد أربكت النظام السوري، وبدا ذلك واضحاً في تأخر إعلان وسائل إعلام النظام في إصدار خبر يظهر اهتمام رأس النظام بالكارثة، ويبدو أن ما أربك النظام هو الحيرة بين رغبته باستثمار الكارثة بالضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات المفروضة عليه، وبين الظهور بمظهر المتفاني في خدمة شعبه، ولعل ما زاد الوضع إرباكاً أن الآثار المدمرة للزلزال في مناطق النظام لم تكن بالحجم الذي تنبّأ به رامي مخلوف عندما تنبّأ بحدث كبير يتكلم عنه العالم بأثره، وذكر أن تلك الانفراجات تتمثل ببدء تدفق المساعدات على سوريا والسوريين من كل أرجاء الأرض، ويعود المهجّرون، وتُعاد العلاقات الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية، ويُغلق الملف السوري بسلام، لذلك، لم تتدفق المساعدات، ولم تحدث الانفراجة، بل كان اهتمام العالم بالكارثة منصباً نحو توجيه المساعدات لتركيا وإعلان التعاطف معها لأنها المتضرر الأكبر من الكارثة، ولأنها دولة حقيقية، بينما اقتصرت إعلانات التضامن مع الشعب السوري المسكين والمظلوم على بعض حلفاء النظام، وجاءت على استحياء بعدما أصبح النظام السوري يجلب العار لمن يتعامل معه.

 أخيراً، لعل مقولة "المستقبل دائماً مجهول" تثبت أنها قانون لا يقبل الشك، فقد أربك الزلزال كل حسابات الدول ومخططاتها، فاليوم لا صوت يعلو فوق صوت المستغيثين الذين نعلن عن تعاطفنا معهم رغم أننا منهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات