زواج أون لاين!!!

زواج أون لاين!!!

تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من المؤسسات الإعلامية أخبار عن وقوع شبان سوريين موجودين في بلاد اللجوء ضحايا لعمليات احتيال في مسائل تتعلق بالزواج ورغبة هؤلاء الشبان بالارتباط بشابّات من بلدهم ولمّ شملهن إلى مواطن لجوئهم لتكوين أسرة وبناء حياة جديدة، ومع الأسف الكثير من تلك الحكايات كانت صادمة بتفاصيلها وتكشف عن مستويات وضيعة تربوياً وأخلاقياً لم يألفها السوريون في حياتهم قبل ذلك.

بطبيعة الحال يمكن استيعاب وتفهُّم أن تُفرز سنوات عشر من الصراع المسلح والأوضاع الاقتصادية العسيرة ومستويات الفقر الذي وصل حدّ الإدقاع التي يعيشها السوريون داخل بلدهم، تفكّكاً في البنى الأسرية والمجتمعية عموماً وتحلُّلاً في القيم والسلوك الأخلاقيين، لكن يبقى كل ذلك – أو يُفترض أن يبقى- ضمن نطاق محدود بالنظر إلى ما نعتقده وما نؤمن به من قيم أخلاقية ودينية تشكل جزءاً من الوجدان المجتمعي العام الضابط لسلوك الأفراد والجماعات البشرية والذي يُفترض أن يوفر حصانة للإنسان في سلوكه اليومي.

سمعنا جميعاً وقرأنا ربما عن عشرات الحالات التي وقع فيها شبان سوريون في العديد من دول اللجوء ضحايا لعمليات خطبة ولم شمل لفتيات سوريات أيضاً كان قصد الفتيات منها الوصول الآمن إلى أوروبا ومن ثم الهروب أو التخلي عن الشريك المفترض وبعض الحالات قدّمت فيها إحدى الفتيات شكوى بحق زوجها الافتراضي بمجرد دخولها مطار وجهة الوصول على أنها ستكون عرضة للابتزاز وأن الزوج المزعوم جاء بها من اليونان بجواز سفر مزور (!) وحالة  أخرى غادرت فيها الفتاة المطار مع شريك أو حبيب آخر غير الزوج الذي لمّ شملها واستقدمها وأنفق عشرات الآلاف عليها قبل وأثناء سفرها لتكون زوجة له وشريكة حياة (!) وهذا كله يشي بمستوى عالٍ من التحلل القيمي الذي صار فيه الإنسان يستبيح بكل صفاقة مشاعر الآخرين ووقتهم وأموالهم لتحقيق غاياته، وصار كل شيء مباحاً ما دامت لديك القدرة على فعله (!).

بطبيعة الحال هناك اليوم نحو 7 ملايين سوري لاجئ في العديد من دول العالم يتركز معظمهم في تركيا وأوروبا ومعظم هؤلاء ( ذكوراً وإناثاً ) من فئة الشباب ومن الطبيعي أن يسعى هؤلاء لتأسيس أسر ومعظمهم لا يجد سبيلاً لتحقيق ذلك إلا من خلال التواصل مع الأهل والارتباط بشابة من اختيارهم والتواصل معها عبر الإنترنت ومن ثم العمل على إحضارها إلى دولة الإقامة التي يعيش فيها الشاب وهذه العملية ليست فقط معقدة ودونها صعوبات أبرزها الوصول لسفارة الدولة المعنية لإتمام أوراق وإجراءات لم الشمل أو إدخالها ونقلها تهريباً عبر تركيا إلى أوروبا وإنفاق آلاف الدولارات والدخول في مخاطر الطريق ومحاذير قانونية كبيرة ولها أحياناً نتائج وخيمة، أو يتم ذلك عبر صفحات تواصل تديرها ( خطّابات ) يعملن كوسيط بين الشبان والفتيات مقابل عمولة متّفق عليها، وكل هذه السبل ليست حلاً ناجعاً لمسألة الارتباط وتأسيس كيان لعائلة المستقبل.

الزواج "أون لاين" أو الزواج الإلكتروني يشبه كثيراً عملية التسويق الإلكتروني التي تتفنن في طريقة عرض بضائعها والتي خالطها كثير من التدليس واستغلال حاجات الناس ومشاعرهم، وكثير من حالات التسويق الإلكتروني كانت مجرد عمليات احتيال حيث تجد نفسك تتسلم سلعة لا تشبه أبداً تلك السلعة التي اخترتَها وسددت ثمنها إلكترونياً، وفي كثير من الحالات تسدّد الثمن ولا تصلك السلعة أصلاً.

الزواج ليس صفقة شراء ولا يجب أن يكون.. والمرأة ليست سلعة أو وعاء جنسياً تسدد ثمنه وتوصي بإرساله ولا يجب أن تكون.. هذا المنطق يجافي القيمة الإنسانية للبشر، وينافي ما يتعين أن تتأسس عليه الأسر وأهمها المودة والتراحم والتلاقي الوجداني والقيمي والمجتمعي بين الزوجين، وهذه الروابط لا يمكن تأسيسها وبناء القرار عليها عبر التواصل الإلكتروني، هذه الروابط تُستولد وتتطور وتتعزز من خلال اللقاء الاجتماعي المباشر بين الزوجين المفترضين الذي يتيح لكل منهما فرصة التعرف إلى الشخص الآخر وأفكاره والقيم التي يؤمن بها وتشكّل جزءاً من بناء شخصيته وسلوكه العام.

 فالمسألة أكبر وأعمق من أن نخلق مساحة تعاقدية للقاء جسدين يتعاشران لإنجاب ذرية (!) فهذا ديدن المخلوقات ما دون البشر، ومن يعتقد أن الزواج مجرد تواصل جنسي للتكاثر يصغّر كثيراً من قيمة وأهمية الخلية الأساس لارتقاء المجتمعات ويقزّم كثيراً من أهمية الأسرة باعتبارها وعاء تربوياً للنشء الجديد.

في هذا السياق يمكن الحديث عن بدائل مختلفة عن تلك السبل - وخاصة لأولئك الذين لا يحبذون الزواج من مواطني دول الملجأ - فالسوريون صاروا بمثابة مجتمعات مصغرة في بلاد لجوئهم ويتعين عليهم تنظيم أوضاعهم المجتمعية وإنشاء جاليات ونوادٍ اجتماعية تكون بمثابة ملتقى للأسر والعائلات تتعارف وتتخالط فيما بينها وهي واحدة من السبل لتلاقي الشبان والصبايا والتعارف بينهم في جو عائلي يسهم في خلق وتوسيع فرص الاختيار والارتباط وهذا يخص الفئة التي تفضل الارتباط من نفس جنسيتها دون أن نغفل في هذا المقام دور أهل الفتيات في التيسير على الشبان والشابات في مطالبهن ونسيان كل الأفكار القديمة المتعلقة بالمهور، خاصة أن الوضع القانوني لهذا الارتباط وآثاره القانونية في حفظ حقوق الزوجين صار مختلفاً تماماً عما كان عليه وفق القوانين السورية. 
   
   

التعليقات (1)

    صحيح

    ·منذ سنة شهرين
    للأسف أنتشرت مواقع كثيرة لهذا الغرض بعضها مجاني…تنشر ثقافة السخافة والكره وتعمق الاختلاف بين السوريين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات