وسط غياب القضاء.. 3 طرق يلجأ إليها أهالي دير الزور لتحصيل حقوقهم في مناطق قسد

وسط غياب القضاء.. 3 طرق يلجأ إليها أهالي دير الزور لتحصيل حقوقهم في مناطق قسد

سبع سنوات مضت على سيطرة ميليشيا قسد على نصف محافظة دير الزور "القسم الواقع شرق الفرات" أو ما يُعرف بمناطق الجزيرة، ولا جديد سوى الفوضى، الأمر الذي أدى لتفاقم عديد الظواهر السلبية التي باتت تُرهق حياة السكان، بسبب تهميش قسد المتعمد للمنطقة.

ومن أبرز هذه الظواهر العنف وفوضى السلاح، فلا يكادُ يمرُّ أسبوع دون اندلاع اقتتالات بين أبناء المنطقة، يكون غالبية ضحاياها من المدنيين، إضافة إلى غياب السلطة الفاعلة وهشاشة الوضع الأمني، أما أسوأها تلاشي مفهوم السلطة القضائية. 

ملثمون وخلايا داعش

ويمكن القول إن السلطة القضائية في دير الزور هامشية ولا دورَ لها فعلياً، وجهاز الشرطة غائب تماماً عن المشهد بعد مرور خمس سنوات على إعلان ميليشيا قسد السيطرة على آخر معاقل تنظيم داعش في الباغوز في مارس 2019، وهذا ما يدفع السكان للجوء لطرق أخرى لتحصيل حقوقهم، وبعضها يأخذ منحى عنيفاً، وهناك أفرادٌ يلجؤون لما يسميهم بعض الناس بالملثمين أو الشرعيين.

وقالت السيدة "شادية" المقيمة في إحدى مناطق ريف دير الزور، لموقع أورينت نت إن "الوضع في المنطقة فوضوي جداً وهو أشبه بغابة، القوي يأكل الضعيف، اللصوص والمجرمون يُطلق سراحهم من قبل قسد لقاء مبالغ مالية، أو واسطات، ومن يملك سنداً عشائرياً قوياً حقه مضمون، ومن لا يملك فليس له سند سوى اللّه".

وأضافت: "نحن نازحون منذ ست سنوات، كانت ابنتي متزوجة من شخص من المنطقة، وبعد عام طلّقها وطردها، وأخذ طفلها منها، حاولنا البحث عن طريقة لترى ابنتي طفلها لكن دون جدوى".

وتابعت "شادية": "أشارَ عليَّ بعض معارفنا هنا بالذهاب لمسجد القرية وطلب المساعدة هناك بعد صلاة الجمعة، وفعلاً وقفت بعد انتهاء الصلاة وناديت وشرحتُ قصتي، فخاطبني أحد الأشخاص كان ملثماً وطلب مني معلومات أكثر عن زوج ابنتي، مرَّ أسبوع واحد وأعاد زوجها طفلها لها واتفقنا معه على الحضانة والنفقة، وعلمت لاحقاً أنه تعرّض للتهديد من قبل دواعش، لايهمني من يكونون ولم أعلم من هم، يهمني أن الطفل عاد لأمه".

وتتكرر مثل هذه الروايات كثيراً في عدة مناطق بريف دير الزور الخاضع لسيطرة ميليشيا قسد، إذ يدفع غياب القضاء والعدل بالسكان المغلوب على أمرهم للجوء لأي جهة قادرة على تحصيل حقوقهم.

ولا تزال قضايا اللجوء لخلايا تنظيم داعش النشطة في المنطقة لتحصيل الحقوق منتشرة ولو بشكل محدود، حيث يقوم عناصر تلك الخلايا بتصفية أشخاص يعملون بالسحر، ويغلقون محلات تبيع الدخان والنراجيل، ويهددون أصحابها كذلك، وبعضهم يتدخل في خلافات تتعلق بحقوق الناس فيما بينهم.

فوضى وعنف برعاية ميليشيا قسد

وحول هذا الموضوع، قال الناشط الحقوقي المحامي رامي عساف لأورينت نت إن "غياب مفهوم الدولة والقضاء ضغط على الناس في المنطقة، فعادت كل العادات والأساليب القديمة لتحصيل الحقوق، فصار الشعب يلجأ للعارفة والوجهاء، وفي بعض المناطق والحالات يلجأ البعض لاستخدام القوة والاستعانة ببعض الجماعات كتنظيم داعش مثلاً، وهذه ظاهرة متوقعة في مجتمع عانى كثيراً خلال 11 عاماً من الحرب، وتبدل القوى المهيمنة على الأرض".

وأشار عساف إلى أن "الانفلات الأمني مثلاً في مناطق الجزيرة التي تسيطر عليها ميليشيا قسد، أدى لترسيخ ظاهرة تحكيم السلاح لتحصيل الحقوق، والاستقواء كذلك بالجماعات المسلحة التي حكمت المنطقة، واليوم قسد كمثال هناك أشخاص يستقوون بها".

"لدينا اليوم ثقافة عنف طاغية، وهناك فوضى خلّاقة تُنميها وترعاها قسد بالذات في دير الزور، فاستقرار هذه المنطقة بالذات سيؤثر على حكمها وشرعيتها ويسبب لها نوعاً من القلق، فهي تروّج على أن مناطق دير الزور عبارة عن مناطق فوضوية وتغص بعناصر تنظيم داعش، ولا ننسى دور خلايا النظام كذلك في زيادة الفوضى عبر خلاياه، لذلك تلجأ قسد لتهميش المنطقة"، بحسب عساف.

محكمة وحيدة 

وذكر المحامي رامي عساف أن القضاء شبه غائب في دير الزور، مشيراً إلى أنه "توجد محكمة وحيدة هي محكمة الكسرة غرب دير الزور، بينما لدينا مدينتان كبيرتان كالبصيرة وهجين في الجزيرة ولا توجد فيهما محاكم، وأساساً وجود المحامين بات نادراً في دير الزور منذ سنوات، وغالبيتهم يتوجهون للعمل في المنظمات أو في مدينة الحسكة".

واعتبر عساف أن "قسد تحارب فكرة نشوء مجتمع مدني في دير الزور، لذلك تلاحق الناشطين وتُضيّق عليهم، وتعطي السلطة للصوص وقطاع الطرق وذوي السوابق، هذه سياستها ببساطة، قمع أي نمو للمجتمع وتهميشه لتضفي شرعية لتواجدها، فبقاء قسد مرهون ببقاء الفوضى، ولهذه الفوضى نتائج أبرزها غياب العدل وهيمنة العنف".

اللجوء لـ "العارفة والوجهاء"

ومع تلاشي السلطة القضائية في دير الزور، يلجأ السكان في بعض المناطق لأساليب قديمة كانت حاضرة قبيل تبلور الدولة السورية، مثل الاحتكام لــ"العارفة" والوجهاء والشيوخ، وهم عبارة عن وجاهات محلية عشائرية تُصدر أحكاماً عُرفية للبت في قضايا أهل البلد، وكل منطقة فيها مجموعة من الوجهاء عادةً تبّتُ في النزاعات والخلافات، ومنذ بداية الثورة وتلاشي سطوة ميليشيا أسد، باتت هذه الأساليب معروفة كحل بديل للمحاكم.

وحتى في المناطق التي تهيمن عليها ميليشيا قسد وتوجد فيها سلطة قضائية تابعة لما تسمّى بـ "الإدارة الذاتية"، فالفساد هو الطاغي في أقبية محاكمها.

وأوضحت الناشطة سعاد العبود من الرقة لأورينت نت، أن "القضاء التابع لميليشيا قسد في الرقة مثير للسخرية، ويقوم على الوساطات العشائرية، وكم من متهمين بقضايا مخدرات وسرقة ودواعش تم إطلاق سراحهم بسبب تدخل كوادر من الحزب أو من مجلس أعيان العشائر التابع للميليشيا"، لافتة إلى أن وجود المحاكم هنا كقلّتها.

وكانت ميليشيا قسد قد أفرجت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي عن تاجر المخدرات المعروف عبد اللّه صلاح، بعد تدخل كوادر من حزب العمال الكردستاني PKK، بحسب ما أفادت به شبكة "الخابور" المحلية.

 ومع استمرار قسد باتباع هذه السياسة الكارثية في إدارة المنطقة وتهميشها، تتواصل الاقتتالات شبه الأسبوعية، فلا خيار أمام مسلوبي الحق سوى العنف في ظل غياب القضاء والعدل. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات