يوميات سورية في مجتمعات تفترض عداوة وتخوين السوري

يوميات سورية في مجتمعات تفترض عداوة وتخوين السوري

تخبرني جارتي السورية الداخلة إلى لبنان "بالتهريب" أنهم اعتقلوا زوجها منذ شهرين بتهمة سرقة أسلاك الكهرباء!

وتحلف لي: زوجي بريء، هو يعمل نجاراً "وشغلو منيح"..

جارتي تلك لا تتجاوز من العمر 24 عاماً، تحمل بين ذراعيها طفلة رضيعة، وحولها 3 فتيات أكبرهن لا تتجاوز السابعة!.

ليس لنا أحد، كان محمد معيلنا الوحيد، حاولت زيارته أكثر من مرة فلم يسمحوا لي.. قل لي: كيف سأعيش مع 4 بنات، ولا نملك ثمن ربطة الخبز؟..

جارة أخرى تعمل "شغالة" في المنازل، تحكي لي قصتها: وصلنا بعد الثورة بسنتين، دمروا منزلنا في الرقة، كنت وزوجي وخمسة أبناء لنا، أثناء الفرار إلى لبنان، عملنا ناطورين في إحدى العمارات، كنت أنظّف بيوت كل السكان، وزوجي ينفّذ كل الخدمات، فقط مقابل غرفة للسكن، تخلو من كل شيء.

منذ خمس سنوات اعتقلوا زوجي بتهمة السرقة.. لغاية اليوم لا أعرف عنه أي شيء مع أنني حاولت.. وصدقني زوجي ليس حرامياً .. كان مستعداً من أجل اللقمة الشريفة أن يقوم حتى بتنظيف المراحيض، وهو كان معلم مدرسة في قريتنا.

النادلة الحسناء في أحد مقاهي شارع الحمرا، أخبرتني أنها خريجة حقوق من جامعة دمشق، وأنها مارست المحاماة سنتين..

حين اعتقلوا والدها ولفّقوا له ألف تهمة وتهمة، وحاولوا اغتصابها.. هربت إلى لبنان، وهي تعمل نادلة وبمبلغ بسيط لا يكفيها إيجار غرفة صغيرة في إحدى ضواحي بيروت.

أنهت حديثنا وهي تمسح دمعتين، وهربت إلى داخل المقهى.

الشاب الحمصي المفتول العضلات، والمشتعل ذكاءً، كم أخبرني عن بدايات الثورة، عن ثراء عائلته، عن شهادته الجامعية، وطموحه لإكمال الماجستير والدكتوراه.. حين حاولتُ رفض الرضوخ لهم وهم يدخلون بلدنا بكل عنجهية، اعتبروني معارضاً خطراً ، وأعترف أنني بعد ذلك حملت السلاح في وجههم، وقاتلتهم لأحامي عن أهلي وعرضي..

استُشهد شقيقان لي، وأبي أصيب بالفالج.. 

أنا اليوم في لبنان ومنذ 12 عاماً، أعمل في كل شيء وأي شيء.. ودائماً أنا متّهم، وكل خطيئة يقوم بها أي سوري في المنطقة التي أعمل فيها، يجمعون كل السوريين، ونتعرض للضرب والتحقيق.

وهناك حكايات بلا حصر.. ليس أكثرها إيلاماً تشغيل القاصرات في الدعارة، والخدمة، وليس آخرها التسوّل للأطفال والنساء، وليس آخرها تزويج الصغيرات مقابل الفتات، والوضع المهين في مخيمات الذل، وما تتعرض له تلك المخيمات كل فترة للإحراق، والتنكيل..

وليس آخرها تشغيل أطفال لا يتجاوزون السنوات العشر في التنظيف والديلفري، وفي كل عملٍ لا يصلح لأعمارهم.

والتسرُّب من التعليم، والجوع، والبرد والفقر والحاجة ، والتعامل اللاإنساني من كثيرين.

اليوم في لبنان، أو في بعضه، تصح مقولة: أنت سوري، فأنت متّهم حتى تثبت إدانتك..

وما يحدث فعلاً يُثير الريبة، ففي كل يوم تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية عشرات الأخبار عن عصابات سرقة وخطف ومخدرات، ودائماً السوريون ضالعون فيها.. مع أن تلك العصابات فيها شركاء لبنانيون ويترأّسونها علناً.

بعض البلديات ومنذ وقت طويل تصدر القوانين بمنع تجوّل السوريين بعد الخامسة مساء، تحت طائلة الحجز والغرامة!..

قبل أيام ، زارني عدد من الجيران اللبنانيين، وكان الحديث عن عصابات السرقة، وكيف أن السوريين يسرقون ويقتلون ويخالفون كل القوانين.. أحد الزوار قال وبالفم الملآن: كلنا مسلحون ولدينا أوامر بإطلاق النار على الجزء الأسفل، ولن يحاسبنا أحد!.

حين حاولتُ الاعتراض على هذا الكلام المقيت، ردّ عليَّ جار آخر، وهو يفاخر: من حقنا قتلهم، لكننا نمارس الرحمة معهم باطلاق النار على أقدامهم.

جار ثالث معتدل، قاطع الحديث بقوله: واللبنانيون أيضاً يسرقون ويقتلون، وكل مواطن جائع ولا مصدر رزق له في هذه المحنة سيسرق ويقتل كي لا يموت أولاده من الجوع!.

قلت لهم: المشكلة لديكم هي التعميم، هل يمكن أن أقول إن كل اللبنانيين لصوص إذا اعتُقل لبناني سارق؟

قالوا : أكيد لا.

فقلت لهم: وهذا ينطبق على السوريين.

المشكلة هي التفقير المتعمّد، اللبنانيون اليوم في معاناة قاتلة، وفي حالٍ لم تعشه البلاد حتى أيام الحرب اللبنانية..

والفقر طاغٍ ، والثراء طاغٍ أيضاً لقلة قليلة تحكم وتُفسِد في الأرض، تماماً كما الحال في سوريا.

وهنا يحضرني نص كتبته منذ سنوات:

الأثرياء ليسوا من هذه الأرض. الفقراء وحدهم مصنوعون من التراب.

الأغنياء مسبوكون من الذهب. 

هذا البلد عدد سكانه بضع سبائك، وجبال من الغبار!

على ضريح الغني يضعون الأوسمة وأكاليل الزهر، وعلى قبر الفقير يُهيلون مزيداً من التراب. لا فرق بين شاهدة وأخرى، سوى أن الفقير ساكن المقبرة، مطالب بتقديم شهادة عن جودة ساكن الضريح وعظمته، في محكمة الآخرة.

يا للعدل!

* * * 

ما أكثر رسائلهم في بريد الآخرة، هؤلاء الفقراء المرفوعة شكاواهم دائماً إلى الله. 

لن تُقرأ رسائلهم إلا في مكتب القيامة. كما أكبر أرصدتهم هناك!

البنوك التي على الأرض تفكّر في افتتاح فروع كبيرة لها في جهنم.

هذا القمر المدور الذي فوق، العاشق يراه وجه الحبيبة والشاعر يراه مائدة للإلهام، الغني يراه لؤلؤة كبيرة في خزانته الحديدية.

الفقير يراه رغيف خبز.

ترى كيف يرى القمر كل هؤلاء؟ أم إنه أعمى؟

الوطن تركة يتقاتل عليها الجميع القصور للنبلاء، الحدائق والشواطئ للسائحين، الشوارع للعسس والمتسوّلين.   

التاريخ لمتاحف الغرب والثروات للقادة والحاكمين.

ثمة حاويات لا يطالب بها أحد. هناك فقط يتخاصم الفقراء على ما تبقى لهم. ما ألعن الحياة في حاوية!

* * *

الصبية الجميلة التي تتسول، قدمت لها العجوز ورقة من فئة الألف ليرة. الشاب حدجها بنظرة جذابة، ودار حولها دروتين ثم استقل سيارته وغاب. 

رجل الأمن تأمّلها بارتياب.

متعهد الحفلات وقّع معها عقداً طويل الأجل لتقبر الفقر، وترقص في الدول المجاورة.

* * * 

هذه مجرّد يوميات مَعيشة في واقع الحال، هي صورة ضئيلة عن كَمّ الخراب والذل الذي يعيشه السوري خارج الوطن، إِنْ في مخيمات اللجوء، أو في هوامش المجتمعات التي تفترض العداوة له ولا تخجل من التصريح بها.

التعليقات (3)

    مبالغة عالفاضي

    ·منذ سنة شهرين
    صح في قصص متل هيك بس هالمقال كلو مبالغة و تشدق عالفاضي ...يلي بيقرأ المقال بفكر انو في مؤامرة كووونية عالسوريين و كل الكرة الارضية والكواكب التانية عم تتأمر عليهون ..هههههه فرطت من الضحك هههههههههه

    إلى مبالغة عالفاضي

    ·منذ سنة شهرين
    للتفاهة عنوان. أول مرة بشوف مَضحَكة بتفرط من الضحك

    زوزو

    ·منذ سنة شهرين
    المقال طويييل كتير
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات