في البهو الجنوبي لمشفى الرحمة الذي ينتصب وسط مدينة دركوش غربي إدلب والمطلّ على نهر العاصي، وفوق عدد من المقاعد الخشبية توزع عدد من مرضى الكوليرا المقيمين في قسم العزل في المشفى، يلتمسون بعض الدفء من أشعة الشمس النادرة الظهور هذه الأيام، أغلبهم أطفال ويجمع بينهم الشحوب واصفرار الوجه و البؤس والأسى المرسوم على وجوه أمهاتهم.
أم حسن تقول :"أن ابنتها ذات الثلاث سنوات اشتكت من مغص في بطنها مع الحمّى وبعدها أصابها إسهال ونصحوني بمراجعة مشفى الرحمة و تم تشخيص الحالة بأنها اشتباه بمرض الكوليرا وننتظر النتيحة".
يذكر أن مستشفى الرحمة في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي، أفتتح مركزا خاصاً لعلاج حالات الكوليرا، وهو مجهز بشكل كامل وفق شروط الصحة العالمية كما أوضح الدكتور أحمد غندور مدير المشفى.
وقال الغندور: إن "المركز يتألف من 16 سريراً لعلاج هذا الوباء، ويستقبل يومياً الحالات من جميع المناطق، ويتم تقديم العلاج لهم بشكل كامل ومجاني".
وأضاف أن المركز يحتوي على أسرّة استشفاء مجهزة بكافة الوسائل والتقنيات اللازمة، بالإضافة إلى أنه يضم كادراً مختصا ومدربا على التعامل مع حالات الإصابة بمرض الكوليرا، الأمر الذي سيساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالمرض.
وعن أسباب المرض وطرق انتشاره و وسائل الحماية منه، فقد أجمله كل ذلك الدكتور عبد العزيز شطحة أخصائي داخلية والعامل في مشفى أطمة في ندوة تعريفية عن جائحة الكورونا كما سماها، بيّن فيها الدكتور عبد العزيز أنّ سبب المرض الرئيسي المتمثل بالمياه الملوثة بالصرف الصحي، كما أوضح أن أعراض المرض هو مغص بالبطن يترافق مع إسهال شديد يصل إلى واحد ليتر في الساعة مما يؤدي في حال إستمراره إلى الموت خلال 12ساعة بسبب نقص الحجم وإنخفاض الضغط الذي يسبب توقف أجهزة الجسم الأساسية.
وأكّد الدكتورأن العلاج يكون بالتعويض السريع للسوائل عن طريق الشرب أوالسيرومات ويؤخذ في الساعات الأربع الأولى قبل أن يدخل المريض حالة الإنهيار والثبات.
أما عن الوقاية فذكر الطبيب ضرورة الإبتعاد عن المياه الملوثة وتعقيمها بالكلور أوغليها بعد تصفيتها، إضافة إلى ضرورة عزل مياه الصرف الصحي عن مياه الشرف وعن ريّ المزروعات.
ودعا الدكتور عبد العزيز الأمهات إلى الرضاعة الطبيعية للأطفال لأنها تعطي الطفل أضداد ضد المرض، كما طالب بتأمين اللقاح ضد الكوليرا الذي يحمي من يأخذه بنسبة 70%" .
إحصائية ضخمة
في آخر آحصائية لبرنامج الإنذار المبكر والإستجابة السريعة، أعلن فيها عن أعداد الإصابات في مرض الكوليرا في الشمال السوري والذي دخل المخيمات، وذكر البرنامج أن عدد الحالات المشتبه بهم وصل 30 ألفا، فيما وصل عدد الحالات المثبتة 552 حالة إيجابية وحالات الوفيات الموثقة بهذا المرض 19 حالة إيجابية.
وأشار البيان إلى توزع معدلات الإصابات المسجلة بالمرض في المناطق ذات الخطورة العالية ومنها منطقة حارم حيث سجل 231حالة، ومنطقة عفرين 106حالة، ثم يليها منطقة إدلب و جرابلس 38 حالة، أما بقية الحالات فهي موزعة على باقي المناطق.
من جهتها تساهم فرق الدفاع المدني العاملة في الشمال السوري في الحد من انتشار مرض الكوليرا عبر قيامها في نقل المرضى إلى مراكز العزل الطبية وتقديم ندوات لنشرالوعي المجتمعي عن أخطار المرض،يترافق كل ذلك مع ارتفاع أعداد وفيات مرض الكوليرا في الشمال السوري.
وأهاب بيان الدفاع المدني بالأهالي الانتباه لمصادر مياه الشرب وغليها قبل شربها، إن لم تكن معقمة بالكلور الخاص بتعقيم المياه وبإشراف جهات طبية، وطهي الطعام بشكل جيد، وغسل الخضروات قبل تناولها، والالتزام بإجراءات الوقاية.
3 أسباب
وأشاربيان الدفاع المدني إلى أنّ تزايد الإصابات بمرض الكوليرا في المنطقة عموماً والمخيمات بشكل خاص يمثل حلقة جديدة قد تكون الأخطر في سلسلة الظروف الصعبة التي يعانيها السكان المدنيين منذ سنوات متواصلة، كما أنّ الكثافة السكانية المرتفعة جداً وإزدحام النازحين ضمن المخيمات إلى جانب الافتقار إلى النظافة الصحية والظروف غير الملائمة وإنخفاض دعم المياه ، تشكل خطراً كبيراً على سلامة وصحة هؤلاء الأفراد.
وناشد البيان المنظمات الإنسانية والدولية العمل على تأمين الدعم اللازم للقطاع الصحي وخاصةً أن نسبة الاستجابة الإنسانية للمدنيين ضمن هذا القطاع خلال شهري تشرين الأول والثاني الماضيين لم تتجاوز 17%.
قاطنوا المدن والقرى في الشمال لا يخفون تخوفهم من انتشار الكوليرا بعد أن شاهدوا الإصابات من حولهم، كما أخبرنا أبو أحمد المقيم في بلدة ملّس القريبة مدينة سلقين وأضاف :
عندما نلمس السخونة عند الطفل أوإسهال نسارع به إلى المشفى خوفا من الكوليرا، ولكن ماذا نفعل مع عدم وجود شبكة صرف صحي وهذه الجوَر الفنية المنتشرة بين المنازل والمكشوفة في غالب الأحيان .
كما طالب أبو أحمد بمنع ري المزروعات بمياه الصرف الصحي وتجريم من يقوم بذلك.
بدورها حذرت مديرية الصحة في إدلب من انتشار المرض في المخيمات التي تعاني من ضعف البنية التحتية إن لم يكن إنعدامها، فشبكات الصرف الصحي في أغلبها مكشوفة، مع إرتفاع أسعار مياه الشرب التي تنقل للمخيمات عبر الصهاريج
لإرتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى نقص كمية الكلور المضافة لمياه الشرب نتيجة ارتفاع سعره، ويترافق ذلك مع إهتراء أرضيات الخيم نتيجة الرطوبة وقدم العهد وعجز النازخين عن تجديدها.
وأضافت مديرية الصحة أن هذه المخيمات تعاني من انعدام العيادات المتنقلة وتواجد النقاط الطبية، ذلك يسبب مزيدا من المصاعب أمام المرضى المضطرين للإنتقال إلى المشافي القريبة، يترافق ذلك مع انخفاض كبير في درجات الحرارة ونزول المطرمما يزيد من أضرار العوامل الجوية ، يضاف إليها انتشار الحرائق ضمن المخيمات نتيجة الإعتماد على وسائل التدفئة البديلة واشتداد البرد.
وتبقى المخيمات العشوائية التي تجاور الحدود التركية هي الحلقة الأضعف في سلسلة انتشار الأوبئة والأمراض لأسباب كثيرة أهمها غياب البنى التحتية والفقر والإكتظاظ السكاني وعيون الجميع ترقب المنظمات الإنسانية التي تستجيب لحاجاتهم بالقطارة!
التعليقات (2)