في كتاب "الأمير" وتحت عنوان "حول القوات المعاونة والمختلطة والوطنية" يقول المنظر السياسي الشهير "نيقولا مكيافيللي": "والأمير المحنك يتجنب دائما هذين النوعين من القوات (ويقصد المرتزقة والمعاونة) وله مصادره الخاصة من القوات، وهو يفضل الهزيمة على يد قواته الخاصة على النصر على يد قوات الآخرين، فهو لا يعتقد أن هذا الذي تحققه القوات الأجنبية سيكون نصرا حقيقيا.
استعان بالصنفين معا
ليس لأنه نظام غير محنك، وإنما لأنه يفضل الموت على الهزيمة على يد الشعب استعان النظام السوري بكلا الصنفين من القوات (المرتزقة والمعاونة) لكي يتجنب الهزيمة أمام الشعب. ويرجع السبب في ذلك إلى أن النظام السوري اعتاد أن ينظر للشعب السوري على أنه مجرد جمع من الرعاع الوضعاء. وعليه، فالهزيمة أمام وضيع أشد وطأة على نفس المغرور المتكبر. وفيما يبدو وكأنه اتباع لنصائح "مكيافيللي" حاول النظام السوري أن يستعين بالميليشيات الإيرانية (قوات مرتزقة) على اعتبار أنها أقل خطرا من القوات المعاونة (القوات النظامية)، لكنه وأمام عجز الميليشيات عن إنقاذه اضطر لأن يضرب بنصائح "مكيافيللي" عرض الحائط ويستنجد بالقوات الروسية أيضا، ليضع نفسه في ورطة يصعب الخروج منها بسلام.
اقتراح مكيافيللي
في معرض حديثه حول هذه القضية؛ ذكر "مكيافيللي" مثالا يصلح لأن يكون اقتراحا للأمير لكي يتخلص من مثل هذه الورطة فيما لو وقع فيها، فتحدث عن قيصر "بورجيا" الذي اعتمد في حملاته العسكرية على قوات معاونة وقوات مرتزقة، لكنه عندما شعر بالخطر بطش بهما واعتمد على جنوده فقط مما زاد شعبيته زيادة مستمرة. إذن، فالمخرج الوحيد للنظام السوري من المأزق الذي وضع نفسه به هو البطش بالقوات الروسية والميليشيات الإيرانية معتمدا على جنوده، فهل يستطيع فعل ذلك؟!
عندما قال "مكيافيللي" إن القوات المعاونة تزيد خطورتها عن القوات المرتزقة فسّر ذلك بأن القوات المعاونة يكونون متحدين وولاؤهم للآخرين، بينما تحتاج القوات المرتزقة إلى وقت وفرصة مناسبة للإضرار بمن استعان بها، وذلك لأنها لا تشكل تكوينا واحدا، ولأنها تستلم رواتبها منه. لكن هذا الحكم يصبح باطلا إذا ما أسقط على الميليشيات الإيرانية، فهذه الميليشيات تتبع مرجعية واحدة وتتقاضى رواتبها من قبل مرجعيتها. بهذا المعنى، يمكن اعتبار الميليشيات الإيرانية قوات معاونة جاءت على شكل ميليشيات، لكنها أشد خطرا من القوات المعاونة النظامية. خاصة عندما نلاحظ الأساليب المبتكرة التي يتبعها نظام الملالي في تشكيل وتوجيه هذه الميليشيات التي تتبع أسلوب التغلغل السرطاني.
ميليشيات إيران جزء من الشعب السوري
ما لم يضعه أحد في الحسبان عند الحديث عن إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا أن نسبة كبيرة من عناصر هذه الميليشيات هم سوريون يتحدرون من طائفة معينة يدين أتباعها بالولاء المبني على الأيديولوجيا لإيران أكثر من ولائهم لموطنهم الأصلي (سوريا). بهذا المعنى، فالميليشيات الإيرانية هي جزء لا يتجزأ من الشعب السوري؛ منهم من هو سوري الأصل، ومنهم من تجنس، والباقي يمكنه أن يتواجد لفترات طويلة بين هؤلاء دون أن يشعر بالوحدة لوجود الحاضنة الشعبية المتمثلة بالسوريين من أبناء طائفتهم. وباختصار شديد: إن الحديث عن إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا أصبح يشبه – إلى حد ما – إخراج حزب الله من لبنان، ومن أجل تلافي قضية صغر حجم هذه الطائفة في سورية قياسا إلى حجمها في لبنان والعراق؛ سعت إيران وما زالت تسعى لزيادة عديد هذه الطائفة عن طريق إغراء بعض ضعاف النفوس وبعض الفقراء باعتناق مذهب هذه الطائفة، وهو ما نجحت به إلى حد ما. واليوم يمكن القول إن هذه الطائفة أصبحت أكثر عديدا وأكثر تسليحا وتنظيما، ونسبتها كأحد مكونات الشعب السوري بازدياد مستمر.
بناء على ما سبق، تبدو الطروحات التي تتحدث عن إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا عبارة عن تخيلات تفتقر إلى الواقعية. كذلك تبدو العروض التي تقدمها بعض الحكومات، والمتمثلة بالتطبيع مع النظام مقابل إخراج إيران من سوريا، عروضا مستحيلة التطبيق والتنفيذ، فالنظام السوري عندما استنجد بإيران وضع نفسه في مأزق يصعب تجاوزه، كما وورط كل السوريين معه، ورطة لن تزول إلا بزوال نظام الملالي.
التعليقات (3)