الكثير من الكبتاغون.. القليل من النفط والكرامة!

الكثير من الكبتاغون.. القليل من النفط والكرامة!

السوريون الشغوفون بزوال متلازمة "الجيش الانقلابي" بعد العام 1970 كانوا متحمسين لتسمية أحد أبنائهم الذكور باسم "حافظ". وكانت سجلات "النفوس" تراعي المزاج الجماهيري الجديد خلال عقد السبعينات حين ملأهُ التزلّف، فأقبل على حقن هذا الاسم بين طيّات أوراقها وأغلفتها السميكة، في حين سيستعدي أبناء ذاك الجيل السخيّ بامتداح الديكتاتور تسميةَ أيّ من أبنائهم باسم "بشار"، إذ لا نجد رواجاً شعبيّاً لهذا الاسم منذ عشر سنوات على الأقل، فالناس أرهقها زمن "حافظ" وزمن "أبي حافظ" منذ كان جيشه يدوس على أجساد متظاهري تلبيسة، أو يرشُّ الرصاص على أهازيج المسيرات المسائية في دوما، ثم حين صارت عصابته الحاكمة تسلب الناس مداخيلهم الزهيدة إثرَ تطوير متواليةٍ لا تضجر من الضرائب المتلاحقة والأسعار المتضخمة.

الأوزان السياسية مجدداً

ترغب إيران بأن يُقاس حجم نفوذها في سوريا بغير الميزان الذي يستخدمه بشار حالياً، تريد استبداله بميزان آخر، وإن لم ينفع، فقد تسعى لاستبدال زعيم النظام الحالي بآخر يقرأ لها مؤشر وزنها على خاطرها، وحين زار حسين عبد اللهيان وزير خارجية إيران دمشق منتصف هذا الشهر، جعلها الثانية على جدول زياراته بعد بيروت، وبهذا منح بشار رسالةً سياسية تقلل فيها إيران من شأنه، ولا تُعِرْ مشاكله الاقتصادية أهميةً تذكر، فالحرس الثوري الإيراني يشغله دوماً التمددُ خارج حدود بلاده، وتمكين وجوده في الدول التي طالتها آفةُ حضوره في سوريا، كما في العراق ولبنان واليمن.

قد تفرح منظومة الاحتلال الإيراني بتقييد نفوذ اللواء سهيل الحسن القريب جداً من الروس، أكثر من فرحها الناجم عن تعطّل أحد أجزاء الدارة الكهربائيّة التي تغذّي مباحثات التطبيع التركي مع بشار ونظامه، وقد تغتبط  تلك المنظومة لأجل استمرار فرار السوريين المتواصل من جحيم بلادهم، أكثر من غبطتها المتأتية من قمعها الدموي لانتفاضة الإيرانيين المتواصلة منذ خمسة أشهر.

وكلما لبّى بشار مطالبَ إيرانيّة جديدة تتيح للحرس الثوري مزيداً من التغلغل داخل البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، كلما طالبوه بالمزيد منها. الإيرانيون لا يشبعون من استباحة بلاد باتت محكومةً من قبل توافقات دولية أكثر من كونها خاضعة لإدارة نظام حكم مركزيّ مفلس ومعزول، وإن أجّل بشار تنفيذ دفعة من تلك المطالب قطعوا عن نظامه ناقلات النفط بميزتي السعر المدعوم، والدفع اللاحق، الآن يُبدون انزعاجاً من تلكوئه، ومن انغماسه بالهوى الروسي، فلا مزيد إذاً من النفط الإيراني إلا بالدفع المسبق وبالسعر غير المدعوم.

دولة الكبتاغون المفلسة بعناية!

وكأن استدامة الخراب السوري يصبُّ في مصلحة الجميع، العصابة الحاكمة أولاً ثم الدول الراعية لها كلاهما على السواء، وما أن يلوح في الأفق ما يمكن الاتّكال عليه - ولو نظرياً - لطيّ المأساة السورية وتكميم فمها، حتى يتقهقر إلى الوراء، وكأنه وهمٌ سريالي يمكن فقط سرده في ليالي الشتاء الطويلة على مسامع الأطفال ليناموا، فماذا يملك نظام دمشق سوى صناعة الكبتاغون وتصديره؟! لديه أيضاً سرقة الناس وابتزاز جبنهم، وجيناتهم المشوّهة التي تقبل الذلّ، وتخاف من عواقب إزالته عن جلودهم. بالأمس القريب رفع نظام بشار أسعار الدواء مجدداً بنسبٍ فاقت 85 في المئة، يتحدث الناس هنا عن أن هذا القطاع بات يُدار من قبل أسماء الأسد، وأرباحه تصبّ في جيوبها، سيموت إذاً عددٌ إضافي من السوريين المرضى، من غير القادرين على مواكبة بهجة ارتفاع أسعار الدواء، من القانطين، الراضخين لحكم هذه العصابة، الرافضين مجرّد الصراخ بوجه قاتلهم، وسارقهم، وجالد أنفاسهم.

وبفضل العصابة الحاكمة لسوريا صار الكبتاغون هو أهم الصناعات السورية في الأعوام الثلاثة الماضية، وأبرز ما يُصدّره نظام دمشق إلى العالم، وخاصة إلى دول الخليج عبر الأردن، وبحسب أرقام تقريبية فإن العصابة الحاكمة في سوريا تجني أكثر من عشرة مليارات دولار كأرباح سنوية من هذه التجارة الرائجة، مضمونة الأرباح، وقليلة التكلفة.

لكن وبالمقابل، هل يمكن مقايضة شحنة كبتاغون بشحنة نفط إيرانية؟! هل يقبل الحرس الثوري بمثل هكذا صفقة؟! بالتأكيد لا، فهم شركاء هذه العصابة في هذه الصناعة، وفي رعاية صادراتها، وفي إغراق السوق السورية بها، وبأشباهها من موادّ مخدّرة، كالحشيش المزروع في البقاع اللبناني، وهو أحد التجارات الاستراتيجية لميليشيا حزب الله، والتي تجد إقبالاً واسعاً عليها من جمهور الطلبة والشباب السوري الغائب عن بديهيات الوعي السياسي، وكأن كلّ ما يجري حوله لا يعنيه، وكأن استمرار استثمار هذه العصابة للحكم شأنٌ لا يعنيه أيضاً، وكأنه يعيش في جزر القمر مثلاً، ويقرأ أخبار سوريا على شريط أزرقَ ضيّقٍ تطرحه أرضاً أحدُ الشاشات التلفزيونية بعجالة مريبة، وهم المحتاجون للتغيير السياسي أكثر من سواهم، وهم العاجزون عن ابتكاره أكثر من سواهم أيضاً. سينتظرون إذاً مثل غيرهم أن يقرر سيّد البيت الأبيض ذات يوم استئصال هذا الورم الخبيث من حياتهم، العصابة الحاكمة أقصد، سينتظرون، لأنهم فقط أبطال العالم في الانتظار، ولا أحد على الإطلاق بمقدوره منافستهم على هذا المركز المتقدّم، والمخصص لهم دون غيرهم منذ قرّر أحد أسلافهم في سبعينيات القرن الماضي تسمية أحد أبنائه الذكور باسم "حافظ".      

     

التعليقات (2)

    نجاسة

    ·منذ سنة شهرين
    نعاني من نجاسة العلويين منذ ستين عاما" و لا نعلم متى يرحمنا الله منهم

    علي

    ·منذ سنة شهر
    والله انت النجس يا "نجاسة" تريد سوريا حرة ومع ذلك تصف احد مكوناتها بالنجاسة بالاجماع. انت والنظام وجهان لعملة واحدة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات