عن السياسة السورية للحكومة الجديدة في إسرائيل

عن السياسة السورية للحكومة الجديدة في إسرائيل

شنّت الطائرات الإسرائيلية أوائل كانون الثاني/ يناير الجاري غارتها الأولى بالعام الجديد ضد أهداف ومواقع لإيران وميليشياتها في سوريا، الغارة التي استهدفت مطار دمشق الدولي ومحيطه. وأخرجته عن الخدمة لساعات جاءت بعد يوم فقط على بداية العام ويومين على تولّي الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو مسؤوليتها بشكل فعلي في الدولة العبرية.

بدت الغارة لافتة وحافلة بالدلالات السياسية والعسكرية إن لجهة المكان مطار دمشق الدولي أو الزمان أوائل العام الجديد مع التحوّل الحكومي في إسرائيل والذي تبعه بعد أيام تغيّر عسكري كبير طال قمة المؤسسة حيث تولّى رئيس الأركان الجديد الجنرال هآرتس هليفي مهام منصبه بدلاً من سلفه أفيف كوخافي. 

بداية، وفيما يخص الحكومة الإسرائيلية الجديدة بدت الغارة تقليدية ومعتادة شكلاً وكأنها أرادت القول إنه لا شيء تغيّر، وإن الدولة العبرية ستواصل نفس السياسة السابقة في سوريا، وكما قال رئيسها بنيامين نتنياهو حتى قبل تسلمه السلطة فعلياً لجهة عزمه على منع التموضع الإيراني، وبالتالي مواصلة الطائرات الإسرائيلية التحليق في سماء لبنان وسوريا كما هو معتاد.

غير أن الحكومة الأكثر يمينية وتطرّفاً في تاريخ إسرائيل، أرادت كذلك أن تبدو متشددة أكثر من سابقتها، ولذلك لم تنتظر سوى لساعات فقط بعد توليها المسؤولية لتنفيذ غارتها الأولى في سوريا.

في قصة التموضع الإيراني نفسها لا بد من التأكيد دوماً على معطى مهم جداً، ورغم أن إسرائيل أفشلت عملية التموضع وقتلتها إكلينيكياً، كما قال رئيس الأركان المنصرف أفيف كوخافي نهاية كانون الأول ديسمبر الماضي، وأن الرئيس الإيراني إذا ما زار سوريا لن يجد أسلحة ومعدات كثيرة كما يتصور وكما حلم أو توهّم مسؤول الحرس السابق قاسم سليماني، ورغم المحاولات الإيرانية العبثية للمضي قدماً في مشروعها الخاسر للتغطية على مشاريعها الاستعمارية الإقليمية ونكساتها الداخلية، إلا أن تل أبيب تسعى أيضاً وبغض النظر عن طبيعة الحكومة وخلفياتها الحزبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والإعلامية لشيطنة إيران وإبقائها خطراً إقليمياً وحتى دولياً، كما للتغطية على سياساتها وجرائمها هي نفسها في فلسطين واستمرار احتلالها للأراضي السورية في هضبة الجولان ومزارع شبعا.

هنا لا بد من الانتباه إلى تعاطي البرنامج السياسي لحكومة نتنياهو الجديدة مع الملف الإيراني كأولوية متلازمة مع الاستيطان وتسريع وتيرة التطبيع مع الدول العربية.

وفي السياق السوري، بدا لافتاً جداً بالطبع تضمين البرنامج السياسي إشارة إلى هضبة الجولان باعتبارها جزءاً من إسرائيل حيث تحدث عن حق حصري غير قابل للجدل في توسيع الاستيطان وتعميقه في كامل أراضي إسرائيل بما فيها النقب والجليل والجولان والضفة الغربية - استخدم الاسم التوراتي لها يهودا والسامرة - وبدا لافتاً وضع الجولان كجزء من إسرائيل مع النقب والجليل المحتلتين في العام 1948، والضفة الغربية المحتلة في العام 1967.

في سياق الغارات والهجمات أيضاً واستباحة أجواء مناطق سيطرة نظام الأسد، يسعى نتنياهو إلى مواصلة السياسة السابقة بما لا يتعلق بإيران فقط وإنما بروسيا أيضاً كونها ذات صلة، باعتبارها صاحبة القرار والسيادة الفعلية في مناطق سيطرة النظام، مع تأكيده على مواصلة الطائرات الإسرائيلية التحليق في الأجواء نفسها بالقرب من الطائرات الروسية، وبالتالي ثمة أهمية لمواصلة التنسيق السياسي والأمني باعتباره مصلحة مشتركة للجانبين ولذلك بادر وزير خارجيته الجديد "إيلي كوهين" وبمجرد تسلمه مهام منصبه إلى استئناف التواصل المباشر مع نظيره  الروسي "سيرغي لافروف" الذى توقف "نسبياً" زمن الحكومة السابقة حتى مع استمرار العمل بالتفاهمات والتنسيق في سوريا، علماً أن نتنياهو هو أصلاً العرّاب ومن أبرم تلك التفاهمات مع صديقه الرئيس فلاديمير بوتين حسب تعبيره الدائم والتي تتضمن أسس سياسية وأمنية أهمها حرية إسرائيل التامة في الدفاع عن مصالحها الأمنية، كما يحلو لها بموافقة روسيا مع عدم اقترابها أو تهديدها نظام الأسد باعتبار بقائه مصلحة مشتركة للجانبين أيضاً.

إضافة إلى ما سبق ومن الزاوية العسكرية، ورغم تولي الحكومة الجديدة السلطة فعلياً إلا أن إسرائيل دولة الجيش بالمعنى الصحيح للمصطلح، وهو يفرض رؤاه وتصوراته الخاصة في المسائل الأمنية ضمن تفاهم تام طبعاً مع القيادة السياسية لتحقيق الهدف العسكري المتمثل بمنع التموضع الإيراني الإستراتيجي في سوريا مع استغلال واستثمار ذلك سياسياً وإعلامياً إلى أبعد درجة ممكنة من قبل الحكومة والقيادة السياسية.

وفيما يخص الهدف أي مطار دمشق نفسه، فقد بدا هذا لافتاً خاصة مع استهدافه وإخراجه من الخدمة لأسابيع قبل ذلك في حزيران/ يونيو الماضي، ومن ثم تعمد إخراجه من الخدمة لساعات في هذه الغارة فيما يشبه التحذير الأخير.

في السياق، لا بد من التذكير بالتهديد الإسرائيلي خلال الفترة الماضية بإخراج المطار عن الخدمة نهائياً إذا ما استمرت إيران في استخدامه لغايات التهريب وإقامة خط طيران عسكري من خلاله ضمن ذهنية الدولة الموازية والعميقة التي تتعاطى بها في الداخل والخارج على حد سواء.

وهذا كان مضمون ما نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي - وأشرت إليه في مقالي السابق - ومفاده أن إسرائيل جادة وستدمّر المطار نهائياً ليس في دمشق فقط وإنما في بيروت أيضاً إذا استمرت إيران في مسعاها لتهريب معدّات ومستلزمات عسكرية من خلالهما مع هيمنتها التامة عبر ذراعها الإقليمية المركزية على المطارين.

ومن هذه الزاوية يمكن فهم الاستهداف الإسرائيلي الأخير وإخراج مطار دمشق عن الخدمة ولكن لساعات فقط، حيث بدت الرسالة مباشرة وصريحة وواضحة لجهة تعطيله نهائياً إذا استمرت إيران في سياستها.

هنا أيضاً ثمة دعوة إسرائيلية ضمنية لمواقف وأطراف إقليمية ودولية للضغط على طهران وبالتوازي إرضاء تل أبيب أو تقديم تنازلات لها وتفهم موقفها، وفي الحد الأدنى تهيئة الرأي العام العالمي لفكرة إخراج المطار عن الخدمة بشكل نهائي، وتحميل المسؤولية لإيران عن ذلك في حال حدوثه.

في الغارة الأخيرة، كما المشهد السوري بشكل عام بدا ويبدو بشار الأسد خارج الصورة وفاقداً للسلطة والسيادة، ما يعني بالضرورة من جهة أخرى أن لا إمكانية لإنقاذه أو تعويمه بأي حال من الأحوال كونه ميتاً سريرياً وتحوّل إلى جثة سياسية، وهذا حصل منذ سنوات وتحديداً عندما تجاوز أطفال درعا حاجز الخوف وكسر الشعب السوري جدار الصمت ونزل للشارع منتفضاً طلباً للحرية والكرامة، وما عدا ذلك ليست سوى تفاصيل وتجليات وزمن.

في الأخير وبالعموم، انتهى العام الماضي مع غارة إسرائيلية، وبدأ الجديد مع غارة أخرى استهدفت محيط المكان نفسه تقريباً في تأكيد على ما نقوله ونكتبه دائماً عن تحوّل الغارات إلى أسبوعية وكما قال الجنرال المنصرف أفيف كوخافي في تلخيصه العام للسياسة الإسرائيلية ، حيث أشار إلى هذه النقطة علماً أنها كانت معدودة وموسمية عند انطلاقها في العام 2013، مع تبجّح بإفشال التموضع الإيراني في سوريا ومحاولات تأسيس ما أسماه حزب الله 2 في الجولان.

إلى ذلك لا بد من التأكيد على خلاصات واستنتاجات تاريخية وفكرية وسياسية منهجية مفادها أن إيران قوة محتلة كما إسرائيل. وهي لا تملك الحق بالتموضع أو التواجد في سوريا وتفعل ذلك فقط لتغطي على دعمها لنظام الأسد غير الشرعي، واحتلالها ثلاث عواصم عربية أخرى غير دمشق كما الهروب من مأزقها الداخلي بحجة صراعها المحتدم مع إسرائيل. بينما تستعرض هذه الأخيرة قوتها لتكريس ما تصفه بقدرة الردع والتخويف وللتغطية أيضاً على جرائمها في فلسطين واحتلالها للأراضي السورية، وبالمقابل تقديم نفسها كقوة معتدلة والتموضع في محور الخير ضد محور الشرّ الإيراني، واستغلال ذلك للتقرّب والتطبيع مع الدول العربية.

التعليقات (1)

    خالد

    ·منذ سنة 3 أشهر
    الملل ثم الملل، اذا هذا هو حال السوري المهجر، فكيف الحال بالاجنبي. الملل من تعليقات سخيفة ومقالات صحافية لا طائل منها وترداد .. بينما 14،6 مليون سوري يموت الف ميتة في اليوم. اي تحرك ؟؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات