ماذا لو رفض النظام الخطوات التركية والعربية كما رفضها في العام 2011؟

ماذا لو رفض النظام الخطوات التركية والعربية كما رفضها في العام 2011؟

تعيد الخطوات التركية باتجاه القضية السورية، والتي بدأت بالتبلور أخيراً من خلال التحرك باتجاه النظام، التذكير بتلك الجهود التي بذلتها أنقرة في العام 2011 ، حين أرسلت وزير خارجيتها مرات عديدة إلى دمشق، وطرح خريطة طريق للحل، تحول دون انهيار "الدولة"، ورفضها النظام آنذاك، كما رفض معها المبادرة العربية، وعلقت إثر ذلك الجامعة العربية عضوية سوريا فيها.

دون شك أن الخطوات التركية الجديدة تنطلق من معطيات مختلفة عن تلك التي بنت أنقرة تحركاتها عليها سابقاً، نظراً لاختلاف الظروف التي رافقت الثورة، ولا سيما أن النظام أوصل باتّباعه الحل العسكري وبالاعتماد على آلة داعميه العسكرية، " الدولة" بعناصرها الثلاثة: "الأرض إلى التقسيم، والشعب إلى كارثة على مختلف الصعد، وسلطته إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مع تهجير ملايين السوريين، وكان من الممكن لو استجاب للحد الأدنى من مطالب السوريين، قبل مبادرات الخارج تجنيب البلاد ما وصلت إليه.

والآن يبدو من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك أن الخطوات الجديدة تحمل ملفي الإرهاب واللاجئين وتتقدم ضمن "مسار سياسي"، وهو حاجة تركية لاعتبارات داخلية، وأيضاً حاجة سورية، ولا سيما أنها تطرح الحل السياسي للقضية السورية من قبل أبرز داعمي الثورة السورية، وفق القرار الأممي 2254، بهدف تحقيق السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة بحسب ما أعلنه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بعيد لقائه في موسكو وزير دفاع النظام ونظيره الروسي.  

فيما يتعلق بملف الإرهاب بإمكان النظام أن يناور ويقبل توسيع المنطقة الآمنة على أساس اتفاقية أضنة التي وقّعها حافظ الأسد مع تركيا لتصبح 30 كيلو متراً بدلاً من 5، مع ما يعنيه ذلك من إبعاد حزب العمال الكردستاني المصنّف على قائمة الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، إذ إن أزمة وجود زعيمه في سوريا في التسعينات، وتهديد تركيا بالوصول إلى دمشق إن لم يسلمه النظام، كانت أحد إرهاصات اتفاقية أضنة، ولطالما تحدث الروس عن هذه الاتفاقية، وعلى رأسهم الرئيس بوتين لجهة البناء عليها. 

ولكن من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الداعم الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية التي يعدّ حزب العمال الكردستاني مع امتداداته السورية عمودها الفقري، سيكون لها موقف مختلف، ولا سيما إنها عارضت العملية العسكرية التركية، وهي ممسكة بمعظم القرار 2254، ، الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي، ويرجّح أن تربط الحرب على إرهاب ذلك الحزب وامتداداته، بإحراز تقدم في العملية السياسية، ولا سيما أنها ترفض التطبيع مع النظام، وأيضاً ترفض دعم هذا التطبيع، ما يعني أنه من الصعب عزل هذا الملف عن الحل السياسي.

وفيما يتعلق بملف اللاجئين فأولاً: لا ثقة بالضمانات التي يعطيها النظام، ومراسيم العفو التي أصدر ثلاثاً منها العام الماضي، كانت شكلية وفاشلة بحسب تقييمات دولية، وبالتالي فإن الملف مرتبط بضمانات برعاية أممية، وهذا الأمر له متطلبات سياسية على النظام تنفيذها، ولا سيما أنه لا يرغب بعودة اللاجئين لأسباب سياسية واقتصادية، وثانياً يرتبط هذا الملف بتحسين الوضع المعيشي في سوريا بعد أن وصل حافة الكارثة، وتهيئة الظروف الملائمة للعودة، مع ما يعنيه ذلك من إنشاء بنى تحتية لبلد دمّر النظام نحو ثلثيه، ليس فقط للموجودين في تركيا بل وفي لبنان والأردن أيضاً، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إعادة الإعمار، ورفع العقوبات الغربية المرتبط بتنفيذ النظام للقرار 2254.

في كلا الملفين اللذين تعمل تركيا عليهما يبدو الحل السياسي ضرورة لازمة لهما، واتجاه وحيد لإحداث اختراق فيهما، ولكن إلى أي مدى ممكن أن يستجيب النظام لأسس الحل وفق القرار الأممي، وهو المستمر بالمماطلة منذ سنوات؟ هذا السؤال يرجّح أن يكون وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان حمله معه خلال زيارة العمل الثانية لدمشق والتي حملت طابعاً أمنياً سياسياً مع اصطحابه نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، خلافاً لزيارته الأولى في تشرين الثاني في العام 2021، والتي كان طابعها اقتصادياً. 

لم يرشح موقف محدد أو نتائج واضحة عن لقاء وزير الخارجية الإماراتي ببشار الأسد، إلا أن الوزير الإماراتي، أكد خلاله التزام بلاده بدعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، في حين سبق زيارته لدمشق اتصال هاتفي بينه وبين وزير الخارجية التركي مولود تشاوويش أوغلو، وإذا ما أضيف إليه ما أوردته قناة روسيا اليوم بأن لقاء وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا والنظام سيُعقد في الإمارات، فإنها تدلل على أن الزيارة ليست معزولة عن الخطوات التركية. 

الزيارة جاءت أيضاً بعد فشل جهود بذلتها الإمارات إلى جانب الأردن على مدى نحو عامين لحمل النظام على الاستجابة لمتطلبات عربية ولا سيما خليجية، وبينها الحد من النفوذ الإيراني في سوريا والتوقف عن تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج عبر الأردن، والانخراط في الحل السياسي، إلا أن النظام ازداد تعنتاً، وتضاعفت عمليات التهريب، الأمر الذي أوقف التطبيع معه، ولم يُدعَ لحضور القمة العربية في الجزائر، ومن المرجح أن يكون إصدار الولايات المتحدة قانون الكبتاغون الذي ستبدأ تنفيذه بعد ستة أشهر، يندرج في أحد جزئياته في إطار دعم المتطلبات الخليجية.

خيارات المناورة لدى النظام باتت محدودة، بحكم انهيار وضعه الاقتصادي، وتقسيم البلاد، والكارثة التي ألحقها بالسوريين، ومن غير المستبعد أنه يتعرض لضغوط من داعميه الروس بحكم التزاماتهم ومصالحهم الاستراتيجية مع تركيا، وحاجتهم إليها بسبب عزلتهم الدولية على خلفية غزوها لأوكرانيا وأهم هذه الضغوط كما تدلل التطورات عدم إنقاذهم النظام من أزمته الاقتصادية الخانقة، على الرغم من توفر الإمكانيات لديهم، ولا سيما أنهم باتوا يدركون أن دعمهم النظام في الحل العسكري أوصلهم إلى طريق مسدود، بسبب عجزهم عن مواءمة نتائجه مع حلول سياسية. 

ومن جانبها تملك تركيا الآن أوراق ضغط بالنسبة للقضية السورية أقوى من السابق، مع سيطرتها من خلال تفاهمات مع روسيا في سوتشي وأستانا على مناطق في الشمال التي يعيش فيها نحو خمسة ملايين سوري، ووجود نحو أربعة ملايين لاجئ على أراضيها، واحتضانها المعارضة السياسية ومؤسساتها في الداخل وعلى أراضيها، ودعمها فصائل الجيش الوطني.

ومقابل اليد التي بدت ناعمة باتجاه النظام فإن تركيا لم ترفع العملية العسكرية لتوسيع المنطقة الآمنة عن الطاولة بحسب تصريحات مسؤولين أتراك، لا بل رفعت السقف أكثر إذ صرّح "ياسين أقطاي" مستشار الرئيس التركي بأن الحل الأمثل لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، هو أن تكون مدينة حلب تحت السيطرة التركية، وأيضاً تصريح مستشار آخر للرئيس التركي، أيهان أورغان، بأن لتركيا الحق في الحديث عن مستقبل سوريا بشكل أكبر مما يحق للنظام المتمثل بعائلة الأسد. 

وعليه فإن أفق التحركات التركية مع ما تملكه من أوراق ضغط تبدو متماسكة لعدة عوامل بينها، أزمة النظام الاقتصادية التي وإن كانت مشابهة لأزمته السياسية مع بداية الثورة، من حيث شدتها، إلا أن مآلاتها أكثر خطورة عليه وعلى مناطق سيطرته مما سبق، وأيضاً بسبب عدم وجود ما يراهن عليه النظام، ذاتياً نتيجة استنزاف الحرب التي شنها على السوريين، ثروات البلاد، وموضوعياً عجز أو تعمد داعمه الروسي عدم مساعدته، خلافاً للأزمة الأولى التي رمى بثقله العسكري لمنع سقوطه. 

الخطوات التركية مع ما يبدو دعماً إمارتياً لها تبدو فرصة أخيرة للنظام إقليمياً وعربياً للاستجابة لمتطلبات الحل السياسي، إذ من المرجّح أن يكون بانتظاره في حال رفضها مصير مفتوح على احتمالات أقلها تكريس التقسيم، مع تلويح تركيا ببدائل أبرزها ما تحدّث عنه مستشارا الرئيس التركي حول حلب، وحصة تركيا في النظام نفسه، مع ترجيح تخلي الإمارات عنه، وإطباق العزلة عليه عربياً.   

فرصة الحل السياسي لن تستمر أكثر من ستة أشهر، موعد الانتخابات التركية، وبدء تنفيذ قانون الكبتاغون، مع ما يعنيه من استهداف رأس النظام، المتهتك والمنزوع السيادة عملياً، وإذا كان الحل العسكري قد أبقاه في السلطة فإنه لن يجعله يحافظ على استمراره فيها بعد أن دمّر البلاد وشرّد العباد، وأغرقها في بحر من دماء، وأوجد جراحاً لم تندمل ليس في الجسد فحسب بالروح السورية أيضاً. 

التعليقات (4)

    محب بلاد الشام

    ·منذ سنة 3 أشهر
    النظام وايران وامريكا لا يرغبان بعودة اللاجئين السنه لأسباب سياسية واقتصادية ودينيه

    OUMAIMA AHMED

    ·منذ سنة 3 أشهر
    للتصحيح فقط ، الجزائر التي استضافت القمة العربية في 1و2 نوفمبر ، مناسبة اندلاع الثورة الجزائرية 1954 ، دعت بشار الأسد رسمبا للمشاركة في القمة عندما سلمه الدعوة وزير خارجيتها رمطان العمامرة، لكن دول الخليج ودول عربية أخرى رفضت حضوره لعدم استجابته للاستحقاقات المطلوبة منه ، الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254 ، وإبعاد إيران من سورية. والجزائر داعمة للنظام السوري، حاولت كثيرا لحضوره القمة خلال ثلاثة أشهر قبل انعقادها ، والتصريحات الرسمية الجزائرية " ستكون سورية حاضرة في القمة وشعارها لّم الشمل العربي"، وكي لاتُحرج الجزائر في مساعيها لحضور سورية القمة ، أعلن النظام عدم مشاركته في قمة الجزائر.

    النظام النظام

    ·منذ سنة 3 أشهر
    اندعس وخلك في حالك

    هيثم بدرخان

    ·منذ سنة 3 أشهر
    مقال قيم للصحفي فؤاد عزام لكن الخطوات التركية ودعمها من قبل الإمارات اعتقد غير كافية للحل فلابد من توافق دولي مبني على قواسم مشتركة وليس على اساس تناقضات مرحلية وحاجات سياسة مؤقتة
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات