جوهر الحل في استعادة القرار الوطني

جوهر الحل في استعادة القرار الوطني

قد يتساءل المرء أحياناً عندما يحدث أمامه أمر خارج نطاق المعقول، فيقول بينه وبين نفسه أيُّ حمقٍ هذا؟!

هذا السؤال نفسه هو الذي تبادر إلى ذهني عندما بدأت أسمع نية الحكومة التركية إعادة التطبيع مع حكومة ملك المخدرات في العالم.

هناك مثل شعبي نحن نتداوله في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية، ولا أدري إن كان غيرنا من المناطق يتداوله، وهو (إن غضب الله على نملة ركّب لها جناحين)، ويبدو أن الحكومة التركية الموقّرة ممثلة برئيسها مثل النملة التي غضب الله عليها في موروثنا الشعبي، ففي الوقت الذي يلفظ نظام الأسد أنفاسه الأخيرة، يجد السوريون أن الدولة المأمول بها أن تقف معهم وتساندهم كما وعدت دائماً، تخذلهم وترمي بنفسها وبهم في أحضان القتلة والمجرمين وتجار المخدرات.

لكن من زاوية أخرى، فإن اللوم ليس على الأتراك الذين باعوا الناس الوهم، إنما اللوم كل اللوم على الذين صدقوهم ووضعوا كل عنبهم في سلة أنقرة، وقد كان عليهم أن يستبقوا بعض العنب احتياطاً للأيام السوداء.

من هنا يمكننا النظر إلى مظاهرات الشمال السوري والدعوة إلى إعادة الثورة إلى سيرتها الأولى، على أنها صحوة يجب البناء عليها من قبل الأحزاب والتيارات السياسية المؤثرة، والعمل على تبنيها وعدم التعالي عليها، والتواصل مع الجهات الدولية الفاعلة وإيصال صوت الناس إليها، فهؤلاء الذين خسروا كل شيء عدا الكرامة غير مستعدين أن يخسروا آخر قلاعهم ليعودوا عبيداً تحت حكم نظامٍ مجرم استباح كل شيء عندهم.

لقد تعوّدنا نحن السوريين عبر أكثر من عقد من ثورتنا أن نلمس لمس اليد مساندة العالم لنظام الأسد ومنع سقوطه، وأنه كلما انهار أو اقترب من الانهيار، يجد من يمد يده إليه ليسنده ويمنع سقوطه، ويبدو أن الدور على تركيا هذه المرة، فكما وقفت من قبل بعض الدول وأعطته جرعة حياة، نجد تركيا الآن تعطيه هذه الجرعة، وإن كانت جرعة معنوية لا أكثر، فتركيا لا تملك المال الزائد كبعض الدول حتى تهبه له، ولكنها تملك المعابر والتجارة ويمكن من خلالها تحويل العمى المطلق إلى رمد، والرمد أحسن من العمى على كل حال.

لكن بالنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، نجد أن الدولة التركية لها كل الحق في السعي لتحقيق مصالحها وأمنها القومي، فلا يجوز لنا نحن السوريين أن نرمي تبعات عجزنا وتشرذمنا إلى الغير، فقد كان علينا منذ البداية أن نلجأ إلى تنظيم صفوفنا عسكرياً وسياسياً، وألا نرهن قرارنا الوطني عند الآخرين، فأصبحنا شئنا أم أبينا بيدقاً ضعيفاً على رقعة شطرنج في لعبة مصالح قذرة .. أول من يُضحّى به نحن لضعفنا وهواننا.

إن هذه المظاهرات التي تجري شمالاً لو قُدّر لها زعامة وطنية شريفة تقودها بأمانة وشرف، لأوصلت صداها وتأثيرها إلى خارج الحدود ولغيّرت مسار اللعب باتجاه مصلحتنا نحن السوريين ومصلحة ثورتنا ووطننا السوري، لكن والأمر كما هو عليه الآن، فلن تكون سوى زوبعة في فنجان.

إن أحوج ما نحن بحاجته نحن السوريين الآن هي الصحوة، والصحوة هذه ليست من المتخمين تجار الحرب وأمرائها، بل الصحوة من النخب الوطنية الشريفة، ولا أعتقد أن رحم الأمة عقم إلى درجة أنه لم يعد في صفوف الشعب من هو جدير بحمل الأمانة، فهؤلاء وحدهم القادرون على تغيير المعادلة إن تبنّوا هذا الحراك الثوري وكانوا صدى صوته إلى العالم، فهم بذلك سوف يسقطون الائتلاف الفاسد، والفصائل الفاسدة التي أجّرت بندقيتها، ويخرجون ببيانات تدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه القضية السورية، وتتبرّأ مما يفعله التركي وغير التركي، فلو حدث هذا جدلاً لوجدتَ الحكومة التركية بعد ساعات تخرج لتبرر تصرفها وتحاول التملّص مما تفعل، وما ذاك إلا خشية ردة فعل قد يقوم بها المجتمع الدولي على رأسه أمريكا تجاه هذه المطالبات المحقة من هؤلاء الذين تقطّعت بهم السبل.

قد يقول قائل هذا كلام حالم، فأقول ألم يكن الأمر نفسه قبل 2011، ألم يُواجه كل من كان يتحدث عن ربيع سوري بأنه حالم؟

ما الذي حدث بعد ذلك؟ ألم يخرج السوريون بأعظم ثورة وأنظف ثورة على مدى ستة أشهر اعترف بها رأس النظام نفسه بأنها كانت سلمية في البداية؟

ثم من قال إن المشاريع الكبيرة على مدى التاريخ لم تبدأ بحلم من إنسان حالم؟

نعم وبكل تأكيد، فإن المشاريع الكبيرة بدايتها حلم، وقد حلمنا نحن السوريين بالحرية والكرامة وسعينا للوصول إليهما، وسجّلنا أعظم تضحيات يمكن أن يضحيها شعب في سبيل حريته وكرامته، لكن ما لم نكن نتصوره أو نعلمه غنى بلادنا الفاحش، الأمر الذي جعل كل ضباع العالم تتآمر علينا وعلى بلدنا للسيطرة عليه ونهب خيراته.

يكفي أن نعلم أن سورية يستطيع أن يعيش فيها ثمانون مليون نسمة بدخل جيد جداً بحسب تقرير أمريكي، وأن مادة السليكون في صحراء التنف يمكن أن تجعل من سورية هنداً مصغّرة، هذا عدا الغاز والنفط وغيره.

إن هذه الثروات التي هي ملك للسوريين، والتي جعلها نظام الأسد الأب والابن وقفاً عليه وعلى جماعته، أصبحت هي نقمة السوريين بدلاً من أن تكون نعمتهم، فمن أجلها تآمر الشرق والغرب للسيطرة على البلد من أجل نهبها.

واليوم ونحن نرى بأم أعيننا كيف أن القريب والبعيد .. والأخ والصديق .. تخلى عنا، فما علينا سوى أن نلتفت إلى أنفسنا ونعيد حساباتنا، ونعمل لمصلحتنا نحن لا أن نكون بيدقاً ضعيفاً يقاتل من أجل مصالح الآخرين.

ولندرك أن أنصاف الثورات انتحار، فالثورات قدرها أن تستمر حتى تحقق أهدافها، وما من ثورة وقفت في منتصف الطريق إلا كانت وبالاً على أهلها، ورحم الله المتنبي حين قال:

إذا غامرتَ في شرفٍ مروم

            فلا تقنعْ بما دون النجومِ

فطعمُ الموت في أمرٍ حقيرٍ

       كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

..

تعالوا لنعيدها إلى سيرتها الأولى.

التعليقات (3)

    مواطن في المهجر

    ·منذ سنة 3 أشهر
    مشكلة تركيا انها مجبرة على التعامل مع الروس حتى تضمن مصالحها، وبنفس الوقت بوتين يحاول ترجيح الكفة لصالح زعيم تجار المخدرات، الطبيب الفاشل ابن الفاطس حافظ واخو المفحط الهالك باسل وابن امه ناعسة الطرف.. هذا الكر بشار يعتقد بأنه يملك الحل ولا يعرف انه سبب المشكلة ولا حل الا برحيله إلى جمهورية الموز حيث يمكن لجميع القردة من الساحل على شاكلته ان ينضموا وينتخبوه كملك الغابة عليهم.

    OUMAIMA AHMED

    ·منذ سنة 3 أشهر
    كلام صحيح 100% .

    لا يوجد حل

    ·منذ سنة 3 أشهر
    لا تتعبوا أنفسكم \\\ قبل خروج الفرنسيين من سوريا وجدوا أشد الناس قذارة و عداوة لأهل السنة هم العلويون\\ أعطوهم السلطة لإذلال أهل السنة
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات