تدفع "هيئة تحرير الشام" بملف المقاتلين الأجانب إلى الواجهة، مصدّرةً رسائل إلى أكثر من جهة، مدفوعة كما يبدو بهواجس مسار التطبيع بين تركيا وميليشيا نظام أسد.
وفي هذا الإطار، أكد الصحفي همام عيسى المقرب من "الجهاديين" لأورينت نت، توجه مجموعة من المقاتلين المنشقين عن كتيبة "جماعة الألبان" التابعة عسكرياً لميليشيا "هيئة تحرير الشام" إلى أوكرانيا انتقالاً من شمال غرب سوريا.
وأوضح أن المجموعة وصلت أوكرانيا بتنسيق مع قائد جماعة "أجناد القوقاز" رستم آزييف (عبد الحكيم شيشاني) الذي يساند القوات الأوكرانية في قتال الجيش الروسي على الجبهات الشرقية في أوكرانيا، عقب مغادرته إدلب قبل فترة وجيزة.
والعناصر الذين غادوا إدلب، كانوا في معتقلات "تحرير الشام" منذ انشقاقهم عن كتيبة "جماعة الألبان" بقيادة "أبو قتادة الألباني"، على حد تأكيد عيسى، الذي بيّن أن "تحرير الشام، خيّرت العناصر بين البقاء في السجون أو الانضمام إليها، أو مغادرة المنطقة".
ويبدو من حديث عيسى، أن "تحرير الشام" هي من سهّلت انتقال المجموعة، كما فعلت قبل مدة حين سهّلت خروج قائد "جماعة القوقاز" عبد الحكيم الشيشاني إلى أوكرانيا، برفقة نحو 30 عنصراً من مجموعته.
و"جماعة الألبان" هي كتيبة مؤلفة من مقاتلين من ألبانيا ومقدونيا وكوسوفو، تأسست في إدلب، وشاركت في معارك عديدة ضد قوات النظام في جبهتي الساحل السوري وسهل الغاب بريف حماة.
اللعب بورقة المقاتلين الأجانب
ويعد ملف المقاتلين الأجانب من أعقد الملفات في إدلب، حيث تُمسك "تحرير الشام" بهذا الملف، وتريد من خلاله تقديم نفسها على أنها أحد الأطراف السورية المعتدلة.
ومن هنا، يرى الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، أن "تحرير الشام" تحاول استرضاء الغرب بتسريب مجموعة من المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا، حيث ينظر الغرب وتحديداً الولايات المتحدة بإيجابية إلى أي نشاط معاد لروسيا، ويعني ذلك أن "تحرير الشام" تؤكد للغرب قدرتها على لعب أدوار إيجابية في أكثر من مسألة دولية، على أمل إزالة اسمها من لوائح "الإرهاب" الغربية.
لكن، من جانب آخر، يؤكد أبو هنية لأورينت نت، أن "تحرير الشام" تريد اللعب بورقة المقاتلين الأجانب التي تبرز كواحدة من أكبر الإشكاليات بين روسيا وتركيا أيضاً.
ويدفع كل ذلك، بـ"تحرير الشام" إلى عدم المغامرة بالتخلص من كل المقاتلين الأجانب، لأن هذا الملف يبقى ورقة ثمينة قد تستخدمها لاحقاً، خاصة في حالة عدم اليقين بانتظار مآل التقارب بين تركيا والنظام السوري، كما يرجح أبو هنية.
ومثل أبو هنية، يتحدث الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" النقيب رشيد حوراني، عن استثمار "تحرير الشام" لملف المقاتلين الأجانب منذ أن أمسكت به أو تفردت به على الصعيد السوري ما بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العام 2019.
وفي حديثه لأورينت نت، يؤكد الباحث أن "تحرير الشام" تستثمر هذا الملف للتواصل مع الجهات الدولية التي تتخوف من هؤلاء الجهاديين، وقال: "إن تسريب تهريب بعض الجهاديين إلى أوكرانيا يأتي من هذا المنطلق".
ما دور تركيا؟
ويبرز السؤال عن الدور التركي في هذه المسألة، وخاصة أن تركيا تُعتبر المنفذ شبه الوحيد لإدلب على الخارج، وفي هذا الصدد، يعتقد حوراني أن تركيا لا تُنسق مع "تحرير الشام" في مسألة تحركات المقاتلين الأجانب، وإنما تغض الطرف فقط.
ويضيف أن "استثمار المقاتلين الأجانب ليس حكراً على "تحرير الشام"، وإنما هناك جهات متعددة تستثمر في هذا الملف للتأثير على أطراف أخرى" من دون أن يُفصّل حوراني أكثر.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت ورقة الاجانب رعبوناً للانتقال للحضن الأمريكي بدلاً من التركي، يعتقد حوراني أن عملية الانتقال لا يمكن أن تتم إلا تحت العين التركية، حيث تميل تركيا اليوم لتضع نفسها ضمن ما يمكن أن نسميه دبلوماسية الوساطة فقد كانت وسيطاً في مسألة الحبوب الأوكرانية مع روسيا واليوم هي وسيط مع الهيئة بشأن المقاتلين الأجانب، خاصة أنه في الاجتماعات التي تخص الثورة السورية ومنها أستانا صار هناك تحول بالخطاب عن الهيئة، وأنه ينضوي ضمن صفوفها غالبية من الشباب السوريين وليس من الأجانب.
واستطاعت "تحرير الشام" احتواء غالبية التنظيمات الجهادية في شمال غرب سوريا، بعد أن دخلت في صراعات مع أكثر من تنظيم مثل "حراس الدين" و"أنصار الإسلام" و"جنود الشام" وغيرها، لتفرض بذلك نفسها قوة مركزية قادرة على الإمساك بالقرار العسكري والأمني وحتى الاقتصادي في إدلب والأرياف المتصلة بها.
التعليقات (4)