بين جهتين وبانتظار قرارين.. سلة النازحين السوريين الغذائية تخوض بازاراً سياسياً جديداً

بين جهتين وبانتظار قرارين.. سلة النازحين السوريين الغذائية تخوض بازاراً سياسياً جديداً

في الوقت الذي تهدد حياة قاطني المخيمات الأوبئة والأمراض وخاصة الكوليرا، ومع ازدياد الاحتياجات الإنسانية بعد دخول الأزمة عامها الثاني عشر ومع استمرار قوات الأسد وحليفها الروسي بتهديد مصادر العيش للنازحين وملاحقتهم في ملاذهم الأخير، تم تحويل ملف المساعدات الإنسانية لورقة مساومة على غذائهم وسط هذه الظروف الصعبة، وسط معلومات تتوارد عن نية منظمة الغذاء العالمي بتخفيض قيمة السلة الإغاثية إلى ما يعادل النصف، وترافق ذلك كله أيضاً مع تخفيض الدعم عن بعض المنظمات الإغاثية ومنها منظمة (يداً بيد) التي أنهت عقود 170 من موظفيها العاملين في المشافي، الأمر الذي سبّب إغلاق بعض الأقسام الطبية.

 الكثير من المخيمات خارج منظومة الدعم وبعضها لم تُوزّع فيها الإغاثة منذ ما يزيد عن خمسة أشهر كما أخبرنا أبو خضر بأنه لم تدخل خيمته أي معونة أو سلة إغاثية من أي منظمة إغاثية أو جمعية خيريّة، والحجة التي كان يسمعها أن هناك استبياناً وبعد الاستبيان جاء دور الشكاوى وبعدها التدقيق والتأكد ولجان تأتي ولجان تروح وعيون أبي خضر وجيرانه ترقب وتنتظر دون فائدة، الأمر الذي أرغم أبو خضر على طلب الدين من جيرانه الذين حالهم ليس بأفضل من وضعه، أبو خضر البالغ 67 سنة والنازح إلى مخيم العهد قرب مدينة الدانا منذ عدة سنوات ويشكو من عدة أمراض ولكن ألم ظهره فاق

 النازح أبو خضر يوضح

"رغم ألم الظهر الذي يرافقني منذ سنوات، كنت أتأقلم معه مجبراً، إلا أن الألم زاد كثيراً هذه الأيام مع شدة البرد ومنعني من النوم، الأمر الذي دفعني للذهاب للصيدلية وشراء الحبوب المسكنة التي كنت أقول عنها إنها مضرّة بالصحة لأني لا أملك ثمنها، اشتريها بمبلغ 18 ليرة بعد أن وعدت الصيدلي بأني سأسدد المبلغ حال استلامي كرت الغذاء".

وأضاف أبو خضر: "بعد خمسة شهور من الأخذ والرد وزعت المنظمة القسائم الغذائية بمعدل 52 دولاراً للعائلة المكونة من أربعة أشخاص ويزيد المبلغ بزيادة عدد أفراد الأسرة، ونحن شخصان فقط لذلك حصلنا من صرف البطاقة على خمسة كيلو سكر ومثلها رز وبرغل، وكيلو شاي وعلبة سمنة وأربعة كيلو زيت نباتي، انتهى ثمن الكرت ونحن بحاجة إلى مزيد من الغذائيات والمنظفات، الأمر الذي أرغمني على بيع قسم من المواد الغذائية التي حصلت عليها بموجب القسيمة وخسرت فيها بغية شراء الأدوية الضرورية، أما الألبسة الجديدة فقد نسيناها ونشتري المستعمل عند الضرورة القصوى"! 

برنامج الغذاء العالمي يقول إنه سيُخفّض محتويات السلة الغذائية التي تقدم للنازحين في مناطق المخيمات، علماً أن هذا هو التخفيض الثالث وسط تهديد روسي بمنع دخول الإغاثة عن طريق باب الهوى وحصرها بنظام الأسد، الأمر الذي يهدد حياة الآلاف.

أورينت نت التقت زايد المحمود مدير مخيم النصر في مجمع الكمونة وسألته عن عواقب توقف السلة الإغاثية على النازحي، فأوضح أن أغلب النازحين يعتمدون على السلة الغذائية بشكل أساسي رغم أنها لا تلبي كل احتياجاتهم وأنها تتعرض للتخفيض كل فترة، عن رأيه في حال توقفها قال المحمود:  

"توقف السلة يعني الموت البطيء للكثير من الناس وخاصة العجزة والمرضى والذين ليس لديهم معيل، الناس هنا يعتمدون على السلة الإغاثية في تدبير أمورهم، فيها الرز والسكر والبرغل وهما من الأساسيات ولكنها تباع كاملة للباعة المتجولين بمبلغ عشرين دولاراً فقط، والتي يضطر فيها البعض لبيعها بغية شراء الأدوية أو مستلزمات خاصة، رغم أنهم يقولون أن قيمتها تبلغ ستين دولاراً، لا أعرف كيف تنقص قيمتها إلى الثلث وفي حالة التخفيض الجديد حسب تهديدهم فإن ثمن السلة لن يزيد عن خمسة عشر دولاراً، حتى إن القسيمة الغذائية التي توزع في بعض المخيمات والتي تصرف بمبلغ 52 دولاراً تُباع بـ  42 دولاراً فقط".  

أم أحمد ربّة بيت تسكن ذات المخيم وعندها ثلاثة أطفال صغار، قالت إنها تضطر لبيع المواد الغذائية التي أُرغمت على شرائها بموجب القسائم وتخسر ما يعادل عشرة دولارات من قيمتها لشراء أدوية وألبسة شتوية لأطفالها، وتساءلت لماذا لا يتم توزيع مبالغ نقدية على النازحين وهم يحددون حاجاتهم ويشترونها؟

أما جارها حسن قال: "الناس هنا وبعد غياب الإغاثة لفترة طويلة اضطروا للاكتفاء بأكل الخبز والقليل من الخضار، أما الفواكه واللحوم فقد أضحت من المنسيّات".

في إحصائية جديدة أعدتها إدارة المعلومات في الدفاع المدني السوري ونشرتها في الشهر الأخير من عام 2022، أوضحت فيها أهم الاحتياجات الأساسية للمهجرين في المخيمات التي بلغ عددها 929 مخيماً يقطنها حوالي مليون ونصف تقريباً، منها 73% من النساء والأطفال، وأن المخيمات تتعرض إضافة للأزمات الغذائية إلى كوارث طبيعية مثل الانجراف في السيول واقتلاع الخيم بسبب العواصف إضافة لحوادث الاحتراق التي تتكرر في كل شتاء.

وبينت الدراسة أن 84% من المخيمات تحتاج إلى عوازل و76% منها تحتاج إلى تبحيص الأرضيات و71% بحاجة إلى إعادة تأهيل الطرقات و47% تحتاج إلى صرف صحي ودورات مياه.

أما "منسقو استجابة سوريا" فقد جددوا تحذيرهم من خطورة توسيع نطاق المساعدات عبر خطوط التماس، بعد انتهاء تفويض إدخال المساعدات من معبر باب الهوى على الحدود التركية.

وقال الفريق في بيان على فيس بوك، إن انتهاء تفويض القرار الأممي 2642 /2022 الخاص بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وإصرار الوكالات الدولية على شرعنة إدخال المساعدات الإنسانية عبر معابر تابعة للنظام والتي تقدر بنسبة 76% من إجمالي المساعدات الواردة إلى الشمال السوري بموجب القرار المذكور، إضافة إلى 45 % خلال القرار 2585 /2021، سيؤدي إلى وقف المساعدات عن ملايين الأشخاص في شمال غربي سوريا، وحذر من التبعات الناجمة عن إغلاق معبر باب الهوى الحدودي والذي سيحرم أكثر من 2.2 مليون نسمة من المساعدات الغذائية سواء عن طريق برنامج الأغذية العالمي WFP أوعن طريق المشاريع المنفصلة عن البرنامج. 

وفي ظل هذه الظروف المأساوية ينتهي تفويض تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود مع نهاية العام، ويجتمع مجلس الأمن اليوم للتصويت على تجديد الألية، وفي حال عدم التصويت على التجديد فإن الوضع الإنساني سيتفاقم بشكل مأساوي وينذر بكارثة إنسانية حقيقة، ويشكل خطراً كبيراً على قدرة السكان والقطاع الطبي، على تدبير غذائهم الضروري.

سألنا حسان عبد الحافظ مدير منظمة سوريا عن رأيه بالتهديدات التي نسمعها عن إغلاق باب الهوى أمام المساعدات فقال:

"إن قبول المجتمع الدولي بخضوع المساعدات الإنسانية للابتزاز من قبل نظام الأسد وروسيا، هو شرعنة واضحة لاستخدام المساعدات كسلاح، وإن اعتماد خطوط النزاع لإدخال المساعدات إلى شمال غربي سوريا ليس إلاّ أحد الأساليب لتعويم النظام ولحصار السوريين، ويجب أن تكون المساعدات الإنسانية بعيدة عن أي استخدام سياسي، وبأن تكون أعمال التعافي المبكر، والمساعدات ذات غاية إنسانية واضحة، وأن تُسخّر لخدمة السوريين لا لخدمة نظام الأسد، وذلك لن يكون إلا عبر آلية واضحة لوصول المساعدات للسوريين".

وأوضح عبد الحافظ أن الوصول إلى المساعدات الإنسانية بكرامة وبدون تسييس هو حق أساسي لا يجب أن يخضع للتفاوض الدوري في مجلس الأمن، الذي مهمته الأساسية التركيز على جهود الحل السياسي وحماية المدنيين وتطبيق القرار 2254 ووقف هجمات النظام وروسيا والعودة الآمنة للمهجرين، وليس الانشغال بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

وتبقى عيون النازحين ترقب معبر باب الهوى والآمال تنتظر قرارات المجالس العالمية، عسى أن تعود المساعدات التي طال انتظارها إلى شعب عانى من الويلات بما فيه الكفاية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات