تراقب ميليشيا "هيئة تحرير الشام" بتوجس ما قد يسفر عنه مسار التقارب بين تركيا ونظام أسد، مبدية اهتماماً واضحاً تجلى في موقفها الرافض للتقارب، خلافاً لفصائل "الجيش الوطني" التي اكتفت بالصمت دون الخروج عن الضوابط التركية.
ومنذ لقاء وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" بوزير دفاع الأسد "علي عباس" في موسكو الأسبوع الماضي، ومنابر "تحرير الشام" الرسمية والرديفة لا تتوقف عن مهاجمة مسار التقارب، الأمر الذي يعكس مخاوفها من أن تكون أحد أثمان هذا المسار.
وبعد لقاء موسكو ظهر متزعم ميليشيا "تحرير الشام" لمرتين على التوالي، الظهور الأول كان في خطاب مصور نشرته وكالة "أمجاد الإعلامية"، والثاني في اجتماع مع عدد من الناشطين في مدينة إدلب، وكان عنوانهما الأبرز رفض المصالحة، واعتبار التطبيع بـ"الانحراف الخطير" الذي يواجه الثورة.
مسارات تحرير الشام
ويقرأ الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، الدكتور عرابي عرابي، في ردة فعل "تحرير الشام" على التقارب استشعاراً منها بالخطر، ويقول لأورينت نت إن "تحرير الشام تعمل على مسارين متوازيين، فمن جهة هي تريد توجيه رسائل للداخل السوري، وإلى تركيا بطبيعة الحال".
ويوضح أن رسالة "تحرير الشام" للداخل السوري، وتستغل الحدث لتحسين صورتها أمام الشارع الثوري بأنها لن تقبل أي مشروع مصالحة مع ميليشيا أسد، من شأنه إلحاق الضرر بالشمال السوري.
أما عن الرسائل لتركيا، يرى عرابي أن "تحرير الشام" أرادت أن تؤكد لتركيا أنها لا تزال الرقم الأصعب في معادلة الشمال السوري، ومن غير الممكن تجاوزها، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.
وعلى النسق ذاته، يقول مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" الدكتور محمد سالم، إن خطاب "تحرير الشام" حول التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد، لا يمكن فصله عن المخاوف التي تسود أوساطها، وخاصة إن لم تكن من ضمن أطراف الاتفاق.
من جانب آخر، يشير في حديثه لأورينت نت، إلى أهداف أخرى لـ"تحرير الشام"، تتمحور حول تصحيح صورتها في كل الشمال السوري، وخاصة بعد تراجع شعبيتها على خلفية الهجوم الأخير على عفرين.
ويرى سالم أن ما يساعد "تحرير الشام" على مجاراة مزاج الشارع في الشمال السوري الرافض للتطبيع، استقلاليتها المالية والتسليحية التي لا تمتلكها فصائل "الجيش الوطني"، ويقول: إن "خطاب "تحرير الشام" المُتقدم عن الفصائل أظهرها على أنها القوى الثورية التي تقف في المقدمة".
خيارات تحرير الشام؟
وأمام استمرار تركيا في مسار التطبيع وتطوير مستوى المحادثات، يتمثل الخيار الأول لـ"تحرير الشام" بمحاولة فرض شروطها على تركيا، وعدم الانخراط في أي مشروع يمهد لخطوات ما بعد التطبيع قبل التجاوب معها.
وعن ذلك، يتساءل عرابي عرابي، عن سقف الشروط التي تطلبها "تحرير الشام" من أنقرة، ويقول: "باعتقادي حصلت "تحرير الشام" على تعهدات من تركيا في هذا الصدد"، وكانت أنباء قد رشحت عن اجتماع غير معلن جرى قبل يومين بين المخابرات التركية و"تحرير الشام" لمناقشة مطالب الأخيرة.
وقد يخلق المضي في هذا التوجه لـ"تحرير الشام" أزمة داخلية، وخاصة مع التيار الرافض بشكل قاطع للدخول في أي مشروع مصالحة أو تنسيق مع نظام أسد أو مع روسيا.
أما الخيار الثاني، هو التنسيق مع فصائل المعارضة لتشكيل موقف صلب رافض للمشاريع التي يُخطط لها يقويه رفض الشارع، وهو الخيار الذي ينقصه الثقة الشعبية والفصائلية بـ"تحرير الشام".
الواضح أن التطورات الأخيرة تضع سياسة متزعم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني البراغماتية، أمام اختبار حقيقي، يبدو أن الخروج منه لن يكون دون خسائر، وخاصة أن المطلوب اليوم من أنقرة حل "تحرير الشام" بالدرجة الأولى.
ووفق المتداول من الأنباء، فإن أبرز مطالب نظام الأسد من تركيا، تفكيك ما سماها الفصائل وعلى رأسها "تحرير الشام" والفصائل الجهادية، ثم فصائل الجيش الوطني بالدرجة الثانية.
التعليقات (6)