غارة نهاية العام في سوريا

غارة نهاية العام في سوريا

أغارت الطائرات الإسرائيلية صباح الأربعاء الماضي كما العادة على أهداف لإيران وميليشياتها ضمن معسكرات تابعة للنظام فى محيط مطار دمشق وجنوب العاصمة، وكالعادة دون إعلان رسمي منها عن ذلك مقابل تصدٍّ تقليدي ووهمي للمضادات الأرضية التابعة لوكالة سانا للأنباء وتسريبات وأخبار وتقارير عن مقتل جنود وإصابة آخرين من القوات التابعة للنظام وإيران وميليشياتها في سوريا.

هذه الغارة كانت الـ23 هذا العام، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار توقفها لشهر تقريباً خلال تشرين أول/ أكتوبر الماضي فيما تشبه الاستراحة الإسرائيلية بعد غارات مكثفة وعمليات وهجمات غير معلنة جوية وبرية يمكن بالتأكيد الحديث عن غارات أسبوعية طوال العام الجاري الذي يوشك على الانتهاء.

تزامنت الغارة الأخيرة مع إعلان رئيس الأركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي رسمياً المسؤولية - كما كتبنا هنا الشهر الماضي - عن الغارة التي استهدفت قافلة سلاح إيرانية داخل الأراضي السورية بالقرب من معبر القائم على الحدود مع العراق بداية تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، كما مع التهديد الإسرائيلي العلني أيضاً بقصف مطار بيروت إذا لجأت إيران إلى استغلاله لتهريب السلاح مع حديث لافت لصحيفة روسية عن تهديد إسرائيلي جدي آخر بتدمير مطار دمشق وإخراجه تماماً من الخدمة بعدما كانت الهجمات الأخيرة ضد بعض مدرجاته مجرد رسائل تحذير أولية.

غارة الأربعاء أثارت ردود فعل وتعليقات من قبيل لماذا وماذا تقصف إسرائيل أصلاً مع إعلانها أنها دمرت 80 إلى 90 بالمائة من البنى التحتية للتموضع الإيراني الاستراتيجي في سوريا؟، وهل إيران المستنزفة في مشاكلها وأزماتها الداخلية لا تزال مستعدة لاستكمال مشروع مسؤول الحرس السابق قاسم سليماني الخاص بالتموضع الاستراتيجي رغم كل الضربات والخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي تلقتها دون أن ترد على الدولة العبرية ولو بطلقة رصاص واحدة؟.

تستلزم الإجابة أو الإجابات للدقة معرفة تامة ذات طابع تاريخي في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية لإسرائيل وإيران أيضاً، وعليه يمكن القول إن الاحتمالات كلها حاضرة، حيث قد تهاجم إسرائيل فعلاً لدوافع سياسية مع حريتها التامة والحدّ الأدنى من الأضرار والمخاطر لإبقاء الخطر الإيراني حاضراً، والإيحاء أن طهران رغم مشاكلها وأزماتها واستنزافها لا تزال تشكل خطراً إقليمياً ليس فقط يتعلق بتموضعها الاستراتيجي في سوريا وتهريب السلاح إلى لبنان، وانتهاك سيادته، كما سيادة العراق ولبنان وحتى سوريا نفسها، وإنما بتحالفها مع روسيا وانخراطها في حربها المجنونة ضد أوكرانيا، ما قد يزيدها تصميماً للمضي قدماً في مشروعها الاستعماري بالمنطقة وعليه يعني مضمون الرسالة الإسرائيلية أن إيران تمثل خطراً إقليمياً وحتى عالمياً، وأن التغاضي عن مشروعها في سورية والمنطقة دفعها إلى المغامرة والمجازفة والانخراط في الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

هذا الاحتمال الأول أي إنّ القصف لأهداف سياسية بمخاطر تلامس الصفر من جهة. إسرائيل دون وجود دواعٍ عسكرية بمعنى استمرار الهجمات نفسها بغض النظر عن المضمون. أما الاحتمال الثاني فيفيد أن إيران تتصرف فعلاً بهذه الذهنية الانتحارية الغبية والمنفصمة عن الواقع - تماماً مثل اختراع الحرس لجهاز الكشف عن فيروس كورونا عن بعد 100 متر، ومصل مضاد له - وهي لا تبالي بالخسائر والضربات، ويواصل إسماعيل قاآني مشروع قاسم سليماني والصراع مع إسرائيل للتغطية على المشروع الاستعماري القومي الطائفي في المنطقة العربية.

لا ينفصل عما سبق التهديد الإسرائيلي بقصف مطار بيروت الذي استخدمته أو تستخدمه أو قد تستخدمه إيران لتهريب الأسلحة إلى ذراعها الإقليمي المركزي في لبنان، وهو قد يكون تحذيراً أولياً، والأمر لا يزال مجرد فكرة تبحث جدياً داخل إيران وميليشياتها، -ما يؤكد الاختراق الإسرائيلي العميق لها كما سنرى لاحقاً - أو تجاوزت التفكير والخطيط وبدأت مرحلة التنفيذ بشكل تمهيدي وتجريبي.

وهنا تسعى إسرائيل إلى إدخال القوى الغربية في الحدث، أمريكا وفرنسا تحديداً اللتين تبحثان عن التهدئة في لبنان بأي ثمن بما في ذلك القبول بهيمنة حزب الله شرط ألا تنهار البلاد بشكل تام، أو تفيض مشاكلها على الخارج بما في ذلك انهيار التهدئة السارية على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ حرب 2006، وهنا يبدو حزب الله وكأنه قائم بالحكم الذاتي بدعم سياسي واقتصادي دولي وغربي ولكن بشرط ألا يتجاوز القواعد وإلا سيتلقى الضربات الإسرائيلية وحتى الغربية أيضاً في البعد الاقتصادي، حيث وصل لبنان إلى ما يشبه وصله بالسيروم أو المحلول الغذائي الغربي تماماً كما تفعل إسرائيل مع غزة.

ليس بعيداً عما سبق، كان لافتاً جداً ما نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية في 19 ديسمبر عن تهديد إسرائيل أيضاً بتدمير مطار دمشق بشكل نهائي إذا واصلت إيران استغلاله لأغراض عسكرية وتهريب الأسلحة ومستلزمات عسكرية من أجل تموضعها الإستراتيجي في سوريا أو لتقوية أداتها المركزية، وذراعها الإقليمي في لبنان.

هذا قد يكون تحذيراً روسياً، أي رسالة ضمنية للتوقف عن أي مغامرات إيرانية يائسة، كما عدم قدرة موسكو على منع تل أبيب من التصرف ضد طهران كما يحلو لها.

إضافة إلى ما سبق كله، فقد اكتمل المشهد مع اعتراف أو للدقة تبجح رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي عن قصف قافلة سلاح إيرانية قرب معبر القائم على الحدود السورية العراقية مطلع الشهر الماضي، والذي يمكن أخذه في عدة سياقات متكاملة وقد يكون تفاخراً بنهاية خدمة الجنرال مطلع العام القادم كما ثقة من ضعف وتراجع إيران وعجزها عن الرد عوضاً عن التباهي باختراقها وميليشياتها لدرجة أن كوخافي تحدث عن استخبارات دقيقة أدت إلى استهداف الشاحنة رقم 8 فقط من أصل 26 في القافلة، بينما نتج الانفجار المدوي عن قصف شحنة الصواريخ كما شاحنات الوقود المرافقة التي تستخدم للتمويه عن شحنات سلاح بداخلها.

ثمة غرض آخر لإعلان كوخافي ويتمثل بتكريس فكرة أن إيران مستمرة في التهريب ومشروعها غير الشرعي بما في ذلك عدم قانونية تصدير السلاح، ناهيك عن تهريبه واستغلال العراق والخط التجاري المدني لأغراض عسكرية.

وبالعموم تفيد الرسالة أو الخلاصة الأهم، أن إسرائيل ستواصل الغارات والهجمات ضد التموضع الإيراني، كما أكد رئيس الأركان المنصرف وكما قال رئيس الوزراء القادم نتن ياهو أيضاً فيما بدا خطأ مقصوداً "طائراتنا لن تتوقف ستواصل العمل في لبنان عفواً سوريا كما جاء حرفياً".

في الأخير وبتركيز واختصار، قد تكون غارة الأربعاء الماضي الأخيرة هذا العام وقد تتبعها بغارة أخرى قبل نهاية ديسمبر - نكاية وجكارة كما يقال بالمعنى العامي - ضمن الروزنامة الأسبوعية المعتادة التي باتت مثال تندرٍ وسخرية ليس فقط من المعارضين وإنما حتى من أنصار أو بقايا أنصار نظام بشار الأسد نفسه.

التعليقات (1)

    صدق من قال

    ·منذ سنة 3 أشهر
    أسد عليّ وفي الحروب نعامة ربداء تجفل من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر - عمران بن حِطّان.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات