مازالَ سكان محافظة الرقة يعيشون بتوجسٍ وقلق نتيجة تفشي فيروس (الإنفلونزا المجهول) والذي تسببَ بعددٍ كبير من الوفيات خلال الأيام القليلة الماضية، وجُلُّها من الأطفال، وآخر تلك الوفيات كانت بتاريخ الـ24 من ديسمبر الجاري في مدينة الطبقة غرب الرقة، حيث توفيت طفلة لم تتجاوز العامين من عمرها.
وبسبب كثرة حالات الإصابة بالإنفلونزا واستمرار الوفيات في المحافظة، أصدرَ مجلس الرقة المدني التابع للإدارة الذاتية (الذراع السياسي لميليشيا قسد) تعميماً يقضي بتمديد العطلة وإيقاف الدوام بالمدارس والمعاهد والروضات حتى بداية العام الجديد بعموم الرقة، على خلفية انتشار إنفلونزا الكريب الحاد بين الطلاب، وسبق ذلك تعطيل كافة المدارس بسبب انتشار الفيروس.
ورغم مرور حوالي أسبوعين على تسجيل حالة الوفاة الأولى بذلك الوباء، لم يتوصل الأطباء في الرقة إلى تحديد وتشخيص الفيروس المتسارع بالانتشار، في ظل تضارب روايات الأطباء حول التشخيص، فيما كشف مصدر طبي من الرقة في حديث لأورينت نت: أن "أعراض المرض مشابهة للرشّح العادي والإنفلونزا لكنها حادة كثيرا، البالغون يعانون بشدة للتعافي، وتستمر الأعراض لوقتٍ طويل، وتكون أصعب على الأطفال دون سن الخامسة، لذلك الوفيات بمعظمها كانت منهم، والأعراض هي خمول وألم بالعضلات ووهّن يرافقها صداع شديد، وضيق حاد بالتنفس، وتشويش بالرؤية، وعند الأطفال وفي حالات متقدمة من الإصابة مع نقص الرعاية الصحية تتسبب الإنفلونزا بتوقف عمل الرئيتين ثم الوفاة".
وأضافَ المصدر (رفضَ الكشف عن اسمه): أنه "خلال الأسبوعين الماضيين ولكثرة أعداد الأصابات عانت مشافي المنطقة من نقص حاد بعبوات الأوكسجين للمصابين من الأطفال، ولا زالت تصل حالات بنفس الأعراض للمشافي بشكل دورّي".
وعلى مايبدو فالإصابات بالفيروس كثيرة جداً بالذات في مدينة الطبقة غرب الرقة، وأعداد الوفيات كذلك، وفي الصدد قال الناشط وسام الرقاوي في حديث لأورينت نت: إن "عدد الوفيات الموثق لحد اليوم بلغ 22 حالة وفاة فقط في محافظة الرقة وغالبيتها في مدينة الطبقة وجميعهم من الأطفال، فيما تواردت أنباء عن وفيات أخرى في مناطق بالريف بذات الأعراض، لكن لم يتسنّ لنا التحقق منها، وكرأي شخصي أعتقد أن الوفيات تتجاوز العدد المذكور".
كما شمل قرار تعليق الدوام في المدارس والروضات مدينة منبج بريف حلب، بسبب انتشار وباء الإنفلونزا، إضافة لتسجيل حالتي وفاة بالمرض ذاته في الحسكة، وآخرها في الـ 25 من الشهر الحالي، حيث توفيت الطفلة "شيرين فرمان" البالغة من العمر 14 عاماً في الدرباسية، وقبلها بأيام توفي الطفل "عبد السلام الحسن" بالإنفلونزا كذلك، وفي ريف دير الزور الغربي ببلدة جزرة البوحميد وُثقت حالة وفاة طفلة أخرى في الـ 15 من الشهر الحالي.
واقع متردٍّ
ويعيشُ القطاع الصحي في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد واقعاً مُتردياً منذ سنوات، وذلك بسبب قلة الأطباء وتردّي الخدمات الصحية المُقدّمة من الميليشيا، لذلك يواجه الأهالي صعوبات كبيرة في مواجهة الأوبئة، ومنذ حوالي شهرين اجتاح مرض الكوليرا مناطق دير الزور والرقة، وقبلها اللاشمانيا، وكورونا، وآخرها فيروس (إنفلونزا مجهول)، ما تسبب بفقد كثيرين حايتهم بسبب تلك الأوبئة.
وحول الأمر قال الناشط خطاب العُمر لأورينت نت: "لا يزال الفيروس الذي انتشر في الرقة مجهولاً لليوم، هناك بعض الأطباء قالوا إنه عبارة عن متحور للإنفلونزا ويصيب الجهاز التنفسي للأطفال، وبسبب ضعف الواقع الصحي وقلة عدد الأطباء المُختصين، تعاني مناطق شمال وشرق سوريا من تدهور الوضع الصحي، نسبة كبيرة من الناس عاجزة عن الطبابة وتحصيل العلاج بسبب ارتفاع أسعار الأدوية لأكثر من 200 % وأيضاً غياب الرقابة، وغلاء أجور معاينات المشافي، والفساد الحاصل في قطاع الصحة، المنطقة بحاجة لدعم من منظمات دولية و أطباء أخصائيين، وتعزيز الكوادر الطبية ودعم قطاع الصحة بشكل فوري قبل تدهور الوضع أكثر"
ويضيف خطاب العمر: "غالبية من يمارسون مهنة الطب في مناطق الجزيرة بشهادات مزورة، وقسم آخر لم يُكمل تعليمه، ونسبة كبيرة من الصيدلانيين ليسوا كذلك بالمعنى الفعلي، بل أشخاص هواة يمتهنون بيع الأدوية، وكارثة القطاع الطبي في مناطق شرق الفرات، كبيرة ووفيات الأخطاء الطبية لا تُحصى، والمشافي بغالبيتها يُسميها الشعب بـالمسالخ، طبعاً هذا لاينفي وجود بعض الأطباء الجيدين بالمهنة، والذين يُراعون حالة الناس، في كثير من الأحيان يقوم بعض أطباء المنطقة بمبادرات شخصية للعلاج المجاني لوجه اللّه ".
ندرة الأطباء
والجدير بالذكر فإن غالبية الأطباء المحليين هاجروا خارج البلاد هرباً من الواقع الحالي، أما من تخرّج حديثاً من الجامعات فإنه يسعى للهجرة أيضاً طلباً لفرص أوسع، وهو أمر جعل الأطباء أقلية في المنطقة، في حين أن أغلبية الأهالي في مناطق الجزيرة ممن يؤمنون أجور وكلفة العلاج يتوجهون نحو مشافي دمشق الخاصة للطبابة، بحسب الناشط محمد الخالد من دير الزور والذي قال: "بالمُجمل لا أحد يثق بالطب الموجود في مناطق الجزيرة، كل هذا في كفة، وقضايا الفساد في هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية في كفة أخرى".
وأضاف الناشط محمد: "بعض المنظمات الطبية تتعرض لتدخل من قبل كوادر من PYD والذين يعيّنون أشخاصاً بدون شهادات حتى وفاسدين، وحتى الأدوية التي تُقدم للمشافي يقومون ببيعها، وهذا هو الحال في دير الزور كمثال وسبق أن خرجت مظاهرات تندد بفساد لجنة الصحة بريف دير الزور الغربي".
وبتاريخ 20 نوفمبر الماضي في بلدة الشعفة بريف دير الزور الشرقي والخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد، توفي الطفلان الشقيقان "أكرم وكريم أحمد الفندي" نتيجة تناولهما دواءً فاسداً (خافض حرارة) حسب ما قالت شبكة نهر ميديا المحلية، اشتراه والدهما من إحدى الصيدليات في المنطقة.
التعليقات (1)