حصاد 2022: فتور أمريكي تجاه سوريا والحفاظ على 3 مرتكزات

حصاد 2022: فتور أمريكي تجاه سوريا والحفاظ على 3 مرتكزات

كما الأعوام السابقة بقيت الولايات المتحدة في العام 2022 بعيدة عن إعطاء زخم للحل السياسي في سوريا، في ظل تدحرج موقفها من عدم شرعية النظام وضرورة إسقاطه، إلى تغيير سلوكه، وأخيراً إلى تحسين سلوكه، وبدا بُعيد غزو روسيا أوكرانيا أن الولايات المتحدة تعتزم الانخراط بالقضية السورية وأعلنت مارس/ آذار شهراً لمحاسبة النظام، بينما استمرت في ثابتها الرئيس وهو رعاية ميليشات قوات سوريا الديمقراطية، واستثناؤها شرق الفرات وبعض مناطق في الشمال من عقوبات قيصر.

وقد يبدو اختتام الولايات المتحدة العام 2022 بإصدار قانون تفكيك شبكات الكبتاغون المرتبطة بالنظام تطوراً مهماً ومؤشراً إيجابياً على تفعيل دورها بالملف السوري، إلا أنه مرتبط بموضوع "إرادة المحاسبة"، مع ما يعنيه ذلك من تساؤلات حول الهدف من القانون، وفي أي مسار يصب، وهل هو للضغط على النظام للخضوع أمام مشاريع الولايات المتحدة، والدول الحليفة في سوريا، أم للضغط على فلاديمير بوتين من خلال بشار الأسد، وماذا سيستفيد السوريون منه؟.

تأكيد الثوابت 

وخلافاً للتوقعات بأن الصراع سيحتدم بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا على خلفية غزو الأخيرة أوكرانيا، واحتمال الضغط الغربي على روسيا من خلال سوريا، لم يظهر بشكل واضح، ولم تكن له ترجمة على الأرض، لا سيما بعد أن سارعت الولايات المتحدة بعد أيام على بدء الغزو لعقد اجتماع في واشنطن في 3 مارس آذار لما تبقى من أصدقاء الشعب السوري تبعه اجتماع مماثل في باريس في 28 نيسان.   

وأصدر ممثلو 13 دولة عربية وغربية بينهم ألمانيا، وبريطانيا والسعودية إضافة للولايات المتحدة بيانين متشابهين، أكدوا فيهما ثوابتهم الإستراتيجية لما قبل الحرب في أوكرانيا، وهي دعم لجنة صياغة الدستور على أساس القرار 2254، والعودة الطوعية للاجئين، ومواصلة الضغط من أجل المساءلة، وبخاصة عن أخطر الجرائم التي ارتكبت في سوريا.

الحل السياسي

ولم تتدخل الولايات المتحدة وأصدقاء سوريا، لمنع التعنت الروسي الذي أدى إلى تأجيل انعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات لجنة صياغة الدستور التي كانت مقررة في جنيف بين 25 و29 يوليو/تموز الماضي، بحجة مكانها الذي لم يعد محايداً، ما يعني أن اجتماعيهما كانا موجهين للسوريين، بألا يعولوا على تغيير في الموقف بعد غزو روسيا أوكرانيا، وهذا يثبت من جديد عدم وجود إرادة في السير بالحل السياسي، ومجمل الحديث عنه يندرج في إطار البروتوكول، ويتم استخدامه مظلة تعمل تحتها القوى الكبرى والإقليمية لتحقيق مصالحها في سوريا.

اجتماعا واشنطن وباريس جاءا بعد أن حشدت السفارة الأمريكية في دمشق إعلامياً لجعل شهر آذار/ مارس “شهراً للمحاسبة”، ونهاية الإفلات من العقاب، وتأرجحت التساؤلات بين ما سيليه من إجراءات عملية، وبين احتمال أن يكون متعلقاً أكثر بالسياسة الأمريكية، لجهة تحجيم النظام إلى حد لا يندفع معه أكثر بتأييد غزو روسيا أوكرانيا، أو المراد به روسيا خاصة أنه جاء في حمأة تصاعد الموقف الغربي إزاءها، ولكن لم يؤد كل ذلك إلى نتائج ملموسة لجهة محاسبة أركان النظام عن الجرائم، ولم تذهب حصيلته سوى إلى إضافة ثلاثة ضباط على قائمة العقوبات لتورطهم بقصف غوطة دمشق بالسلاح الكيميائي في العام 2013.

مجزرة التضامن

وعلى الرغم من كشف صحيفة الغارديان في تحقيق استقصائي عن مجزرة ارتكبتها قوات النظام في حي التضامن بدمشق عام 2013، وإعادتها تسليط الأضواء على القضية السورية، والتي لقيت تفاعلاً على المستوى السوري والعربي والغربي، على الرغم من ذلك لم يكن للمجزرة صدى ذا فعالية خارج إطار الإعلام، إذ اكتفى متحدث باسم الخارجية الأمريكية بأن الوزارة تثني على "جهود أولئك الذين يعملون لتقديم الأسد ونظامه إلى العدالة.. وغالباً ما يعرضون حياتهم للخطر". 

وامتص النظام الزخم الإعلامي حول مجزرة التضامن، بأن أثار ضجة إعلامية حول مرسوم عفو أصدره بعيد الكشف عنها، وصلت حد وصف وزير العدل في حكومته أحمد السيد المرسوم بأنه "عبارة عن مصالحة وطنية شاملة وفتح صفحة جديدة للذين غُرر بهم أو أخطؤوا بحق الدولة للعودة إلى المجتمع والمساهمة ببناء الوطن وإعادة إعماره".

شرق الفرات والتنف

واصلت الولايات المتحدة رعايتها لقوات سوريا الديمقراطية، ودفعت التطورات المرافقة للتهديدات التركية المتكررة بشن عملية واسعة النطاق، والتي ترفضها واشنطن، إلى تعزيز هذه الرعاية، من خلال ما بدا أنه تحرك لوضع ترتيبات أمنية وعسكرية لمواجهتها. 

وتكثفت زيارات المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين إلى شرق الفرات ولقاءاتهم مع مسؤولي قسد بينها زيارة القائد العام لقوات التحالف الدولي ماثيو ماكفرلين، إذ كان اللافت فيها اصطحابه لأول مرة رئيس "الاتحاد الوطني الكردستاني" بافل طالباني، وهو نجل الرئيس العراقي الراحل، جلال طالباني، ما يعطي مؤشرات على رغبة الولايات المتحدة في التوجه إلى إقامة حكم ذاتي شرق الفرات على غرار شمال العراق، وهو أحد أبرز مشاريعها في سوريا.

ولعل اللافت أيضاً كان الترتيبات الجديدة التي أنجزتها الولايات المتحدة في منطقة التنف من خلال تحويل فصيل مغاوير الثورة إلى جيش سوريا الحرة ليحاكي قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، مع ما يعنيه ذلك من توجه لاستمرار الوجود الأمريكي في المنطقتين، لقطع الطريق على مشروع الربط الإيراني البري حتى البحر المتوسط.

استثناء الخزانة الأمريكية

كان استثناء الخزانة الأمريكية شرق الفرات ومناطق في الشمال السوري عدا إدلب وعفرين من قانون قيصر، والسماح باستثمارات أجنبية فيها، مؤشراً على رغبة الولايات المتحدة في إبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه في إطار الحدود بين مناطق النفوذ على أساس الواقع القائم وتثبيت الاستقرار للبناء عليه في مرحلة مرتبطة أكثر بمشاريع القوى الدولية والإقليمية، في ظل الحفاظ على تمسكها في وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وهو ما كرره غير مرة أيضاً المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي يقول إنه يقود جهوداً لحل سياسي بات بعيداً أكثر من أي وقت مضى بحسب أحدث تصريح له.

قانون الكبتاغون 

من السابق لأوانه الحديث عن نتائج قطعية لقانون الكبتاغون الذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام، إلا أن عنوانه قد يشي ببعضٍ منها وهو تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بالأسد، وبشكل أولي يمكن وضعه ضمن إستراتيجية الإدارة الأمريكية إزاء الملف السوري، إذ إن القضية السورية لا تحتاج إلى قوانين بقدر ما تتطلب وجود إرادة دولية وتحديداً أمريكية لتنفيذها، فهناك قانون قيصر الذي أدخلت عليه استثناءات بينها خط الغاز من مصر إلى لبنان، وأيضا هناك قرارات أممية بينها القرار 2118 لعام 2013 المتضمن عدم استخدام أو إنتاج أو تخزين النظام أسلحة، وعلى الرغم ذلك استمر بقصف المدنيين بالكيميائي، كما هو معروف، وأكدته تقارير أممية. 

ويرجح ألا تكون هناك علاقة مباشرة بين قانون الكبتاغون وبين مصالح السوريين، وأن يكون مرتبطاً أكثر بأهداف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، المتضررين من استمرار تهريب المخدرات إليها، إذ يستخدم النظام شبكاته للضغط عليها من أجل التطبيع ولا سيما الخليجي معه إضافة إلى هدفه بالاستحواذه على أموال من خلال تجارة المخدرات، وفي السياق قد يكون القانون مقدمة لما تطالب به أصوات أردنية متفرقة واشنطن إلى أن تتضمن إستراتيجيتها إيجاد "مناطق محرمة" في جنوب سوريا، مثل المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري. 

ومن الممكن أن يشكل القانون دعماً للسوريين في الداخل يُضاف بشكل تراكمي إلى ضغوط أخرى، في ظل وجود احتجاجات بسبب انهيار الوضع المعيشي، ولجهة تطورها لتشمل مناطق أخرى غير الجنوب، مع ملاحظة أن الجنوب السوري هو بوابة تهريب المخدرات، الذي يتم على مرأى من الأهالي من خلال انتشار شبكات ميلشيا حزب الله والفرقة الرابعة، ولكنه من جهة أخرى يخشى أن يعمد النظام إلى تحميل تبعات توقف دخله من المخدرات على الأهالي، ويستخدمه ذريعة كما قيصر للحديث عن ازدياد الضغوط عليه، مع تشديد قبضته الأمنية ولا سيما أن لا حل لديه سوى الحل العسكري. 

اعترافات بشار ولونا

وبالنسبة للنظام، فإنه أدرك منذ مدة بعيدة على ما يبدو صيغ التعامل الدولي معه على أساس تحسين سلوكه ليس أكثر، لذلك فإن مساحة مناورته حددها بهذا الإطار المطمئن بالنسبة له، ولذلك لم ير بشار الأسد حرجاً في أن يعترف صراحه للإخبارية السورية بأنه يتبع أساليب سرية لمنع انهيار الوضع الاقتصادي وقال: من أجل الحفاظ على منع انهيار الليرة أكثر لجأنا إلى أدوات لا نستطيع أن نعلنها لأنها لعبة ذات طابع خفي، وهذا أكدته أيضاً مستشارته لونا الشبل في مقابلة مع قناة روسيا اليوم مطلع العام 2022 بأن هناك طرقاً سرية تم اتباعها من أجل كسر الحصار، رافضة الكشف عن تلك الطرق، ولكن أغلب الظن أنها تتعلق بتجارة المخدرات. 

والتفاؤل بأن قانون الكبتاغون قد يمثل نهاية مأساتنا هو مبالغة تشبه تلك التي سرت بعيد صدور قوانين وقرارات أخرى، إذ إن التوجه الدولي ولا سيما الأمريكي للتعامل مع القضية السورية، يقتضي التوجه لإضعاف النظام مع الإبقاء عليه، ففي حين تدرك الولايات المتحدة أن النظام لا يقبل الشراكة بالحكم نظراً لطبيعة تركيبته الاستبدادية المستندة إلى نظام أمني يشكل وحدة متراصة، فإنها ما تزال تطرح القرار 2254 المتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي، والذي مضى على صدوره 7 سنوات، طريقاً وحيداً للحل، على الرغم من يقينها باستحالة تنفيذه، لكنها تبقيه عنواناً يجري في ظله تقسيم البلاد لمناطق نفوذ لتحقيق مصالح مشاريع رسمتها للقوى الأخرى، إذ إن ما تزرعه الولايات المتحدة عادة لا يحصده سواها.

التعليقات (1)

    إلى متى ؟؟

    ·منذ سنة 3 أشهر
    خطوط أوباما الحمراء ... تم تجاوزها مراراً و تكراراً ... ثم قانون قيصر .. ثم قانون تفكيك شبكات الكبتاغون !! الخلاصة أمريكا أكذب من الأسد و أكثر عهراً منه و لو أرادت التخلص منه لفعلت دون الرجوع لأحد أو إستشارته و دون إصدار القوانين و هذه التمثيليات الكاذبة . و لو كان بشار الأسد يعمل لصالح شعبه أو لديه ذرة من الكرامة و الوطنية لاقتلعته أمريكا مثلما فعلت مع صدام حسين و معمر القذافي . و لكنها لم تجد كلباً أوفى يحرس حدود إسرائيل و يحفظ مصالح الغرب و كل الدول الأخرى على حساب الشعب السوري
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات