تتسابق الأقاويل استرسالاً للبحث عن مكان وجود رأس النظام السوري، بعضها تبرّع وقال إنه خائفٌ من إيران، وقد التجأ إلى قاعدة حميميم حيث حلفاؤه الروس هناك، بينما طارت زوجته وأبناؤه إلى البرازيل، وبعضها الآخر استطاع الجزم بأنه يقيم حالياً في قصر تشرين في اللاذقية مع أسرته حيث طائفته هناك. البلاد تنهار اقتصادياً، وهو يمارس ألعاب التأمل واليوغا في مكانٍ ما على وجه هذه الأرض، لم يعد يظهر على وسائل إعلامه الرسمية، ولم يجد في الكارثة الأخيرة التي تنعم بها سوريا سبباً كافياً ليطمئن السوريين الموالين لحكمه ولو بكلمتين يحبهما على الأقل "الأمل بالعمل" أو ربما العكس، لا يهم، فالأرجح بأنه لن يفعل. وحده ابن خاله رامي مخلوف باستطاعته استدراج السوريين إلى نبوءة جديدة وثّابة، وقد وهبها مؤخراً إلى متابعيه على حسابه في فيس بوك، حيث ينتظر مخلوف ومريدوه بفارغ الصبر حدثاً كبيراً سيتكلم عنه العالم بأسره!! وسوف يبهر السوريين من شدة عظمته!! ثم يليه انفراجات عجيبة متتالية!! هذا ما يقوله مخلوف، ويتكتّم مرّةً جديدة على طبيعة ذاك الحدث، وصنفه، وأنواع أبطاله المزعومين، فيما نجد حليفي النظام المزعومين، وقد ركلاه بعيداً، إلى أقرب دارٍ للعجزة يمكن أن يحظا بها مؤقتاً.
هل انتهت فترة الحضانة الإيرانية؟!
المتمترسون خلف فرضية انتهاء الحضانة الإيرانية لبشار يجادلون مليّاً بأن إيران طفح كيلُها من استمرار متوالية قصفها من قبل إسرائيل داخل رحاب الأراضي السورية وداخل خرائبها العامرة، بعدما استنتجت مؤخراً بأن رهاب تسريب إحداثيات وجودها، هو حقيقيةٌ ترعاها القيادة الحكيمة للبلاد، وما أيقظ شكوكها تلك هو تفجيرٌ طال سيارة العقيد داوود جعفري قرب دمشق أواخر الشهر الماضي، وهو أحد أبرز مستشاري القوات الجوية الفضائية لدى النظام الإيراني، وبحسب المروّجين لفرضية انتهاء حضانة طهران لبشار، فإن الاحتلال الإيراني يسعى لاستقدام واجهة سياسية جديدة لرئاسة البلاد غير بشار، ومن المرجّح أن يكون شقيقه ماهر الموالي للنظام الإيراني كما هو معروف، وفي سبيل ذلك ستخوض إيران نزالاً مضنياً ضدَّ قيادات عسكرية وأمنية ذات ولاءٍ روسي داخل تركيبة الحكم السورية الحالية، ويستدلون على صواب تكهّنهم ذاك بإحجام نظام طهران عن إرسال مزيد من التوريدات النفطية لنظام بشار منذ أكثر من شهر، وكذلك برفع سعر صرف الدولار، والذي تتحكم به إيران داخل السوق السورية، وما نجم عنه من تسمين أزمة اقتصادية خانقة جعلت رأس النظام السوري حبيس الفرجة عليها عن بعد، وعاجزاً عن الظهور للملأ، أو التصريح بما تستلزمه هذه المناسبة المجيدة من إفصاح وتدليسٍ لغوي عذب، ولنتذكر أن زيارة وزير خارجية النظام الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق في أيار/ مايو من العام الماضي حملت في جانب منها تساؤلات عديدة حول الضالعين في تسهيل وتحريك الغارات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية داخل سوريا المحتلة، وأن ميليشيات الحرس الثوري قامت أواخر شهر أيلول/ سبتمبر من العام الحالي بالتعاون مع حزب الله اللبناني وجهاز المخابرات الجويّة السورية بحملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من ثلاثين عنصراً موالياً لها اتهمتها بالقيام بإبلاغ جهات دولية عن أماكن تمركز قوات الاحتلال الإيراني، ونشاطاتها العسكرية، ومستودعات أسلحتها، وهذا سهّل استهدافها طيلة الأعوام الماضية من تاريخ الخراب السوري المشرّف للغاية، فهل تصفية بشار على أيدي الحرس الثوري الإيراني هو الحدث المرتقب الذي أيقظ نبوءات رامي مخلوف النائمة؟! والتي سمعنا ما يماثلها تشويقاً على لسان ميشيل حايك في مراتٍ سابقة؟!
والروس يخذلونه أيضاً!
يستحوذ رأس النظام السوري على حصةٍ نظريةٍ وافرة من خذلان الحلفاء له، حليفان اثنان حسب ما يعتقد، لكنهما واقعياً يمارسان فضيلة الاحتلال المباشر. هما اشتريا بلا ثمن، وهو باع بكل الأثمان الممكنة لبقائه مدةً أطول، هو ذاهبٌ بكلّ ما استطاع أن يحمل من فجائع، وهما باقيان بموجب وثائقَ وصكوك بيعٍ وشراء رسمية للبلاد، وبحسب وثيقة مسرّبة حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي عبارة عن كتاب موجّه من قبل القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بتاريخ 25 أيلول/ سبتمبر من العام الحالي إلى إدارة الدفاع الجوي تقول فيه: بأنهم تفاجؤوا من طلب روسيا بسحب منظومة أس 300 للدفاع الجوي! والتي كان يتدرب على استخدامها اللواء 150 للدفاع الجوي، وتضيف قيادة جيش النظام في كتابها ذاك، بأن المنظومة التي تمت إعادتها إلى روسيا بحجة أنها نموذجٌ تدريبي فقط، ولا يمكن تزويدها بقطع غيار، أو إجراء صيانة دورية لها كما تفرض الضرورة، يتم حالياً استخدامها في الحرب الروسية الأوكرانية بكفاءة عالية، بعد إعادتها إلى قاعدة حميميم العسكرية أولاً، ومن ثم شحنها إلى روسيا.
يضاف إلى ذاك الخذلان المَهيب، ما جرى تناقله مؤخراً عن وكالة أسوشيتد بريس، بأن روسيا رفضت منح قرضٍ لمصرف سوريا المركزي، بعد خروج تكهّنات اقتصادية عديدة تفيد باقتراب نضوب احتياطاته من القطع الأجنبي، وبهذا يصير تباهي نظام دمشق بحليفيه أمراً مستعجلاً لا مناصَ منه، ولديه كلُّ الوقت لفعل ذلك وبالحفاوة اللائقة أيضاً، فالعاجز يمتدح غالباً اليدَ التي قادته إلى دار العجزة، وينسى بأنها اليد التي تنتظر دفنه بعد حين.
التعليقات (11)