ما السر وراء اختفاء مظاهر الثورة؟!

ما السر وراء اختفاء مظاهر الثورة؟!

في مقال سابق يحمل عنوان "في تفسير الحالة التشبيحية للمؤيدين" طُرحت فكرة محورية تستحق الجدل والنقاش، وهي أن النظام السوري ليس لديه مؤيدون حقيقيون إلا ما ندر؛ كل ما هنالك أن قسماً كبيراً من السوريين بدافع الخوف متعدّد المصادر فضّل أن ينحاز إلى جانب النظام الذي وضع السوريين بين خيارين لا ثالث لهما: معي أو ضدي.

من أجل الإنصاف أكثر؛ لا بد من طرح سؤال مشابه يخص السوريين في الضفة الأخرى، فبعد أن انقضى أكثر من أحد عشر عاماً من عمر الثورة أصبح الكثيرون يتساءلون: ما الذي تبقى من مظاهر الثورة؟ وعن هذا التساؤل تتفرع أسئلة كثيرة، أهمها: هل كل من خرج من تحت عباءة النظام ثائر؟ وهل كل من حمل السلاح ضد النظام وكل من عمل في المؤسسات الثورية ثائر؟

بداية، يعلم الجميع أن الشريحة التي خرجت من المناطق التي يسيطر عليها النظام فيها مجموعات كبيرة ممن لديهم دوافع مختلفة للهروب من تلك المناطق، فمنهم من خرج هروباً من الفوضى والخطر، ومنهم من خرج هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، ومنهم من خرج باحثاً عن مصادر الرزق، وهكذا... أما الذين مارسوا الفعل الثوري بمختلف فعالياته فهؤلاء ما يتوجب البحث في ماهية موقفهم.

أصبح السؤال مُلحّاً بعد أن أصبحت الفجوة بين الشعارات والممارسات الفعلية واضحة وضوح الشمس. ومن أجل البحث عن إجابة واقعية تقارب الحقيقة لا بد من العودة نحو البدايات، فمع انطلاقة الثورة كان لوجهات النظر المتعارضة دور كبير في اصطفاف السوريين؛ فمن اعتقد أن النظام سيسقط مثله مثل بقية الأنظمة العربية انحاز للفئة الثائرة بغضّ النظر عما إذا كان صاحب خلفية ثورية أم لا.

وفي المقابل، من كانت لديه قناعة راسخة بأن النظام السوري استثناء بالإجرام والعلاقات المشبوهة انحاز إلى الفئة المؤيدة اتّقاء للشر وقفزاً إلى مركب الفئة الناجية بغضّ النظر عن حقيقة كونه مؤيداً، وإن كان هؤلاء في غالبيتهم حاولوا تقمّص شخصية المؤيد إلى أبعد حد. بالإضافة إلى ذلك، هناك فئة من المحسوبين على الثورة التحقوا بصفوف الثوار بعد أن أصبحت مناطقهم خارج سلطة النظام، وهو ما اضطرّهم لحمل السلاح والانخراط في صفوف الثوار حماية لمصالحهم، أو لمكانتهم الاجتماعية، أو درءاً للمخاطر والضغوط التي يمكن أن يتعرّضوا لها، وهناك فئة أخرى التحقت في صفوف الثوار بحثاً عن مصار الرزق.

بين هذا وذاك، ومع تزايد أعداد الفئات الطفيلية؛ أصبح الثوار الحقيقيون فئة قليلة. ومع الزمن أخذت نسبتهم بالتناقص بشكل مستمر، فقد استُشهد بعضهم، وجرف التيار بعضهم، واعتزل بعضهم، والبعض الآخر ما زال يقاوم معترضاً وممتعضاً مما آلت إليه الأمور محاولاً الإبقاء على بعض مظاهر الثورة. من هنا، لا يُستغرب أن يلاحظ المرء ذلك التشابه في السلوك بين مؤسسات النظام ومؤسسات الثورة، فالفساد والمحسوبية وخرق القانون والاعتداء على الحريات والممارسات القمعية والظلم كلها سمات مشتركة بين الجهتين. الفارق الوحيد بينهما أن النظام أكثر حرفية ومهارة في تلك الانتهاكات الصارخة. 

ليس من السهولة بمكان إصدار حكم مفاده: أن الثورة المضادة قد انتصرت وانتهى الأمر، أو إن الثوار الحقيقيين ما زالوا يمتلكون من القوة والمكانة ما يجعلهم قادرين على استعادة زمام المبادرة، وإعادة الألق لبعض مظاهر الثورة على أقل تقدير. ولكن، من هم الثوار الحقيقيون؟ وكيف نعرفهم؟  

يُعدّ مفهوما الحرية والكرامة مفهومين متلازمين، وقد ربط بينهما الثائر الكبير "نيلسون مانديلا" بعبارة لا تخلو من العبقرية والفلسفة العميقة عندما قال: "ليس حراً من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة". تصلح هذه العبارة لأن تكون معياراً يمكن الاستئناس به عند محاولتنا تصنيف الثوار الحقيقيين وفرزهم عن باقي الفئات الطفيلية. فمن كان أحد أهم أسباب خروجه في الثورة هو سحق كرامة المواطن فهو ثائر حقيقي. وإن كل من كان وما زال يتألم ويشعر بالإهانة والاشمئزاز لدى رؤيته أو سماعه عن انتهاكات لكرامة المستضعفين فهو ثائر حقيقي يَعرف تماماً معنى الشعار الذي جعله الثوار عنوانا لثورتهم: الحرية والكرامة.

بالطبع لا يجوز حصر من يمكن أن نطلق عليهم تسمية ثائر حقيقي بهذه الفئة فقط، ففي بعض الأحيان لا يمتلك الإنسان البسيط هذا الحس الفلسفي والقيمي المرهف، لكنه رغم ذلك، يمكن تصنيفه ضمن فئة الثوار الحقيقيين ما دام يتحلى ببعض الروادع الأخلاقية؛ كأن يرفض التماهي بالشخصيات الفاسدة ومشاركتهم عملية الفساد والإفساد وخرق القوانين.
بهذا المعنى؛ ليس كل من غادر مناطق النظام بثائر، وليس كل من أقام في المناطق الخارجة عن سلطة النظام بثائر، وليس كل من مارس الفعل الثوري بثائر. وليس من المبالغة القول: أصبح الثوار الحقيقيون أقلّية، وربما أقلّية مضطهدة. 

نحن من بلد من النادر أن تجد فيه شيئاً حقيقياً، فلا الدولة حقيقية، ولا الحكومة حقيقية، ولا مشاعر الناس حقيقية، ولا عواطفهم حقيقية، ولا مواقفهم حقيقية. لذلك، من العبث أن تسأل أين اختفت مظاهر الثورة.

التعليقات (5)

    عبد الغني محمود

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الله يكون بعون الثائر عم يتعذب وهو بخيمته وببيته وكأنه مسجون .وعم ينجلط وينجلد من (الشبيحة) المحسوبين على الثورة كل يوم وكل ساعة وفوقها مصايب وجرائم الشبيحة النظاميين. القهر والحسرة كأنهم صنع تدمر و صيدنايا و....بسوريا

    وستجد

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الكثير من أنجز ملف لاجئ بل لاجئ سياسي.... و لا علاقة له بالثورة بل سرق مساعدات الأمهات اللواتي فقدن ابناءهن كي يدفع لسماسرة التهريب.... بل و خرجوا من مناطق النظام الباردة.... وهم في أوروبا و ..... نعرفهم بأسمائهم الا لعنة الله عليكم و على أولادكم .....

    عاش الاحرار

    ·منذ سنة 4 أشهر
    اللذين بقوا على العهد مهما طال الزمن و تغيرت الظروف....

    العارف الأعظم

    ·منذ سنة 4 أشهر
    يعلم بنية المجتمع و الحراك و التذمر و..... بدون قيادة و لا مشروع .. لو أرادوا المساعدة لدعموا الجيش الحر... وصدق ستجد العلوين اول من يبيع عيلة الجحش لكن دعموا التطرف و التيار الإسلامي... و شجعوا على حرب طائفية.... قالها الاب باولو.... في مؤتمر اقتصادي في الأردن... جئت لأقول لكم لا تعملوا على حرب طائفية بين السنة و الشيعة.... ........ HANI Al

    متفائل

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الثوار موجودين ولم يغيروا موقفهم من نظام بشار، ولكنهم في مرحلة إحباط من المجتمع الدولي والدول العربية اللذين خذلوهم. الثوار لم يتوقعوا صمت العالم وهو يشاهد نظام بشار يقتلهم، يعذبهم، يقصفهم دون ان يتحرك أحد لمناصرتهم.
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات