السويداء.. هل تغيّر المعادلة؟

السويداء.. هل تغيّر المعادلة؟

بت متيقّنة أن معضلة الاتهام والاتهام المضاد هي متاهة فيها الكثير من الإثارة الحمقاء أو حتى الموتورة، وقد تراكم السجال في هذا الشأن حتى ألهى الشعب في سورية وصرفه عن القضايا المهمة والأولوية.

وهذه اللعبة تُحسب للنظام الذي استطاع أن يمررها بنجاح مستمر، رغم الافتقار إلى الابتكار وإعادة نفس الأسلوب المتكرر في أداء الدور لكن الشعب مازال مأخوذاً بها، وهو بحالة تشرذم وانقياد. 

يستثنى منه أقلية واعية، ولما كان ليس من المجدي أبداً الرد على جميع الآراء فإني رأيت أن ألج فوراً إلى قلب الموضوع فيما يخص حراك السويداء الأخير.

إن الذي حدث جنوباً وإن كان محرّكه أقلية إلا أنه لا ينفصل عن الحدث السوري جملة وتفصيلاً، ففي السويداء كما في مناطق سيطرة النظام استحكمت الأزمة الاقتصادية إلى حد الانسحاق، إذ تأخذ السويداء حصة تقدّر بستمئة واط من الكهرباء، توزع على المناطق بمواعيد مختلفة تقدر بخمس ساعات انقطاع، وساعة كهرباء متقطعة بتيار متناوب بين ضعف وارتفاع، بحيث يحصل الكثير من تخريب الأدوات الكهربائية المتبقية لدى المواطنين والتي بات من المستحيل امتلاك القدرة على شرائها.  

على ضوء موجات الغلاء الفاحش المرتبط بتردي قيمة الليرة السورية، وحتماً انقطاع الكهرباء يعني توقف كل إنتاج حتى لو كان بحالته الأولية، والتي دمرته الحرب الظالمة ويستتبع قطع المياه وقطع الوقود ومحروقات التدفئة والغاز المنزلي وعجز حرفي عن شراء أي سلعة يمكن أن تؤمن حاجة خدمية أو طعاماً أو كساء.

ولما كانت السويداء تعتمد الزراعة أساساً، كانت السلطة مستعدة بكل ما أوتيت لتخريب هذا القطاع إلى أن وصل إلى مرحلة التحطيب الجائر، ولن تنسى السويداء موسم الحرائق الذي كان موسم حزب الله وإيران بامتياز. 

ثم كيف حولت إيران وحزب الله السويداء لمعبر تهريب إقليمي، بل أكثر منذ ذلك ذهبت بتصميم نحو تسميم أجيال كاملة بحالة إدمان، إلى جانب الاستثمار في سوق المخدرات، توزيع وحيازة وسمسرة. 

وأما السلاح فله قصة أخرى في السويداء، قصة تبدأ بسوق سرية مرتبطة بأسماء كبيرة ولا تنتهي بجرائم السياسة ولا الجرائم الجنائية.

ولا بد أن أذكر أن السويداء بدأت حراكاً موثقاً ومشهوداً ترافق مع حراك درعا ولوحقت القيادات قتلاً وسجناً واختفاءً قسرياً، ثم التشريد عبر الهجرة  غير المنظمة واللجوء ....كل هذا ترك السويداء تحت تحكم السلطة في أمنها وقوتها ومائها وتاريخها وجغرافيتها، وأذكر أنني حضرت اجتماعات كثيرة وعلى مستوى الشعب بكل قطاعاته وكانت كلها تطلب الحوار أولا وحتى النهاية ولما كانت وفود العاصمة منفصلة عن الواقع تعتمد التهديد، والوعيد ثم فضاء جهدها في خطابات التصدي للمؤامرة الكونية كانت مشاكل السويداء تزداد تفاقماً، وصولاً إلى الحراك الأخير يوم الأحد الأول من شهر كانون أول الجاري، والذي كان عفوياً وسلمياً وشبابياً، وكان يهدف إلى لفت نظر السلطة أن الأمر بلغ حداً لسقف توقعاته.

لكن الحراك تحول كما كل حراكات الشعب السوري إلى تحرك مشبوه ومرتبط ومخرب ...و...و...السلطة أطلقت النار، واتبعت نفس الخديعة الأمنية أثناء الحدث الذي دعشنته من سنوات قليلة، وانطلى الأمر مرة أخرى على إخوان الغفلة والذاكرة الخرفة وانهالت مزاودات مؤسسات الدولة تدين الحراك، أما لماذا أطلق الأمن النار؟ ولم يعتمد كما في المرات السابقة على المهاجمة والاعتقال فباعتقادي لأنه بدا واضحاً أنها حالة هلع من السلطة وأظن أن السلطة أعطيت ضوءاً أخضر دولياً وإقليمياً لتدفع السويداء نحو التطرف في رد الفعل، وهكذا تتخلص من ملفها المربك والذي أنهك أجهزة أمنها واستنزفها حتى نضبت خبائثها كلها. 

ولما كان الوضع السوري قد انهار فعلاً، فالخلاص من السويداء يعني التخفيف من أزمته الاقتصادية عبر رميها إلى ملعب دولة إقليمية، ضاربة بذلك عدة عصافير بحجر واحد.

أولها وضع السويداء برسم الكيان الذي يريد انفصالاً ثم تبعية، والخلاص من منطقة تؤزّمه دائماً وستبقى لأنها ما زالت الرافعة الوطنية التي يعدل إرثها التاريخي إحمال الثورة السورية التي كادت تهوي، ثم يرضي حلفاء اقتسام المنطقة الجنوبية... حتى ولو كان إلى حين.

وأما بعد لا أرى أن حراك السويداء سيتوقف بل سيستمر وستظهر بعده مفاجئات ليس من بينها أبدا.... إسقاط السلطة.......وهكذا تستطيع السويداء تغيير نقط الالتقاء بين السلطة والدول المنغمسة في الملف السوري ورفع القضية السورية مرة أخرى إلى واجهة الملفات العاجلة.

التعليقات (2)

    ابو محمد

    ·منذ سنة 4 أشهر
    اسرائيل وأمريكا وإيران وروسيا لن يتخلون عن العلوية ولا عن النظام

    منير

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الذي لا تحرك غضبه مئات الالف من المعتقلين السياسيين في سجون اسد ينفخ في قربه مثقوبه ضد أزمات الوقود والكهرباء والمياه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات