انتخابات مجلس الشورى لا تحسم هوية المراقب العام.. ما هي خيارات إخوان سوريا؟

انتخابات مجلس الشورى لا تحسم هوية المراقب العام.. ما هي خيارات إخوان سوريا؟

رغم أن البحث عن مراقب عام جديد لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا بدأ منذ منتصف العام 2022 على الأقل، إلا أن المهمة لا تزال تواجه استعصاء يُعيق التوافق بين التيارات المتصارعة، أو المتنافسة على الأقل، داخل التنظيم.


الجماعة التي أنهت قبل أيام انتخابات مجلس الشورى بهدوء، كان يُنتظر أن تستثمر ذلك في إنجاز توافق حول المراقب الذي سيخلف (محمد حكمت وليد) في هذا المنصب، لكن عمق الانقسام بين التيارين التقليديين من جهة، وعدم تمكن أي من الأسماء المطروحة من انتزاع التوافق من جهة ثانية، قد يؤخر الحسم لمدة شهر آخر، وربما أكثر، حسب التقديرات.


المرشح الأول

ومع نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انتهت الولاية الثانية لوليد الذي انتخب للمرة الأولى مراقباً عاماً نهاية العام 2014، قبل أن يتم التجديد له لدورة انتخابية ثانية عام 2018، وبذلك استنفذ إمكانية ترشحه من جديد، حيث ينص النظام الداخلي على ولايتين متتاليتين للمراقب كحد أقصى.
اللافت أن الاسم الذي كان مرشحاً بقوة طيلة الأشهر الماضية لمنصب المراقب العام، وهو عامر البوسلامة، عاد ليكون محل خلاف بين كتلتي حماة وحلب اللتين تهمينان على التنظيم، حيث تقول المعلومات إن كتلة الحلبيين اعترضت في الأسابيع الماضية على اختياره للمنصب، باعتباره أقرب للكتلة الحموية.
والبوسلامة من مواليد البوكمال في ريف دير الزور عام 1960، عاش في العراق ودرس فيها، وهناك حصل على الدكتوراه بالشريعة الإسلامية من جامعة بغداد، قبل أن ينتقل إلى اليمن حيث بقي حتى عام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية، فتم استدعاؤه إلى تركيا التي استقر فيها خلال السنوات العشر الماضية، ومنذ ذلك الوقت والعمل جار على إعداده لقيادة التنظيم.
وعام 2018 ترشّح البوسلامة لمنصب المراقب، لكنه خسر السباق لصالح وليد الذي عيّنه نائباً له، إلى جانب تسلمه ملف العلاقات الإسلامية.
إلا أنه ورغم الاعتراضات عليه، يبقى البوسلامة مرشحاً قوياً، حسب مصادر خاصة من داخل الجماعة، رأت أنه لا يوجد من هو أكثر حظوظاً منه كخيار توافقي، إلى جانب اسم آخر بدأ يسطع نجمه بعد النجاح اللافت الذي حققه في انتخابات مجلس الشورى، مع الإبقاء طبعاً على فرضية المفاجآت قائمة.


أبو عمار خطاب


الاسم الآخر الذي أعاد طرح نفسه اليوم هو حسن خطاب (أبو عمار)، الذي تمكن من جمع عدد كبير من الأصوات في انتخابات مجلس الشورى، ما يجعل من فرص نجاحه في انتخابات المراقب هذه المرة أفضل بكثير من تجربته عام 2018 عندما لم يتمكن من المنافسة.
الخطاب هو من مواليد معرة النعمان بريف إدلب، يبلغ السبعين من العمر تقريباً، وبالتالي فهو من متقدمي الطبقة الوسطى في التنظيم، التي يُنظر إليها باعتبارها جسر التوافق، ليس فقط بين المحافظين الأيديولوجيين (القدامى) والإصلاحيين (الشباب) بل وكذلك بين كتلتي حماة وحلب، على عكس البوسلامة الذي يصغره بنحو عشر سنوات ما يجعل الأخير أقرب للتيارات التجديدية.
المرشح الاحتمالي الجديد عاش في الأردن بعد خروجه من سوريا في ثمانينات القرن الماضي، يحمل دكتوراه في العلوم الشرعية من جامعة الأزهر في مصر، وهو مثل البوسلامة، محسوب على الحمويين في النهاية، الأمر الذي قد يُثير نفس الاعتراضات عليه من قبل الكتلة الحلبية.

 

تنافس الكتلتين


ويبدو أن هذه الكتلة تسعى لاستعادة منصب المراقب العام الذي كان علي صدر الدين البيانوني آخر من شغله منها، قبل أن يخلفه فيه الحموي رياض الشقفة عام 2010، بعد الانتصار القوي لكتلة حماة التي ضمت أيضاً غالبية الإخوان الإدلبيين وكذلك المنحدرين من دير الزور، لكن في الانتخابات التي جرت عام 2014 توافقت الكتلتان على مرشح من خارجهما للمرة الأولى، حيث ذهب المنصب لحكمت وليد الجراح المولود في اللاذقية والذي عاش في بريطانيا وعمل في السعودية.
ورغم أن الأخير لم يكن مطروحاً في ذلك العام، بسبب رفضه الترشح في انتخابات 2010 بعد أن كانت الجماعة تحضره لتسلّم المنصب على مدار سنوات، إلا أن كتلة الحمويين، التي بات الإدلبي أحمد سيد يوسف من أقوى الفاعلين فيها، رأت في وليد المخرج من الاستعصاء مع الكتلة الأخرى التي سحبت ترشح زهير سالم لحظتها، لكنها دعمت حسام الغاضبين، المنحدر من مدينة التل بريف دمشق، والوجه الشبابي القوي وقتها، فيما بدا وقتها أنه ردة فعل على جنوح وليد للكتلة الأخرى، لكن الغضبان خسر بفارق صوت واحد في النهاية.
ومع استمرار التوازنات الداخلية كما هي عليه منذ ذلك الوقت، وبسبب عدم إمكانية ترشح وليد لولاية ثالثة، فإن البحث عن خليفة بنفس مقاييس المراقب العام الحالي هو المرجح.
ورغم أن من حق مجلس الشورى التمديد للمراقب على الرغم من استنفاذه الولايتين، إلا أن الكتلة الأقوى حالياً قد لا تضطر لوضع نفسها في هذا الموقف، خاصة وأن الاسماء المرشحة الأخرى محسوبة عليها بالنهاية.
وعليه لا تستبعد هذه المصادر أن تكرر الجماعة اللجوء إلى مثل هذا الخيار كحل توافقي أيضاً من خلال اختيار اسم غير مطروح على الأقل وبعيد عن التجاذبات القائمة، على الرغم من أن الاحتمالات في هذا الصدد تبدو ضيقة أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى الموقف الحاد للمنشقين أو المنسحبين منها، وتمسك المحايدين بالاعتكاف أو تجنب الانخراط في أي منصب بالوقت الحالي.


المنشقّون


فيما يتعلق بالمنشقين عن الإخوان أو المنسحبين، وإمكانية اللجوء إليهم لاختيار شخصية من بينهم تحسم الصراع، يقول قيادي سابق في الجماعة إن هذا سيكون مفاجأة صاعقة إن حصل، لكن المفاجأة ستكون مضاعفة إذا ما قبل أي من هؤلاء المستقيلين بالعرض.
وإلى جانب عدم تداول هذه الفكرة عملياً، بسبب الإشكالية القانونية والتنظيمية التي تثيرها، إلا أن امتلاك مجلس الشورى لحق الاستثناء يجعل كل الاحتمالات واردة في النهاية، طالما أنها ستقدم تحت عنوان "مصلحة الجماعة".
القيادي الذي تحدث لأورينت وطلب عدم ذكر اسمه، اعتبر أن القطيعة التي استحكمت وعدم فتح قنوات تواصل مع هذه الفئة، عزّز من موقف أصحابها الذين غادروا بسبب اقتناعهم بعدم وجود أي نية للتغيير داخل الجماعة، على الرغم من أن هؤلاء ليسوا من تيار واحد وتختلف دوافع استقالاتهم أو انشقاقاتهم.
وخلال السنوات الماضية غادر الجماعة العديد من الوجوه التي تحسب على جيل الشباب فيها، ليؤسسوا أحزاباً وتشكيلات سياسية جديدة، أو يتفرغوا للعمل السياسي والأكاديمي المستقل، مثل محمد سرميني وعبيدة نحاس وهيثم رحمة ونذير الحكيم، بينما سبقهم إلى ذلك آخرون غادروا قبل ذلك بعقد أو عقدين، لكنهم ظلوا يُحسبون على الإخوان.
بالمقابل استمرت الكثير من الشخصيات البارزة من الجيل الأوسط في الجماعة، مع عدم تمكنها من الوصول إلى مراكز قيادية متقدمة فيها، مثل حسام الغضبان وعمر مشوح وآخرين، بينما فضلت شخصيات أخرى الاعتكاف، وخاصة الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة.

 

الاستعانة بصديق


وأمام هذا الواقع، ورغم أنه لا يبدو وارداً من الناحية النظرية اللجوء إلى إعادة أحد المنشقين، حيث ترغب القوى المتنفذة داخل التنظيم بالتوصل إلى اتفاق يعفيها من إحراج جديد سيؤكد عجزها في الوقت نفسه، إلا أنه عملياً فإن مراقبين من خارج الجماعة يرون أن احتمالاته ستكون ممكنة، خاصة مع مرور الوقت والفشل في حسم الموقف.
وعليه لن يكون مستبعداً أن تجد هذه القوى نفسها مضطرة في النهاية إلى "الاستعانة بصديق" واستقطاب أحد الشخصيات "الفاعلة" سياسياً في الوقت الحالي، من قادة أو كوادر الجماعة السابقين.
وإذا ما اضطرت كتلتا التنافس المزمن إلى هذا الحل، فلن يكون مستبعداً وقتها اختيار واحد من الأسماء غير المتوقعة، وهنا ترجح المصادر أن يكون في مقدمة هؤلاء عضوا الائتلاف نذير الحكيم وهيثم رحمة.
ورغم أن اللجوء لمثل هذه الأسماء سيكون بمثابة مفاجأة مدوية، إلا أن توفرهما على مناصب في مؤسسات المعارضة الرسمية من جهة، وقيادتهما لفصيل عسكري مقرب من تركيا بقوة وهو "فيلق الشام" من جهة أخرى، قد يجعل الكتلتين الرئيسيتين في الجماعة تتنازلان عن موقفهما الحاد وتعيدهما من أوسع الأبواب وأكبرها.


لكن باسل حفار، مدير مركز إدراك للدراسات، يستبعد بشكل قاطع مثل هذا الاحتمال، مؤكداً أن الاحتمالات التي طُرحت خلال الأشهر الماضية ما زالت هي دون تغيير، وأن الحسم سيكون بعد انعقاد مجلس الشورى الجديد.
ويقول في تصريح لأورينت: الجماعة متماسكة ولا يوجد خلافات أو صراعات أعمق من الطبيعي والمعتاد في أي تنظيم أو جماعة. وإلى جانب البوسلامة فإن التجديد لحكمت وليد أمر مطروح، وكذلك عدد آخر من الأسماء التي يجري النقاش حولها، وقد يحدث أن تطرح خيارات جديدة بشكل مفاجئ بالفعل، لكن ليس إلى حد أن يكون من بين هذه الأسماء شخصيات مستقيلة من الجماعة التي لا يمكن أن يتم ترشيح أي منها حتى لمنصب أقل من منصب المراقب العام في حال عادت أو أعيدت للجماعة.
ويضيف: عادة ما يتم حسم المرشح النهائي لمنصب المراقب العام مع انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشورى الجديد بعد انتخابه، حيث تدور النقاشات وتطرح الترشيحات النهائية في هذا الاجتماع، الذي يكون بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة لاختيار المراقب، أما الحديث الآن عن مرشحين نهائيين ومنح أي منهم الأفضلية فلن يكون دقيقاً.


بقدر ما يعكس الاستقطاب والصراع داخل جماعة الإخوان حالة تنافسية يمكن للتنظيم التفاخر بها كدليل على ديمقراطيته، بقدر ما يكشف عن معاناته من هيمنة التيارات والأفكار التقليدية التي كانت سبباً في تراجع فاعلية وشعبية الإخوان، وتزايد عدد المنشقين عنهم أو المعتكفين عن العمل مع الإبقاء على ارتباطهم التنظيمي.
حالة لا يبدو أن الانتخابات الأخيرة تشير إلى إمكانية مغادرتها، ما يجعل من تقدّم التيار الإصلاحي أو التجديدي أمراً مؤجلاً من جديد، بانتظار الدورة الانتخابية القادمة عام 2026 على الأقل.

التعليقات (1)

    emad

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الله يختار لهم الخير فهم الجماعة الوحيدة المنظمة تنظيما دقيقا والقريبة من كافة فئات الشعب السوري ووسطية الفكر عكس داعش والنصرة وغيرها من الجماعات التي شوه الاسلام ولها خبرات وقادر على قيادة البلاد بعد سقوط الاسد ومثال ذلك حكومة العدالة في تركيا وحكومة مرسي الذي لم ياخذ فرصة ليعرف الشعب الفرق بين دكتاتورية السيسي وحكومة مرسي والله غالب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات