ما بين ميسي واللاذقية

ما بين ميسي واللاذقية

سنة 2011 أو 2012 بعد اندلاع الثورات العربية عموماً والثورة السورية خصوصاً، أُقيمت في مكان ما من هذه الأرض العربية المالحة مسابقة رياضية، "كأس العرب في كرة القدم للناشئين"، مسابقة كرة قدم للفرق العربية التي لا تتجاوز أعمار لاعبيها سبعة عشر عاماً على ما أعتقد، ولم يكُ بالإمكان حتّى تصوّر متابعة هكذا حدث رياضي هامشي غير مهمّ وليس مصنّفاً وبلا أيّ مفاعيل.

لكنّ "قناة الدنيا" فاجأت الجماهير الرياضية والجماهير غير الرياضية بل وغير الجماهير حين بثّت خبر فوز منتخب "الجزائر" على منتخب "قطر" في بطولة كرة القدم العربية للناشئين عبر شاشتها على الشكل التالي: (الجزائر تُهرق ماء وجه قطر بخماسية)، هكذا!.


وقتها تساءلت: ما كلّ هذه التفاهة وما كلّ هذا الغلّ؟، إعلام (وينبغي وضع هذه الكلمة بين قوسين) يردّ على الموقف أو الدور القطري السياسي أو غير السياسي الإنساني أو غير الإنساني الأخلاقي أو غير الأخلاقي.. مهما كان، في سوريا بعد الثورة بإهراق ماء وجه قطر في مباراة يلعبها مجرّد صبية مراهقين عرب من دولتين عربيتين، وكأنّها معركة حربية ضروس خسر فيها العدو وانكسرت فيها جيوشه وتشتّتت، ويا ليت كان المنتخب السوري هو الذي ربح المباراة المذكورة على قطر، بالله ماذا كانت ستكتب "قناة الدنيا" وقتها؟. 


الأمثلة كثيرة جدّاً ومستمرّة بل إنّها ظاهرة من الظواهر مسألة خلط كلّ شيء وليس كرة القدم وحدها بالسياسات، وليس سياسات الدول فحسب، بل سياسات المجتمعات أو الأشخاص حتّى، وليس الخلط بالسياسات فقط بل بما هو خاصّ بحالة ما وربّما شخصي في حالات كثيرة، مثلاً أن تكره شعباً بأكمله أو طائفة بعينها بسبب نظام سافل وضيع يقدّم الموت لشعبه قبل أن يقدّمه لشعبك، أو أن تحبّ فريقاً ما في كرة القدم أو غيرها أو تكرهه لأجل لاعب ما تحبّه أو تكرهه، ولا أعرف حتّى الآن جواباً على هذا السؤال: كيف يمكن للإنسان أصلاً أن يحبّ أحداً أو يكرهه دون أن يعرفه؟، ما هذا الهبل وما هذه السخافة!. 


يعني ما علاقة "ميسي" بالتحديد بمسألة خسارة منتخبه الأرجنتيني أمام المنتخب السعودي في مسابقة كأس العالم لكرة القدم حتّى يُقال: "ميسي" وينو وينو.. كسرنا عينو؟، أو أن يخرج تعليق إخباري يقول: الأخضر السعودي يصعق ميسي!، هل كان المنتخب السعودي يلعب ضدّ "ميسي" وحده ولديه مشكلة شخصية معه؟، هل تغلّب الرجل سابقاً على هذا المنتخب فهزمه شرّ هزيمة والآن حانت ساعة الثأر؟، ما هذا؟، من يستطيع كسر عين "ميسي" أصلاً، لقد دخل كلاعب كرة قدم تاريخ اللعبة من أوسع الأبواب، وحقّق من النجاحات وحصّل من الشهرة والأموال ما لم تحقّقه وتحصّله كلّ الفرق والمنتخبات العربية عشرات السنوات، وليس في كرة القدم فحسب، بل في كلّ أنواع وأشكال الرياضات، أم إنّهم مشجّعو "ريال مدريد" لأنّ الرجل كان يلعب في "برشلونة" هم من أطلقوا شعاراً سخيفاً كهذا؟، طيب سؤال: أن تشجّع فريقاً أو أحداً ما، لماذا ينبغي أن تكره بالمقابل فريقاً أو أحداً آخر فقط لأنه ينافسه أو على هذا النحو؟، شجّع يا أخي بتؤدة أو بحماس لكن هذه اسمها "رياضة"، لعبة رياضية، ألعاب رياضية، ليست حروباً ومعارك، ألعاب، ألعاب للتسلية والمرح وللفرجة والتفريج. 


هذا مجرّد مثال أوحت به بعض ردود الكلام حول مباراة السعودية والأرجنتين في كأس العالم المقامة حالياً في قطر، وهو ما ذكّرني بالتعليق أو الخبر التافه الذي أوردته "قناة الدنيا" حول إهراق الجزائر ماء وجه قطر بخماسية، مثال عن خلط الرياضة وغيرها بما هو شخصي وهو ليس شخصياً أبداً، فلا أحد من الذين ردّدوا: ميسي وينو يعرف ميسي، وعن خلط الرياضة وغيرها بما هو سياسي وهو ليس سياسياً أبداً، فلا أحد من المنتخب القطري للناشئين منذ عشرة سنوات وبعدها كان سبباً في دمار سوريا وخرابها وقتل أهلها واعتقالهم وتهجيرهم يا "قناة الدنيا" يا قذارة الإعتام. 


ما هو سياسي بالفعل، ما هو إنساني وأخلاقي بالفعل هو ما فعله "المنتخب الإيراني" قبيل مباراته مع المنتخب الإنكليزي منذ أيّام في مسابقة كأس العالم الحالية، هذا هو العمل السياسي الإنساني والأخلاقي، موقف جماعي ينحاز للشعب وللوطن ويرفض القمع والاستبداد ولا يأبه أصحابه بالنتائج والمآلات، وإن كان معظم لاعبي المنتخب الإيراني يعيشون ويلعبون أصلاً خارج "إيران"، لكنّ بعضهم لا يفعل، وللجميع أهالٍ وأقارب فيها، ونظام "الملالي" لا يرحم القريب قبل البعيد، لله درّهم ومنه العناية. 


آخر مباراة حضرتها وجاهياً في دوري كرة القدم السورية كواحد من الجمهور السوري كانت بين فريق "تشرين" السوري وفريق "أميّة" السوري، وذهبنا لأجل ذلك من "إدلب" السورية إلى "اللاذقية" السورية، فخسر فريقنا السوري الأموي أمام الفريق السوري التشريني بهدفين أو أكثر، وما زلت أتساءل حتّى الآن لماذا حينها "أكلنا قتلة" من الإخوة المضيفين في "لاذقية العرب"، فريقكم فاز والحمد لله أنّه فعل.. لماذا العنف؟. 
شعوب ليس لديها أرواح طبيعية لتعيش، ربّما من المبكر -والله أعلم- أن تكون لديها "روح رياضية"!. 

التعليقات (1)

    أبو يحيى

    ·منذ سنة 3 أشهر
    مجرد صورة من صور الحقد....فالعاجز لاحيلة له سوى الصراخ ضناً منه أن عويله سوف يفزع الحقائق والمسلمات
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات