ثوار السويداء وظاهرة المعارض المزيف

ثوار السويداء وظاهرة المعارض المزيف

لم يتوقف أهالي السويداء عن الحراك الثوري منذ انطلاقة الثورة حتى يومنا هذا ولن يتوقفوا، لكن حراكهم سيستمر على نفس المنوال: انفجار ثم تهدئة عاكساً الصراع الحقيقي بين وجهات نظر متباينة تجاه أولوية الحراك من عدمه، حيث تعتقد شريحة واسعة من أهالي السويداء، وخاصة الشباب، أنهم من المفترض أن يكونوا في طليعة الثوار، بينما ترى فئة أخرى يهيمن عليها وجهاء المحافظة ضرورة النأي بالنفس عما تشهده الساحة السورية.

ثوار كالبقية

عندما انطلقت الشرارة الأولى للثورة السورية من درعا، لم يتبقّ فئة أو طائفة لم تعبّر عن تأييدها للثورة وشارك السوريون على اختلاف مشاربهم في الاحتجاجات الأولى إلى أن تمكّن النظام بخبث ودهاء قل نظيرهما من تحييد السوريين المصنفين ضمن الأقليات، وبينما سكت الآخرون سكوتاً نهائياً تقريباً، كان لثوار السويداء رأي آخر، فهم الذين اعتادوا التفاخر بأنهم مفجرو الثورات ضد المستعر وقادتها، وأنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش، لذلك فهم يقتنصون بعض الفرص التي تتيح لهم التمرد على رأي وجهائهم الذين ارتؤوا تحييد محافظتهم عما يجري في الساحة السورية لعدة أسباب قد تكون مصيبة وقد تكون مخطئة، وتمثل اقتناص الفرص بالتعبير عن الغضب نتيجة سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، لكن الشعارات التي رُفعت والهتافات التي هُتفت توحي برغبة جامحة في القول: إننا ثوار كباقي السوريين، ومنذ اللحظة الأولى.

ثورة جياع 

نتيجة الاحتجاج بالأوضاع المعيشية انبرى بعض المحسوبين على الثورة لنعت حراك السويداء في كل مرة على أنه "ثورة جياع"، أو ما شابه ذلك من نعوت تجانب الحقيقة وتعيد إلى الذاكرة أحد جوانب الخطاب الثوري الذي حمل في طياته عبارات لا يمكن تفسيرها إلا كنوع من الإقصاء، سواء كان خطاباً متعمداً أم عفوياً، وهذا النوع من الخطاب بالتحديد، هو الذي اعتمد عليه النظام السوري لدق الأسافين بين مكونات الشعب السوري، وفي نفس الوقت، هو الذي كان أحد دوافع وجهاء السويداء للميل نحو فكرة تحييد المحافظة، ومع الأسف، بعد أحد عشر عاماً ما زال البعض يقع في نفس الأخطاء التي رافقت الثورة منذ بدايتها.

ثورة خونة

أما النظام السوري، والذي اعتاد أن يتعامل مع حراك السويداء، الذي اتسم بالتكرار، بأساليب أمنية بالخفاء وتفاوضية بالعلن؛ فقد أعصابه هذه المرة وأوعز إلى بعض أبواقه بمهاجمة أهل السويداء بأسلوب أقرب إلى التعميم لم تغب عنه عبارات التخوين والاتهام بالعمالة، واقترب كثيراً من وصف أهل السويداء بالخونة أحفاد الخونة، وعند البحث عن السبب الذي أدى إلى هذه الاتهامات غير المسبوقة نجد أن تصرفاً قام به المحتجون لطالما اعتُبر في الذاكرة السورية من المحرمات، فالمحتجون اعتدوا على صورة القائد في سلوك يندرج في سياق الكفر والزندقة، فمن يتجرأ على مثل هذا الفعل يجب أن يدفع الثمن غالياً، ففي سوريا يمكن التسامح مع كل شيء إلا الإيحاء بأنك اكتشفت العلة الحقيقية لكل ما حل بالبلد.

معارضون مزيفون

الأنكى من هذا وذاك أن النقد اللاذع الذي وُجّه لشباب السويداء جاء من بعض الشخصيات التي قدمت نفسها للشارع على أنها معارضة داخلية ما فتئت توجه سهام النقد للحكومة بلغة فيها الكثير من الجرأة؛ وصلت لحد وصف البلد ب "الريكار الكبير". ليكتشف السوريون بعد ردود فعل هؤلاء على حراك شباب السويداء أنهم ليسوا سوى دريد لحام جديد أطل من خلال "السوشال ميديا" ليوحي للآخرين أن مساحة الحريات في سوريا لا حدود لها وأن النقد متاح لمن يرغب بالنقد، بينما الأمر في حقيقته أن ظاهرة "المعارض المزيف" تعمل كآلية للمراقبة يتم من خلالها جس نبض الشارع وقياس مدى الازدراء والإحباط لدى المواطن العادي، كما تعمل كأداة لتنفيس بعض الاحتقان، كان من المفترض ألا يخطئ السوريون في الحكم على هذا النوع من المعارضين المزيفين والترويج لهم، ففي سوريا كل خطاب نقدي بسقف مرتفع؛ هو خطاب محدد بدقة وخلفه جهة استخباراتية. وهذه قاعدة. 

أماط ثوار السويداء اللثام عن ظاهرة "المعارض المزيف"، وبكل تأكيد، ليس الجوع من حرّك شباب السويداء، ولو كان الأمر كذلك لتحرّك آخرون يعانون من ظروف أشد وطأة، وإنما الذي حرّكهم دم يغلي وشعور بالخذلان تجاه تاريخ وسم المحافظة بأنها من أوائل المحافظات التي تثور في وجه الطغاة، وسيعاود ثوار السويداء الكرة مراراً إلى أن يكونوا الشرارة التي ستحرق الأرض تحت أرجل المستبد، لأنهم طلاب حرية وكرامة. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات