الأنباء المتكررة عن عدم انفتاح رأس النظام بشار الأسد على تطبيع علاقة نظامه مع تركيا، ورفضه لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وطلب إرجاء هذا اللقاء، تخلف الانطباع بأن الأسد ما زال يمتلك قراره، لا روسيا ولا إيران، وهو ما يدفع بمصادر إلى التشكيك بكل هذه الروايات التي نشرتها وكالة "رويترز" للأنباء نقلاً عن مصادر لم تُحدد هويتها.
وقبل "رويترز" كانت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، قد زعمت نقلاً عن مسؤول لبناني أن الأسد رفض طلباً من أردوغان تسلمه عبر إيران لإرسال وفد تركي إلى دمشق، مضيفاً أن "الأسد رفض الطلب التركي، إلا أنه عبر عن انفتاحه على إجراء محادثات في دولة ثالثة".
ويبدو أن هذه الأنباء قد حملت أنقرة أخيراً على الرد، على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، حيث قال الأحد إن الرئيس التركي ألمح إلى أمور قبل اللقاء مع بشار الأسد، مبيناً أن أردوغان طالب قبل لقاء الأسد، أن يتصرف الأخير بمسؤولية ويبدد المخاوف الأمنية لتركيا، والسماح للمسار السياسي في سوريا بالاستمرار وإحراز تقدم فيه، وكذلك حماية الشعب السوري، وضمان السلام والاستقرار الإقليميين، الأمن والنظام على طول الحدود التركية السورية.
دعاية روسية
من جانبه، شكك المعارض السوري فراس طلاس بالأنباء عن ممانعة الأسد لقاء أردوغان، قائلاً لـ"أورينت نت": "إن كل ما تم تداوله بهذا الخصوص لا يمت إلى الحقيقة بصلة، مضيفاً "هي من فبركة روسيا، التي تريد خلط الأوراق على الجميع".
وعلى النسق ذاته، رجح المعارض السياسي سمير نشار، في حديثه لأورينت نت، وقوف روسيا وراء سيناريو الرفض أو التمنع من جانب الأسد للقاء أردوغان، معتبراً أن "الهدف الروسي من بث هذه البروباغاندا الإعلامية، تحسين صورة الأسد، والقول إنه ما زال صاحب قرار".
ويضيف نشار أن موضوع اللقاء بين أردوغان والأسد يبدو محسوماً، لأن الاستدارة التركية تجاه الأسد أتت بعد مسار تدريجي جرت خلاله صفقات بين بوتين وأردوغان كان من نتائجها عملية "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، وما قابلها من خسارة مناطق محررة واسعة سميت حينها مناطق خفض التصعيد، وقال: "منطقياً، لا أجد أن الأسد لديه شروط أو يعترض".
وحسب نشار فإن ما يجري حالياً هو تهيئة السوريين من قوى الثورة والمعارضة ومحاولة احتواء وامتصاص ردود أفعالهم خاصة المقيمين في الشمال السوري وتركيا، بعد ما جرى سابقاً عقب التصريح الأول لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حول ضرورة المصالحة مع النظام.
وما يستدعي الوقوف عنده، حسب نشار، هو غياب المواقف السياسية ليس لمؤسسات المعارضة الرسمية فحسب، وإنما أيضاً لشخصيات المعارضة من خارج الأطر الرسمية ومن خارج تركيا أيضاً، مضيفاً: "باعتقادي تجري عملية تدجين للسوريين للقبول بالتحول التركي، وأيضاً لإعادة النظر بالموقف من بشار الأسد".
وبالفعل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الائتلاف على سيل الدعوات التركية لإجراء حوار سياسي بين النظام والمعارضة.
حسابات متعلقة بالوجود العسكري التركي
وبالعودة إلى "ممانعة" الأسد لقاء أردوغان، يؤكد المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، بسام البني، أن "دمشق غير معترضة على التطبيع مع تركيا، بدلالة المحادثات الأمنية الدورية التي تجري"، مستدركاً: "لكن من الطبيعي أن يرفض الأسد لقاء أردوغان، نظراً لوجود القوات التركية على الأرض السورية".
وتابع البني في حديثه لأورينت نت من موسكو، أن لقاء الأسد بأردوغان دون حسم مسألة الوجود التركي في الشمال السوري، يعني "شرعنة" هذا الوجود من قبل القيادة السياسية.
إلى جانب تلك الحسابات، أشار البني إلى رغبة النظام السوري بتفويت الفرصة على حسابات أردوغان المتعلقة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في حزيران/يونيو2023، وقال: "ليس من المعروف إلى أين ستقود تلك الانتخابات، ومن الممكن أن تتغير الصورة في حال فوز أردوغان".
والأرجح وفق مصادر أورينت نت، أن تكون الأنباء عن رفض الأسد لقاء أردوغان، في إطار رفع سقف التفاوض من روسيا، حيث تسعى موسكو إلى تحسين وضع حليفها الأسد في المفاوضات مع أنقرة، مع إدراكها أن تطبيع العلاقات التركية مع النظام، يعني حرمان المعارضة السورية من ورقة قوية.
لكن مع ذلك تستبعد المصادر ذاتها أن يتم إحراز أي تقدم في مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية القادمة.
التعليقات (2)