عندما يصبح رغيف الخبز حلماً, والكهرباء رفاهية, والوقود مستحيلاً, من الطبيعي أن يتحرك الشعب وينتفض.
عندما يغيب الدواء, ويغيب الأمان, ويغيب الاستقرار, وتسيطر على البلاد شريعة الغاب, فمن الطبيعي أن يثور الشعب.
عندما يصبح الراتب خيالاً لا يكفي لتغطية مصاريف مواصلات ذهاب وإياب الموظف إلى عمله فمن الطبيعي أن يثور الشعب.
عندما يعيش سواد الشعب على الكفاف والطبقة الحاكمة تسرح وتمرح وتعيش الترف والبذخ غير عابئة بحياة عشبها فمن الطبيعي أن ينتفض الشعب.
تقول آخر المعطيات عن مدينة الياسمين دمشق (ومثلها بقية المحافظات) أن التيار الكهربائي لم يصل لكثير من أحيائها ومناطقها وريفها سوى عشرة دقائق في آخر الأيام الماضية, وأن هناك مدناً وبلدات في ريف دمشق لم تصلها الكهرباء منذ 7 أيام, وأن شبكة الهاتف الأرضي وشبكة الخليوي والإنترنت الأرضي انخفضت بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المولدات خلال فترة انقطاع الكهرباء، وحتى الأبراج التي تتغذى عبر الطاقة الشمسية خرجت عن الخدمة تقريباً بسبب الطقس الغائم, وأن معظم المصانع الكبيرة في دمشق خفضت عدد سيارات توزيع منتجاتها بسبب عدم توفر الوقود، وأن بعض المصانع أغلقت أبوابها وأوقفت إنتاجها.
وأن معظم المؤسسات الحكومية لم تنجز بالأيام الماضية أي معاملة إلكترونية بسبب عدم وجود شبكة إنترنت أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي, وأن المحلات التجارية والأسواق في معظم أحياء دمشق باتت تُغلق أبوابها مع مغيب الشمس بسبب عدم توفر وقود لتشغيل المولدات أو لشحن البطاريات, وأن الأفران الخاصة خفضت إنتاجها بسبب عدم وجود كميات كافية من المازوت لتشغيل الآليات, وأن معظم المطاعم أيضاً خفضت الإنتاج واقتصر عملها على الطعام البارد بسبب عدم توفر المحروقات والغاز, وأن مادتي البنزين والمازوت اختفت حتى من السوق السوداء, ووصل سعر صفيحة البنزين إن وجدت إلى250_ 300 ألف ليرة سورية, وأن معظم محطات الوقود المدعوم حكومياً مغلقة بسبب تأخر وصول الرسائل للناس, وأن طوابير من السيارات عند محطات الأوكتان تنتظر قدوم المحروقات منذ الصباح حتى الليل، رغم أن الكميات إن وصلت لا تغطي نصف عدد المنتظرين بعد تأخر رسائل البنزين للسيارات الخاصة والعامة لأكثر من 17 يوماً, وأن سعر جرة الغاز المنزلي تجاوزت 250 ألف ليرة سورية في السوق السوداء, وأن أزمة بشرية خانقة باتت تشهدها الساحات في محطات نقل الركاب وعند المواقف في الشوارع الرئيسية في دمشق نتيجة عدم وجود مواصلات عامة.
مع كل ما سبق يصبح لزاماً أن نسأل: هل تلك المناطق التي يعيش فيها أكثر من عشرة ملايين سوري ويحكمها الأسد باتت دولة؟؟
أمام هذا الواقع المأساوي والكارثي كان أمراً طبيعياً أن تنتفض مدينة السويداء, وأمراً طبيعياً أن يتوقف موظفو مدينة جبلة عن الذهاب لمؤسسات النظام ودوائره الخدمية, لكن ما هو غير طبيعي وأمام كل الفساد الذي يمارسه نظام أسد, وأمام كل اللصوصية التي يمارسها, وأمام كل الإجرام الذي يرتكبه, أن يرد زعران النظام بالرصاص على من خرج يطالب بقوته وقوت عياله ويطالب بعيش حر كريم ويقتلوا ويجرحوا المدنيين.
مدينة السويداء وشباب الكرامة المشهود لهم عبر التاريخ بالوطنية ومقارعة الاستعمار والتضحية للوطن ومنهم خرج قائد الثورة السورية البطل سلطان باشا الأطرش ليقود ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي وليصنع الحرية لكل السوريين, أن يصبحوا عملاء لشارون وعملاء لإسرائيل وخونة ومرتزقة كما وصفهم اللص والمرتزق شحادة إسماعيل رئيس بلدية القرداحة السابق الذي نهب وسرق وعربد بما يكفي, ليأتي اليوم ويصنف أهل الكرامة وشباب الكرامة وجبل الكرامة بأنهم أحفاد الخنازير وأحفاد وليد جنبلاط وأنهم عملاء ومرتزقة وخونة وفاسدين وأنهم يعملون بأوامر إسرائيل وأنهم اصبحوا من الصهاينة!!!
أي زمن أصبحنا فيه ليكون الفاسد والمرتزق واللص وتاجر المخدرات والمجرم هو من يقيم أهل البلد, وهو من يصنف أهل البلد, وهو من يمنح الوطنية أو يرفعها عن أهل البلد!!
اليوم تتكشف آخر أوراق النظام وعصابته, وتسقط آخر ورقة توت كانت تستر جرائمه ومجازره بحق هذا الشعب, وتتضح الحقيقة التي بات يعلمها كل سوري بأن نظام الأسد نظام قاتل ومجرم, وأن مهادنته للبعض كانت خوفه من غضب الخارج فقط, وأنه مستعد حتى لقتل كامل طائفته من أجل البقاء بكرسي السلطة.
انتفاضة مدينة السويداء وإسقاطها لأصنام النظام وحرق العلم الروسي والمناداة بإسقاط نظام العهر الأسدي, هي خطوة كانت منتظرة من كل شعب سوريا الحر, لإيماننا وقناعتنا بأصالة شعب السويداء وأصالة جبل العرب ووطنيته وأنه لا يقبل المساس بكرامته.
الساحل السوري الذي أكله نظام الأسد لحماً ورماه عظماً تنتفض فيه اليوم مدينة جبلة عبر إعلانها تمرداً مدنياً وعصياناً شعبياً برفض ذهاب الموظفين لعملهم بعد أن أصبحت قيمة مواصلات الذهاب والإياب من وإلى العمل أكبر من قيمة راتبهم الشهري, وبعد أن أصبحت قيمة وجبة بمطعم لونا الشبل مستشارة بشار الأسد أكبر من كامل راتب موظف وحتى راتب ضابط برتبة عميد في جيش الأسد.
انتفاضة السويداء هي بداية وليست نهاية, وإن لحقت بها بعض بلدات سهل حوران تطبيقاً لوحدة السهل والجبل,
ولحقت بها جبلة فليست هنا النهاية, النهاية تكون بأن تنتفض كل المدن والبلدات السورية, من درعا للقنيطرة, ومن الياسمينة الدمشقية لمدينة خالد بن الوليد لمدينة أبي الفداء, انتقالاً لعشائر دير الزور وحلب الشهباء, ومن اللاذقية لبانياس لطرطوس, ولكل شبر تهيمن عليه عصابات الأسد, وقلوب كل السوريين الأحرار ستكون معكم, في مخيماتهم, وأماكن نزوحهم, وبلدان مهجرهم, في ريف اللاذقية, وفي إدلب وريفها, وفي أرياف حلب, وفي كامل شرقي الفرات, الكل سيكون معكم بقلوبهم وضمائرهم وحناجرهم.
الحل بسوريا بيد السوريين وفقط السوريين, وإذا أردنا أن نبني سوريا المستقبل فعلينا بداية التخلص من تلك المنظومة الفاسدة التي دمرت البلاد والعباد, وقتلت البشر والشجر والحجر, وخلاص سوريا بيد شعبها, وكل تأخير يعني مزيد من إجرام الأسد وزبانيته.
سوريا الحرة باتت قريبة, ويفصلنا عنها فقط إسقاط عصابة الأسد, وكلما أسرعنا كسوريين نحو بناء سوريا الحديثة كلما بات الفرج أقرب, لنضع الكف بالكف والساعد بالساعد لنبني سوريا الجديدة ليس من أجلنا فقط بل من أجل أبنائنا وأحفادنا, ولنؤكد للعالم وللتاريخ أننا شعب يريد الحياة ويصنع الحياة وأننا شعب لا يهرم ولا يُهزم.
التعليقات (10)