ثورة الفقراء قادمة فاحذروها

ثورة الفقراء قادمة فاحذروها

ببساطة شديدة استفادت الأنظمة العربية من المثل القائل" جوّعْ كلبك يتبعك"، واستبدلتِ الكلب بالشعب، ووفرت كلّ العقول التي تقوم بخدمتها في صناعة الجوع، وتكريس الفقر واقعاً لا بدّ منه ، لكي يتبع الشعب الجائعُ الحاكمَ الذي في يده كل مفاتيح الرزق والعطاء.

ولم يحفل الحاكم العربي من القادم، ومن أصوات الجياع جاء التهديد، ارتفعت الصرخة: إذا جعنا أكثر سنسرق لنأكل، وهذا خروج عن القانون، لكن كيف سكت القانون على جوع الناس؟.

أظنه سكتَ، لأنه القانون ذاته الذي وطّد دعائم التجويع العام، وحوّل الشعب في البلد الواحد إلى طبقتين: لصوص كبارٌ وفاسدون، وأكثرية لا تمتلك الرغيف وأبسط مقومات العيش.

واستبشر البعض، سيخرج كثيرون ليأخذوا رغيفهم بسواعدهم، الجوع كافر بلا دين، من سيلوم رجلاً قرّر ألّا يموت أولاده من الجوع، فقام إلى اقتحام محل تجاري، أو قرّر سرقة مصرف؟

والسرقة تؤدي إلى القتل، والقتل يؤدي إلى خلل عام، سيضعنا جميعاً في شريعة غاب معاكسة، لن يأكل فيها القوي الضعيف، لأن الأقوياء أكلوه وما أبقوا منه شيئاً، هذه المرة سيأكل الضعيف القوي، سيسرقه، سيعتبر ماله وروحه مشاعاً، لأن نتاج الفقر الكبير تمرد أعمى على كل شيء، حريق عام وفي هذه المرة سيأكل اليابسُ الأخضرَ. 

وهذا يستدعي السؤال الكبير الذي نردده منذ نصف قرن وربما قبل ذلك "لبنان وسوريا إلى أين"؟

الطبقة التي تحكم لبنان استطاعت امتصاص ثورة شعبه الخجولة، ومارست الهجوم المعاكس على أكثرية الشعب، والنظام الذي يقوم على ترميز الزعيم الطائفي، والمناطقية والمذهبية، ينتج حشوداً قطيعية لا أكثر، لحظة يأمرها الزعيم بالعودة إلى الصمت، تلتزم وتعضّ على الجراح. 

والنظام الحاكم في سوريا، لم يكتف بقمع الثورة منذ بداياتها بأبشع الوسائل الوحشية، بل عمد إلى تأديب حاضنتها الشعبية، حين دمّر بأعصاب باردة المدن والقرى السورية على رؤوس قاطنيها.

لبنان كله من طرابلس للناقورة، ومن جرود الهرمل، لأعالي كسروان لبيروت والجنوب، والبقاع، لبنان من الحدود إلى الحدود يعيش تحت خط الفقر، فجأة ترتفع الأسعار بقدرة ظالم، تجنّ الأسعار ولا أحد يفكر في الحَجْرِ عليها في مصحّ وطني يحرص على عدم أذية أهل الوطن، تنقطع الكهرباء، والمياه، يتفلت سوق الصرف، يمر انفجار المرفأ بكل ما فيه من وحشية مرور الكرام بلا رقيب ولا حسيب، والجميع يلتزم الصمت أمام خواء حكومي، وفراغ رئاسي، والقادم أعظم.

جارنا العجوز جاءني يبكي، هل تعلم كنا إذا جعنا ولم نجد في الجيبة مصاري، نأكل المجدرة، المجدرة اليوم لا نستطيع الحصول عليها، العدس غالي، والبندورة والرز، البرغل كان طعام الفقراء، لم نعدْ قادرين على شرائه ويشهق في بكائه، وأكملُ عنه اللائحة: والأجبان والألبان والحليب واللحم، والدواء والغاز والبنزين، وأعرف أن القارىء سيكمل عني وعن جارنا ما بدأناه.

لا شيء رخيص في هذا البلد سوى المواطن الذي لا ظهر له، سوى المواطن الذي لا ينتمي إلى طبقات المتخمين واللصوص وناهبي الخيرات.

لقد وصلت الحالة إلى الجدار الأصم، وصلت إلى نهايات الصبر والاحتمال، وصلت إلى الحافة، وتجاوزتها، إلى القاع وأسوأ.

وفي لبنان الراهن، لا أظن المواطن اليوم يهتم مطلقاً بالفراغ، وحكومة الوحدة، وقانونية الحكومة الحالية، ولم يعد يسأل عن الانتخابات ولا عن القانون الذي سيعتَمد فيها، ولا أظنه سيفكر جدياً بإعطاء صوته لممثليه الذين انتخبهم وجميعم خذلوه، ولن يفكر في الخط الأزرق وفي الخطوط الحمراء والملونة، ولن تثيره الفيديو كليبات المصورة، ولا الأغنيات الطازجة، ولا المهرجانات الراقصة والعارية والمحجبة والخطابية.

اليوم في كلا البلدين ضاعت البوصلة، أمن ذاتي مناطقي، في ظل ارتفاع الجرائم والسرقات، والتفلت في القيم..

وفي كلا البلدين أيضاً ظهرت طبقة جديدة من المرتزقة تبني ثرواتها على احتكار كل شيء بدءاً بالرغيف وانتهاء بالكهرباء والدواء..

وكم مضحك القول إن لبنان سيكون قريبا بلداً نفطياً..

سوريا كانت بلداً نفطياً، وينام أهلها على جوع..

في أي بلد على هذه الأرض، حين يحكم السارقون تموت الشعوب..

الكلام لم يعد يغني عن الجوع ولا الغناء ولا أي شيء آخر.

حديث الناس فقط عن الحالة المتردية التي وصلوا إليها، وحديثهم اليومي بين بعضهم البعض وبينهم وبين أبناء لهم غرّبهم الفقر القديم هو عن الفقر الجديد المستبد، وعن رجاءات كبيرة بأن يؤمّنوا لهم ثمن تذاكر السفر إلى أي مكان آخر بعيداً عن هذا الوطن \الحاوية\ الذي غالبية شعبه داخلها ونفر يسير منهم يتاجر بالجثث والأطلال؟.

كانوا دائماً يقولون عن سوريا ولبنان إنهما شعب واحد في بلدين، كم تصح المقولة اليوم، شعبان خارج الحياة، في بلدين منهوبي الخيرات، مسروقين حتى العظم، والناس في غيبوبة فادحة، ولا أمل في أي خلاص.

كانت الحكومات المتعاقبة تتسول من بقية الدول والأشقاء حين تعصف بلبنان كارثة وتحاصره الحروب..

اليوم على اللبنانيين أن يتسوّلوا لأنهم محاصرون من الكوارث والحروب وكذلك من السادة المتسولين، أقصد المسؤولين.

ثورة الفقراء قادمة، فاحذروها أيها المتخمون؟.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات