العودة الآمنة إلى الجحيم

العودة الآمنة إلى الجحيم

تترقب عشرات العائلات السورية المقيمة داخل الأراضي اللبنانية وسط حالة من التخوف والقلق مصيرها بعد ترحيل أولى الدفعات إلى الأراضي السورية، حيث تستأنف الحكومة اللبنانية تنفيذ ما يسمى خطة "العودة الطوعية للنازحين السوريين" بالرغم من تحذيرات كثيرة من انتهاكات دولية وخرق لقوانين اللجوء، فضلاً عن التهديد المباشر الذي قد يتعرض له العائدون إلى مناطق سيطرة النظام والميليشيات الطائفية، وسط حالة من التخوف والترقب الحذر على مصيرهم ومصير عوائلهم. 

في البداية حين يتم استخدام عبارة "عودة طوعية آمنة" نسأل ما الذي يمنع الراغب بالعودة من العودة؟ طالما أنّ طريق العودة متاح! وإذا كان الطريق مفتوحاً له في أي وقت ليعود فما هو المغزى من هذه العبارة المريبة؟

في خطوة جريئة ترقى إلى مستوى الجريمة الإنسانية، تقوم بها الحكومة اللبنانية بعد قرار ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والتي أتت بعد جولة مكوكية لمدير الأمن العام اللواء "عباس إبراهيم"، يعلن الأخير عن عملية ترحيل اللاجئين السوريين تحت عنوان "العودة الطوعية" فبعد قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية واستخراج الغاز من البحر لإسرائيل، استفاقت الحكومة اللبنانية فجأة قبيل انتهاء ولاية عهد ميشيل عون بأيام قليلة على توقيع القرارين، وربما كان القرار الأول مرتبط بالثاني من حيث الحديث حول اتفاق استثمار الغاز من البحر المتوسط من جانب إسرائيل، في مقابل أن يغض المجتمع الدولي عن قضية إعادة اللاجئين السوريين عنوة خارج نطاق القوانين الدولية. أو ربما لذر الرماد في العيون من أجل تغطية أولى خطوات التطبيع مع إسرائيل.

لكن الأقرب للمنطق والتحليل أن نعدّ ذلك تعويماً للرئيس المنتهية ولايته ميشيل عون، الغارق في مستنقع من الفساد والانهيارات الاقتصادية على حساب قضية أخلاقية إنسانية، من أجل كسب أصوات فقط في هذا البازار السياسي. وربما كان تصديراً للأزمة التي تواجه البلاد منذ ثلاثة أعوام والتي تعد واحدة من أشد وأقسى الأزمات الاقتصادية والمالية حتى الآن.

فهل باتت ورقة اللاجئين السوريين بهذا الرخص ليتم وضعها على الطاولة من أجل تحقيق غايات آنية واهية!

بالرغم من أن الحكومة اللبنانية كانت المستفيد الأكبر من وجود السوري الذي يعمل في لبنان، حيث كنا نشهد بين الفينة والأخرى دعم الدول المانحة بضخها مبالغ طائلة لدعم النازحين وفي الوقت نفسه لا يحدث شيء على أرض الواقع، حيث تكثر الشكوك حول وصول المساعدات الأممية للاجئين، لنجد الفقر والعوز وضعف الرعاية الصحية وتدنّي مستوى التعليم وغيره، بينما تعلن الدول مساعداتها للاجئين السوريين وهذا يعمّق من قضية فساد المنظمات الدولية وتواطؤها لتمكين الأزمة السورية وتبرير الفساد، حيث أدرجت الحكومة اللبنانية كافة العمال السوريين والذين يقدرون بأكثر من نصف مليون عامل سوري قبل الأزمة السورية، جميعهم تم إدراجهم ضمن فئة اللاجئين.

لكن ماذا سيحدث لو أصرت الحكومة اللبنانية على إعادة اللاجئين قسراً إلى الأجهزة الأمنية السورية تحت رحمة الحواجز الطائفية والمناطق المنكوبة والعيش الذليل تحت دفع الإتاوات وتحت الضغط والتهديد الدائم، سنتوقع المزيد من قوافل المهاجرين غير القانونيين، فهذا التغاضي عن القرار المجحف بحق اللاجئين السوريين سيجعلنا نشهد قوارب وضحايا عديدة.

لقد أصبح من الممارسات الشائعة بشكل متزايد أن تتم إعادة اللاجئين قسراً إلى بلدانهم الأصلية غير الآمنة، في انتهاك مباشر للقوانين والمبادئ التي اعتمدها المجتمع الدولي على مدى السبعين عاماً الماضية. قبل كل شيء، تؤكد هذه القوانين والمبادئ أنه يجب أن يكون اللاجئون قادرين على اتخاذ قرار حر بشأن العودة إلى الوطن، ويجب عدم الضغط عليهم للعودة، وتنص أيضاً على أن الإعادة إلى الوطن يجب أن تتم بطريقة آمنة وكريمة، مع السماح للاجئين بالعودة بوتيرتهم الخاصة.

لتثبت الحكومة اللبنانية أنها متواطئة مع ميليشيا حزب الله في تسليم اللاجئين وترحيلهم قسراً. لكن الغريب هو الاستسلام المريب من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لماذا لا يتم نقلهم إلى بلد يمكن توطينهم فيه بدلاً من اعتبار لبنان بلد المرور.

لهذه الخطوة أسئلة تطرح نفسها، هل باتت سورية بلداً آمناً؟ وإذا كانت كذلك فلماذا تبقى الميليشيات الطائفية وعلى رأسها حزب الله تحتل مناطق عديدة في سورية؟ لماذا لا تنسحب تلك الميليشيات طالما أن سورية تعتبر بلداً آمناً؟

لقد احتل حزب الله معظم قراهم ومدنهم التي ساهم بشكل مباشر بتدميرها مع النظام وبالتالي ساهم مع النظام في تهجيريهم قسراً من ديارهم، هؤلاء الذين فروا من الاضطهاد السياسي والتهديدات الطائفية، يفتقرون داخل الأراضي اللبنانية إلى أدنى شروط العيش والحياة الكريمة، نزحوا من تحت البراميل المتفجرة ومن المدن والقرى المدمرة، إلى حالة من الاضطهاد، حيث يعيشون في ظروف صعبة معيشياً وكذلك أمنياً، فقد بتنا نشهد بين الفينة والأخرى حريقاً مفتعلاً لأحد المخيمات كما حدث في بلدة تل حياة بعكار، إثر شجار مفتعل حينها، كما يتعرض اللاجئون السوريون لإطلاق نار وخطف وإهانة بحجج طائفية وتحرش ومحاولات اعتداءات متكررة، وتضييق سبل العيش أمامهم حيث يُحرمون من حرية التنقل والحصول على الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل  يضطرون إلى العيش على هامش المجتمع أو في معسكرات مقيّدة.

وقد شهدنا حوادث يتعرضون خلالها للعنف الجنسي، وأمراض معدية متكررة، وعمالة أطفال يضاف إلى ذلك ممارسات تشبيحية تمارس ضدهم من قبل الأجهزة الأمنية، فهم الحلقة الأضعف في النسيج اللبناني، كالاعتقالات التعسفية، والاحتجاز لأتفه الأسباب، منذ فترة قصيرة كانت قضية مقتل اللاجئ السوري "بشار عبد السعود" بسبب تعرضه للتعذيب في مركز احتجاز لدى جهاز أمن الدولة اللبناني، مع التضييق الممنهج في سبل العيش الكريم، لتشمل كافة نواحي الحياة، والحرائق عن عمد لمخيمات، بل وصل الأمر لرفض دفن موتاهم داخل الأراضي اللبنانية! 

والآن بعد كل هذه الممارسات يأتي الترحيل القسري، لتتمّ إعادتهم إلى مذبح النظام الطائفي، بعد حملة منسقة من العنف الشديد والقتل من قبل نظام مجرم وميليشيات طائفية كان للبنان حظه الأوفر منها عن طريق مليشيا حزب الله.

لا يخفى على أحد أن سورية ليست بلداً آمناً، حيث لا يزال المجرم طليقاً، ولا تزال الأجهزة الأمنية القمعية والميليشيات الطائفية حاضرة وبقوة تقوم بعملها على أتم وجه، في وقت تتفشى فيه الكوليرا وتنهار فيه العملة المحلية أكثر، ومنذ وقت قريب وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تعرّض الكثير من اللاجئين السوريين الذي أعيدوا إلى سوريا بين 2017 و2021 من لبنان والأردن إلى انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاداً على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، وهو ما يؤكد أنّ سورية غير آمنة للعودة. في تقرير لها بعنوان " حياتنا كأنها موت". 

 تأتي هذه الخطوة لتكمل دائرة الجحيم من حول السوريين، فالموضوع سياسي وديموغرافي، والسبب الجوهري هو أن غالبية النازحين هم من السنة وهنا مربط الفرس؛ إذ لا تقبل التيارات الراديكالية بقاء هؤلاء خوفاً من التوطين مستقبلاً.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات