في رحيل عبد العزيز المقالح: أكاديمي وشاعر يمني من طراز نادر عشق صنعاء ورثى نفسه

في رحيل عبد العزيز المقالح: أكاديمي وشاعر يمني من طراز نادر عشق صنعاء ورثى نفسه

لو سألَنا أحدُهم سؤالاً عنِ اليمن، وما تُشتهر به، لأمكننا الإجابة دون عناء تفكير، بأنها تُشتهر بالبنّ اليمني، وبالقات وتخزينه، وبكثرة الشعراء فيها أيضاً، وعلى رأسهم الشاعر والناقد الدكتور عبد العزيز المقالح.

برحيل الشاعر والناقد الكبير عبد العزيز المقالح تخسر اليمن، ويخسر الوطن العربي شاعراً فذّاً، وأكاديمياً كبيراً، فهو رائد القصيدة اليمنية المعاصرة، ويعتبره شعراء اليمن -وما أكثرهم- أباً ورمزاً شعرياً لهم، ولذلك ليس غريباً أن تتحوّل صفحات التواصل الاجتماعي لشعراء اليمن إلى مجالس عزاء، لأن الراحل المقالح هو الأب الشعري، والرمز الذي يتفاخرون به. 

ولم يقتصر نعيه على الشعراء فقط، بل نعته وزارة الإعلام اليمنية، وجاء في بيانها: " يُعتبر المقالح من أبرز الأكاديميين اليمنيين من جيل الرواد، خاصة برئاسته لجامعة صنعاء، بين 1982 و2001، ورئاسته لمركز البحوث والدراسات اليمنية التابع لها، وأيضاً رئاسته للمجمع اللغوي اليمني، وعضويته في المجمعين اللغويين: بالقاهرة ودمشق، ومؤخراً عمل مستشاراً ثقافياً في رئاسة الجمهورية، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى وفاته يرحمه الله".

وُلد عبد العزيز المقالح عام 1937 في قرية المقالح بمحافظة إب، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس في مصر. 

تقلّد العديد من المناصب منها رئيس جامعة صنعاء، ورئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، ورئيس المجمع العلمي اللغوي اليمني، ومستشار الرئيس اليمني للشؤون الثقافية.

وكان الراحل قد حاز جوائز عربية وعالمية منها: وسام فارس في الآداب والفنون من فرنسا عام 2003، وجائزة الشعر من مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في الإمارات، وجائزة أحمد شوقي للإبداع الشعري من اتحاد كتاب مصر عام 2019. 

فعبد العزيز المقالح ليس شاعراً وحسب، بل هو شخصية أكاديمية مرموقة، وهذا ما ظهر جلياً من خلال رئاسته لجامعة صنعاء بين 1982 و2001، إضافة إلى رئاسته للمجمع اللغوي.

ولم يقتصر نشاط المقالح على جامعة صنعاء التي أصبحت في عهده مركز إشعاع حضاري وتنويري، بل تجاوز ذلك حتى في أثناء قيلولته واستراحته، حيث كان يُعقد كل أحد وثلاثاء مجلسٌ سمّي بـ"مجلس أو مقيل المقالح"، وشهد هذا المقيل زيارات لشخصيات سياسية وأدبية مرموقة، فقد زاره الرئيسان بوتفليقة وياسر عرفات، وجلس في حناياه محمود درويش، وسليمان العيسى، وإبراهيم الجرادي، وعلي جعفر العلاق، وعبد الملك مرتاض، وخالد الرويشان.

مجلس المقالح ظل لفترة زمنية عامراً بالثقافة والأدب ورموزها يمنياً وعربياً، إذ يحرص الجميع على حضوره، إذا كانوا موجودين في صنعاء زائرين أو وافدين، فمن زار صنعاء، ولم يُيمّمْ شطر مقيل المقالح، فقد نقصه الشيء الكثير.

يبدأ المجلس (المقيل) في الساعة الثالثة عصراً، باستقبال الضيوف ويحرص المقالح على أن يقوم بنفسه بذلك، ويقوم بتوزيع أغصان القات عليهم، ويتناول هو غصناً أو اثنين، ويمضغهما، كما قيل.

كُتبت عن المقالح، وعن شعره دراسات، وكتب، ومقالات كثيرة.

يقول الكاتب الدكتور همدان دماج عن المقالح:" المقالح قد سجل اسمَه كأحدِ رموز وأعلام الأدب، والثقافة العربيّة المعاصرة، وكان له الفضل الأكبر، ولا يزال، في فتح أبواب اليمن الثقافية الزاخرة للعالم، وفتح أبواب الثقافة والأدب العربي والعالميّ على اليمن، حَدَّ اقتران اسمِهِ باليمن، واقتران اليمن باسمِه، وهو اقترانٌ له شأنهُ وقيمتُه، وما كان لأحدٍ أن يَبلُغَه لولا الإيمان الـمُتجذّر في ذات المقالح، بهذا التوحّد الذي آمَن به وأخلصَ له وأفصحَ عنه يوماً حين قال:

في لساني يَمَنْ

في ضميري يَمَنْ،

تحتَ جِلْدي تعيشُ اليمنْ

خلفَ جَفْني تنامُ

وتصحو اليَمَنْ،

صرتُ لا أعرفُ الفرقَ ما بينَنا..

أيُّنا يا بلادي يكونُ اليمنْ؟!

ختاماً لا بد أن نذكر أن شاعر اليمن الكبير الراحل عبد العزيز المقالح كتب قصيدة بعنوان "أعلنت اليأس" وفيها ينعى نفسه منذ أربع سنوات، في ظل الحرب، وما تركته من خراب ودمار، ويقول فيها:

"أنا هالكٌ حتماً

فما الداعي إلى تأجيل موتي

جسدي يشيخُ

ومثله لغتي وصوتي

ذهبَ الذين أحبهم

وفقدتُ أسئلتي ووقتي

أنا سائرٌ وسط القبورِ

أفرُّ من صمتي

لصمتي

أبكي

فتضحكُ من بكائي

دورُ العبادةِ والملاهي

وأمّدُ كفي للسماء

تقولُ: رفقاً يا إلهي

الخلقُ – كل الخلق –

من بشرٍ ، ومن طيـرٍ

ومن شجرٍ

تكاثر حزنهم

واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –

من آهٍ ..لآه

أنا ليس لي وطنٌ

أفاخر باسمهِ

وأقول حين أراه:

فليحيا الوطن

وطني هو الكلماتُ

والذكرى

وبعضٌ من مرارات الشجنْ

باعوه للمستثمرين وللصوص

وللحروبِ

ومشت على أشلائهِ

زمرُ المناصب والمذاهب

والفتن

صنعاء

يا بيتاً قديماً

ساكناً في الروح

يا تاريخنا المجروح

والمرسوم في وجه النوافذ

والحجارة

أخشى عليك من القريب

ودونما سببٍ

أخاف عليك منكِ

ومن صراعات الإمارة"

 

التعليقات (1)

    عامر حسن قاسم الزغرو

    ·منذ سنة 4 أشهر
    انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمه رحمة الأبرار ويصبر اهله ومحبيه وذويه كل من عليها فان لايبقى الى وجه الله
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات