أين العرب من الحداثة؟

أين العرب من الحداثة؟

قد يقول قائل إن التنوير ذهب زمكانه، وإن العالم اليوم يمضي نحو الحداثه وما بعد الحداثه، وإن الوطن العربي قد فاتته ثلاث مراحل، وإن على نخبه السياسية والفكرية البحث عن بدائل إستراتيجيه وآليات للّحاق بالأمم المتحضرة. 

وربما أصبحت الهوة سحيقة وأن غياباً مؤكداً للتنوير وما بعده سيكون حاصلاً لا مناص، وسيبقى مجتمعنا يشكل  ظاهرة نكوصية يخالف فيها قوانين العلم والتطور، بل يذهب في هذه الحال إلى أقصى الممكنات في الانحطاط والانحدار و يستدعي أزمنة متخيلة أنتجتها كتب السرديات وأخبار القلقلة والعنعنة، وثمة من يرى أن التنوير مازال حاضراً ومفتوحاً كحافلة قديمة لكنها تسير وتستطيع اللحاق بحافلات الحداثة وما بعدها وبعدها، والبعض يعيد الهاجس  بالتنوير إلى بدايات القرن التاسع عشر. 

وبتنا جميعاً نعرف الإرهاصات المجهضة التي كانت إلى حد بعيد لو قيض لها الاستمرار أن تشكل رافعة للحركة التنويرية، ولكن عندما تكون الجغرافية والثروة هبة أمة ما، يحولها المستعمر مع المستبد محنة. 

وبات تاريخ هذه المرحلة، قاراً في الذاكرة الجمعية العربية وعلى الأخص في المشرق العربي، ولاشك أن الوقت اليوم  هو أشد قتامة وظلامية من الوقت الذي طرحت فيه مسألة التنوير أول مرة. 

وأعتقد أنه بات ممجوجاً ومبتذلاً الحديث في توصيف وذكر التراكمات والصعوبات التي حالت دون اللحاق بالحركة التنويرية وإن المتتبع للحركة الفكرية التنويرية حتماً سيجد مفردات. 

الحداثة والحرية والدولة المدنيّة والحق والديمقراطية والدولة المدنية أو العلمانية.

هنا تبدو المهمة الصعبة واقعاً شديد التعقيد ويحتاج إلى فكرٍ وتنفيذ له عزوم متجاوزة المشروع النهضوي؛ مسؤولية   فوق أي مسؤولية، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن النهضة مرحلة كلية وهي حرية الأمة. 

ولكن أين أصبحت المشاريع التنويرية؟!

لا شك كانت هناك مشاريع متجاوزة لكن ليس كل متجاوز يمكن أن يكتب لها القيامة، وإذا أحضرنا الذاكرة القديمة والحاضرة مع العقل النقدي. 

سنعرف أن مشاريع نهضوية سقطت بمفاعيل الأقنعة الأيدلوجية والأمثلة حاضرة والمثقف الحقيقي يعرفها؛ التنوير ما زال وسيبقى مفهوماً تاريخياً حياً.

لكن علينا أن نعطيه سماته الخاصة عبر ما يجب أن نكون من خلال تعيين دلالة التنوير، أي أن نتعين بدلالة خاصة  نثريه فهو مفهوم قابل لممكنات غير مستنفذة بعد، وثمة أمر يقول إن التنوير يعني واقعاً أرقى 

لكن كيف هو الواقع الأرقى وماهي وظيفة التنوير بهذا الواقع؟! 

فلسفياً وفكرياً يعني واقعاً متجاوزاً للواقع المعاش بالمعنيين القيمي والوجودي وبقليل من الملاحظة ودون جهد نعرف أننا كمجتمع نفتقد إلى الإنسان الذات ويعني هذا أننا ما زلنا ننتظم داخل قطيع عقائدي.

ديني، عرفي، عادات مجتمعية، الذوات فيها فاقدة لفعل الارتقاء والطموح، إذ لا وجود لذوات حرة تعلن عن نفسها  لتحقيق الواقع الأرقى؛ الذات الحرة في بلادنا لم تولد بعد ولم تحضر أصلاً.

وثمة من يقول في مجتمعات ما بعد الحداثة أيضاً، تغيب الذات الحرة وهذا صحيح، لكنها عندنا لم تحضر أصلا. 

الأمر مجاهدة ومكافحة وتغيير خرائط ذهنية حفرت بعيداً في اللاشعور الجمعي وولادة الذوات الحرة هو مقدمة ورافعة التنوير، وعندما يعلن مجتمع ما، ولادة الذوات الحرة، يعني ذلك فتح باب التنوير على مصراعيه، وهنا تقوم الذوات الحرة بإعلان ذاتها في حقل الوجود. 

وهذا قطعاً يتطلب مجتمعات حاضنة ومثيرة ومجتمع مثل هذا هو مجتمع لا مركزيات المركزية قطيعية وقاتلة للذات الواعية، والوطن العربي كله مركزيات تبتلع الفرد وتسحق تفرده، وذلك بسبب اعتبارها للذات الحرة تهديداً لسلطتها، لذلك تتحول السلطة المركزية إلى صاعق لأي ذات حرة الذات الحرة قانون طبيعي يهدد وجودها غير الطبيعي، فالسلطة المستبدة في البلاد العربية تدعم وعي القبيلة والعشيرة والطائفة والدين. 

ما يعني افتقاد حالة المواطنة، بالمعنى السياسي بينما التنوير أهم قواعده طروحات المواطنة المدنية العلمانية، حيث تتحقق مركزية الإنسان التي ستنتج مفاهيم التنوير، إذاً المشكل هو مركزيات متعددة مناهضة لمركزية الإنسان. 

التنوير هنا ما يجب أن يكون باتجاه مركزية الإنسان بعدها ننتقل إلى الوعي الكلي الذي يوجه سهامه النقدية إلى كل المركزيات ويرفض أن يرتهن أو يكون محايداً. 

ومعيار ذلك ذوات حرة  تقرر مصيرها عبر مجتمعها الراقي. 

إذا فالتنوير هو فلسفة الفعل السياسي وعي السياسة بحد ذاته فعلاً تنويرياً وهو الذي يضع السياسة في مسارها التغييري  هو نقيض المتشابه من المركزيات.

معركة التنوير، طويلة الأمد ويا لها من مكابدة مع  الوعي المتأخر والمزيف ......وخاصة مع زمن طويل في الركود التاريخي 

الإيديولوجية تعمق التزييف عندما تدّعي الوطنية متفقة مع المصلح الديني يكون فيه الفقيه الديني قناص الفكر الحر، لأن الذات الحرة تحمل الوعي وتملك مهارات لتعيينات الحرية والتحرر والمواطنة والحق والمعرفة. 

وأمر ملفت جداً أن الدول التي بدا فيها التنوير هي التي دعمت المركزيات واستمدت سلطتها في ذلك من قوى غريبة واستمرت كل هذا الوقت بوجودها اللاعقلاني واللاضروري. 

لذلك تبقى بلادنا تخوض صراعاً غير منتج لأنه بين سلطات يتنازعها الديني والعقائدي،  صراع يستنفذ القوى المجتمعية عبر حروب الطوائف والدين. 

وهنا نشير إلى أن التنوير ليس حضوراً كهنوتياً واعظاً ولا رسولياً ولا إفتاءً، إنه إرادة واعية تنشأ في قلب الركود وتزلزله  عملية انزياح كبرى لمركزيات متسلطة ومجتمع راكد. 

وفي النهاية، قولنا مؤلم أن نرى بدايات لذوات حرة عادت نكوصاً إلى وعيها القبلي والديني والعقائدي كانت لو استمرت  نواة لمجتمع نهضوي يعزز قيم الحرية والحق وشرف المهنة والمؤسسة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات