بالتأكيد الضغوط التي تتعرض لها "قوات سوريا الديمقراطية" بمجلسيها السياسي "مسد" والعسكري "قسد" ليست طبيعية ولم تتشكل من قبل، فالتهديدات التركية بعد العملية الإرهابية التي طالت صميم كبرى مدنها، والتي أدت لإطلاق عملية جوية تركية شملت أكثر من 89 موقعاً عسكرياً لقسد وفق بيان لوزارة الدفاع التركية وأطلقت عليها أنقرة اسم "المخلب-السيف"، وهو اسم ذو معنى ومقصد نال منه حزب العمال الكوردستاني ما نال عبر سنوات، وعبر سلسلة من عمليات عسكرية تركية ارتبطت باسم المخلب وبأرقام مختلفة، ثم تلتها أنقرة بالتهديد بعملية اجتياح بري يملك جيشها كل مقوماته العسكرية، وتغيب عنه فقط المظلة السياسية أي التوافق الدولي والإقليمي، لكنها بنفس الوقت قد لا تشكّل معضلة لأنقرة على مبدأ ألّا خطوط حمراء أمام قرارات تخص الأمن القومي التركي.
لكن الضغوط اليوم ليست عسكرية فقط وليست من تركيا فقط، بل دخل على خط الضغوط الحليف الأمريكي عبر نصائح أقرب ما تكون للأوامر، تجلّت بزيارات لوفود منها أمريكية مستقلة ومنها للتحالف الدولي، تلك الزيارات عكست غضباً على أداء "قسد ومسد" عقب الإعلان المتكرر وأمام أي تهديد تركي لهما بخروج "قسد" ببيان يتضمن تعليق العمل العسكري مع التحالف الدولي، ووقف الحرب المشتركة مع التحالف على الإرهاب، والتهديد بفتح بوابات سجون تنظيم "داعش" التي تحرسها.
الولايات المتحدة الأمريكية وبلقاءات متعددة جرت في الفترة الأخيرة مع قيادات "قسد" عبّرت عن امتعاضها من الأداء العسكري والسياسي لحليفها في شرق الفرات وتجاوزه التعليمات الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بالتقارب مع نظام دمشق، وما يشكله من خطر على الوجود الأمريكي شرق الفرات، كون أي تحالف ودخول لميليشيات النظام لمواقع قسد يعني دخول عناصر إيرانية ولحزب الله، وهذا لم تدركه قسد بعد، وما يمكن أن يؤدي هذا التداخل من أخطار على الوجود الأمريكي شرق الفرات، مع تقارير أمريكية تؤكد أن الهجوم الأخير على مصافي النفط في القحطانية (القامشلي) تم بطائرات كاميكازي ذات شكل المثلث صناعة إيرانية، ما يدعم نظرية قيام الإيرانيين باستغلال القصف التركي لمواقع "قسد" في شرق الفرات لشن هجمات على مصافي النفط على الحدود العراقية السورية، أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية وعبر أجهزتها الاستخباراتية رصدت خرقاً أمنياً كبيراً في قيادات قسد، وبأن معلومات حساسة ومهمة يتم تداولها بالاجتماعات المشتركة بين التحالف وبين قسد، تنقل مباشرة للروس عبر قيادات مخترقة تنسق مع الجانب الروسي من داخل "قسد".
وتقول بعض المعلومات عن الجانب الأمريكي إنهم لاحظوا أن هناك أجنحة داخل قيادة قسد، منها المعتدل ومنها الذي يفضّل التحالف مع الروس ومنها من يفضّل الأمريكان، وأن الروس حصلوا ويحصلون على معلومات عسكرية واستخباراتية وإحداثيات مواقع مشتركة غاية بالأهمية، ويقوم الروس بنقلها لأطراف أخرى تعود بالضرر على قسد وعلى التحالف الدولي، إضافة إلى قيام الروس بتضخيم الخطر التركي على "قسد" من أجل جعل خيار "قسد" باللجوء للنظام هو الخيار الوحيد والمفضل، لذلك طلبت قيادة التحالف وخاصة جنرالات أمريكيين من "قسد" وبصيغة النصيحة الأقرب لصيغة الأمر بإعادة هيكلة قيادتها العسكرية واستبعاد الخروقات الأمنية من صفوفها، وكذلك ولمزيد من الحرص والأمان أكدت الوفود الأمريكية لقسد مطلباً سابقاً يتمحور بعدم ترك الدوريات الروسية تتحرك بمفردها في مناطق شرق الفرات وضرورة مرافقتها حتماً.
على طاولة لقاءات الأمريكان مع "مسد" كانت هناك ضغوط من نوع آخر، مع وصول وفد أمريكي رفيع المستوى بقيادة المبعوث الأمريكي إلى سوريا نيكولاس غرانجر، قام بنقل رسالة تركية غاية بالأهمية إلى مظلوم عبدي تتضمّن شروطاً تركية لوقف عملياتها العسكرية في شرق الفرات، وأن الورقة حظيت بإشراف مباشر من قبل بريت ماكغورك منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البيت الأبيض، الذي توجه للمنطقة أيضاً للقاء قيادات شرق الفرات، وأن الشروط التركية تتضمن تأكيد انسحاب قسد وسحب أسلحتها الثقيلة عن الحدود التركية لمسافة 30كم وتسليم أنقرة عدداً من قيادات حزب العمال الكردستاني تقول إنهم قاموا بعمليات إرهابية ضد تركيا ويوجدون في سوريا، إضافة لشرط نشر أنقرة لعدد من النقاط العسكرية كنقاط مراقبة مستقلة أو مشتركة مع التحالف الدولي لضمان حسن تطبيق شرط الانسحاب مع نصب كاميرات مراقبة، والمعلومات المسربة عن الاجتماعات تحدثت أن الوفود الامريكية المتعاقبة وجّهت نصيحة لقيادات "قسد" باعتماد سياسة مرنة بالتعاطي مع المستجدات والورقة التركية، وأنها تنصح بقبول بعض الشروط التركية والتفاوض على بعضها الآخر.
قرار "قسد" المتسرع بالتنسيق مع ميليشيات أسد والتحالف معها في وجه الجيش التركي هو قرار خاطئ، لأن مفرزات المعارك فيما لو تمت ستُظهر لقوات سوريا الديموقراطية تخلي نظام الأسد عنهم مع أول طلقة تركية، وأنهم سيجدون أنفسهم بمواجهة منفردة مع الجيش الوطني والجيش التركي، وأن نظام الأسد لم ولن يدخل في ساحة اشتباك مع الجيش التركي، وأن جلّ ما يريده النظام هو قضم مزيد من الأراضي كما تم إبلاغ إلهام أحمد بآخر لقاء بدمشق بضرورة مغادرتهم لكامل مناطق غرب الفرات وتسليم مواقعهم لجيش الأسد.
تلك المستجدات تُظهر التغيّر بالموقف الأمريكي ليس لناحية التخلي عن قسد نهائياً، إنما يبدو فيه واضحاً التقارب والتناغم بين الموقفين التركي والأمريكي، صحيح أنه لن يصل لمرحلة منح واشنطن الضوء الأخضر لعملية عسكرية برية تركية في مناطق نفوذها، لكنه أيضاً يفتح الباب ويشجّع لتنازلات من جانب "قسد" لصالح أنقرة، وهو تطور يأتي بعد عملية جوية تركية صحيح أيضاً أنها لم تحصل على الضوء الأخضر من واشنطن، لكنها لم تمانعها أيضاً واكتفت بترديد عبارات دبلوماسية تُصرف على شاشات الإعلام فقط.
في الشأن التركي، أكدت بعض المصادر أن العملية العسكرية التركية ليس غايتها الحصول على مزيد من الأراضي، بل هي عملية خلط أوراق تهدف لوقف الإرهاب الذي يتهدد حدودها، وأن أنقرة قد سئمت من استغلال "قسد" لورقة الحرب على الإرهاب وتريد سحبها منها عبر نقاشات وتوافقات بين أنقرة وواشنطن، وتحدثت المصادر التركية عن مفاجآت مرافقة لعمليتها العسكرية تتمثل بتغيير الموازين العسكرية لبعض الأطراف لخلق أجواء ملائمة تتمخض عن نقاش سياسي يهدف لحل سوري قريب.
التعليقات (0)