منذ إعلان تركيا عن عملية «المخلب - السيف» والتي أطلقتها مطلع هذا الأسبوع ضد ميليشيا قسد، طرأت تطورات كبيرة على المشهد في شمال سوريا، من ناحية طريقة التعامل التركي مع الأهداف، إذ بدأت عملية القصف التركية تأخذ منحى آخر أشد وأقسى، فلم تعد الغارات التركية تقف عند حدود الثلاثين كيلومتراً، بل تعدّتها إلى ما أبعد من ذلك.
أهداف أعمق
وفي تطورٍ غير مسبوق، قصفت طائرة تركية يوم الثالث عشر من شهر تشرين الثاني الجاري موقعاً لميليشيا قسد في قرية المكمان التي تبعد عن الحدود السورية التركية حوالي 74 كيلومتراً في المنطقة الواقعة بين شمال دير الزور وجبل عبد العزيز جنوب الحسكة.
تلى ذلك بيوم، قصفٌ آخر للطيران التركي استهدفَ عدة مواقع في ناحية الهول في الحسكة، والمناطق المستهدفة تبعد حوالي سبعين كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، حيث تركّز القصف على قرية «البحرة الخاتونية» وحقل الطوغجي النفطي ونقطة لميليشيا قسد تبعد حوالي ثلاثة كيلو مترات عن مخيم الهول.
قواعد مشتركة
الغارات التركية وبحسب المعطيات على الأرض، ووفقاً للمراقبين كذلك جاءت ثمرة تنسيق عالٍ بين القوات التركية من جهة والقوات الأمريكية والروسية من جهة أخرى.
وقال الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب العاصي لأورينت :" هذه العملية هي أوسع عملية جوية تقوم بها تركيا في سوريا قياساً على العمليات السابقة التي بدأت في آب/ أغسطس 2021.
وأضاف أن جميع المؤشرات تشير إلى تنسيق عالي المستوى مع الولايات المتحدة لمنع التصادم بين القوات، وهو أتاح استخدام الطائرات التركية الأجواء السورية لقصف مواقع لقسد في دير الزور للمرة الأولى.
جانب آخر من التنسيق تكشّف أيضاً من خلال العملية، إذا استهدفت الغارات التركية للمرة الأولى أيضاً قواعد مشتركة لقسد وقوات التحالف وقسد والقوات الروسية.
وخير مثال على ذلك ما حدث بتاريخ الـ22 من الشهر الجاري حينما قامت طائرة مُسيّرة تركية بقصف مبنى تابع لوحدة مكافحة الإرهاب التابعة لميليشيا قسد داخل قاعدة "لايف ستون" الأمريكية أو ما يعرف بإستراحة الوزير الواقعة في منطقة حمّة شمال الحسكة، قرب السد الغربي.
وبحسب مراسل أورينت زين العابدين العكيدي عمدت القوات الأمريكية على تقليص وجودها بالقاعدة الأكبر للتحالف في سوريا والتي تبعد عن الحدود التركية مسافة ستة وأربعين كيلو متراً قبل أن تستهدف الطائرات التركية بغارة مبنى لقسد داخل القاعدة ما أدى لمقتل عنصرين من الميليشيا وإصابة آخرين.
ورغم تصريحات السكرتير الصحفي "باتريك. س" للبنتاغون التي نقلها موقع فوكس نيوز جراء حول الحادثة وجاء فيها :"إن القوات الأمريكية كانت تنتشر على بعد ثلاثمئة ياردة فقط من مقر قسد"، إلا أن التنسيق يبدو حاضراً بين الطرفين ( التركي والأمريكي) من خلال انسحاب قوات الأخيرة لساعات تركت وراءها عناصر قسد ليلقوا مصيرهم.
فيما نفى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اليوم الجمعة، بأن قوات بلاده "قصفت نقطة مراقبة أمريكية" شمال سوريا، مضيفاً أنه "ليس من الوارد إطلاقاً أن نلحق الضرر بقوات التحالف أو المدنيين".
ولا يختلف الحال كثيراً مع الروس، فبتاريخ الـ24 من شهر الجاري تعرضت القاعدة الروسية في شمال تل تمر لقصف جوي من الطيران التركي أدى إلى مقتل عنصر من ميليشيا قسد وإصابة ثلاثة عناصر آخرين.
واللافت في الحادثة هو انسحاب القوات الروسية وإخلاء الموقع تماماً قبل ساعة من استهدافها، لاحقاً من قبل الطيران التركي، وبعدها عاد الروس لنفس الموقع وتمركزوا فيه، فيما يعكس ما حصل التنسيق العالي بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بشأن العملية العسكرية التركية،
ويرى العاصي أنه لا بد من تبادل للمعلومات لضمان انسحاب القوات الأمريكية من الأهداف التي شملت قاعدة التحالف، مشيراً إلى أن العملية الجوية التركية باتت تحاكي الضربات الجوية التي تنفذها كل من الولايات المتحدة ضد تنظيمي داعش والقاعدة، وإسرائيل ضد النظام أسد.
العصب المالي
ومنذ اليوم الأول للعملية عمدت ميليشيا قسد لتقليص خسائرها البشرية إلى إخلاء كافة مواقعها في الشمال من الحسكة وصولاً عين العرب (كوباني) ومنبج، ولجأت بالمقابل لإستراتيجية جديدة تعتمد على التحصّن بالملاجئ المُجهّزة في فترات سابقة جنب كل مقر وكذلك التحرك والتنقل عبر شبكات الأنفاق التي تملأ مناطق سيطرتها، غير أن تركيا وخلافاً للمرات السابقة وسّعت نطاق الأهداف لتشمل البنية التحتية للمنشآت التي تعتمد عليها قسد في تمويلها، ولا سيما استهداف المنشآت النفطية بشكل مكثف ومازال الاستهداف مستمراً إلى هذه اللحظة.
وخلال الأيام الماضية، استهدف الطيران التركي العديد من حقول النفط، أبرزها حقليّ الشلهومية وعودة في القحطانية، ومحطة غاز السويدية في المالكية والتي خرجت عن الخدمة تماماً، كذلك تم استهداف محطة كهرباء السويدية أيضاً، ومحطة الكهرباء في المالكية، إضافة إلى استهداف منشأة الغاز قرب قريتي علي آغا بريف المالكية الغربي، كما تم استهداف صوامع حبوب القحطانية حيث تتمركز ميليشيا قسد وقد أدى ذلك لخسائر ضخمة تُقدّر بملايين الدولارات في قطاعات كانت تدرّ أموالاً طائلة لقسد.
استهداف أبرز القادة
ولم تقتصر قائمة الأهداف التركية على المنشآت بل طالت كوادر وقادة بارزين لدى الميليشيا أبرزهم "ريزان كلو" الرجل الثاني في قسد ومستشار مظلوم عبدي.
وأصيب كلو الذي شغل منصب الرئيس المشترك لهيئة الدفاع في قوات قسد، الأربعاء الماضي بغارة نفذتها طائرة مسيّرة تركية استهدفت شاحنة صغيرة في القامشلي ومازال يرقد في العناية المركزة، وقد بُترت يده وقدمه نتيجة الاستهداف، ونجا الشخص الذي كان برفقته المدعو "حسن مجدي" والذي يشغل منصب رئيس بلدية هيمو.
ورغم كل تلك المتغيرات، يرى عاصي أن "مشاركة القوات البرية في العملية لا يبدو ممكناً حالياً؛ لأنّه يتطلب مستوى أكبر من التنسيق مع واشنطن وموسكو، ولا يقتصر على استخدام الأجواء وتبادل المعلومات والإخطار إنما ضمان سلامة قواتهما على الأرض وهذا لا يتم إلا بالانسحاب المؤقت/ الدائم من المواقع أو عزلها عن نطاق العمليات، ولا يبدو أنّ روسيا مستعدة لذلك الأن".
وكانت وزارة الدفاع التركية أعلنت فجر الأحد شن قواتها عملية "المخلب - السيف" الجوية ضد مواقع للإرهابيين شمال العراق وسوريا بعد مقتل وإصابات جنود أتراك بقصف لقسد استهدف محيط معبر باب السلامة الحدودي.
التعليقات (0)