عن التوغل البري والحزام الأمني الإسرائيلي في سوريا

عن التوغل البري والحزام الأمني الإسرائيلي في سوريا

كشفت القناة 11 التلفزيونية العبرية الأحد الماضي عن توغل بري إسرائيلي داخل الجزء المحرر من هضبة الجولان بعمق الأراضى السورية . بدا الكشف عن التوغل لافتاً ومهماً بالطبع ولا تقل عن ذلك أهمية تفاصيل التوغل وعمقه كما علاقته بالمناورات التي أجراها الجيش الإسرائيلي بالجزء المحتل من الهضبة السورية خلال الأسبوع الماضي.

إذاً كشفت القناة الـ 11 العبرية عن توغل الجيش الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية خلال الأسبوع الماضي، وأن قافلة ضمت عشرات الدبابات والعربات المدرعة والآليات العسكرية ومئات الجنود توغّلت بعمق 2 كم  ولمدة 72ساعة -ثلاثة أيام- داخل الجزء المحرر من هضبة الجولان فيما يشبه الاطمئنان والتطهير من الألغام أو الكمائن أو أي وسائل مراقبة أخرى. 

بدا التوغل اللافت حافلاً بالدلالات حيث لم يكن ضيقاً أو محدوداً كما العادة بدورية أو عدة دوريات من الجنود ولمدة زمنية ضيقة نسبياً دقائق أو حتى ساعات حيث تحدثت القناة عن 72 ساعة-ثلاثة أيام- متواصلة مع إشارة لافتة إلى أن التوغلات تحدث بشكل متواصل غير أن هذا الأخير حصل بعمق 2 كم وليس كما يحدث دائماً مع الكشف لأول مرة عن إقامة إسرائيل شريطاً أو حزاماً أمنياً داخل الأراضي السورية المحررة بالعمق المذكور وعلى طول الحدود بين الجانبين المحتل والمحرر والبالغ كيلومترات عدة.

بدا مفاجئاً أو مستهجَناً للدقة ألا يصدر شيء عن النظام وأبواقه الإعلامية لاتجاه التوغل الأخير ولا التوغلات السابقة ولا الوضع على الحدود بشكل عام بما في ذلك الشريط أو الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل داخل الأراضي السورية المحررة.  وبالمقابل هناك صمت تام من الحشد الشعبي السياسي والإعلامي الإيراني الناطق بالعربية رغم أن التوغلات بما فيها الأخير والحزام الأمني نفسه تتم تحت أعينهم  ومراقبتهم كما يتبجحون دائماً. 

بتفصيل أكثر فقد أقامت إسرائيل شريطاً أو حزاماً أمنياً مساحته الإجمالية عشرات الكيلومترات داخل سوريا وتقوم بالتوغل فيه بشكل متواصل لأغراض المراقبة والرصد والاستطلاع سواء بشكل محدود لساعات أو موسّع لأيام دون أن تعلن هي عن ذلك    والأمر يبدو مفهوماً كونها صاحبة مصلحة وما تفعله أصلاً غير شرعي وغير قانوني ويتناقض مع القوانين والمواثيق الدولية كما اتفاقية فك الاشتباك الموقّعة بين الجانبين في جنيف- -1974 بعد  شهور من حرب تشرين الأول أكتوبر 1973. بينما المفاجئ وللدقة المستهجَن، ألا يتم الإعلان عن ذلك من قبل النظام –وحلفائه- ولو فى سياق الشجب والاستنكار التقليدي.

 تمثّلَ هدف التوغل الأخير حسب القناة العبرية بالاستطلاع والمراقبة والتأكد من عدم زرع ألغام أو أجهزة تنصّت كما تأمين إقامة طريق بري ولكن ضمن الجزء المحتل من هضبة الجولان والاطمئنان إلى اكتمال الاستعدادات لمناورات عسكرية تقليدية داخل الجزء المحتل أيضاً والتي استمرت لأيام الأسبوع الماضي.

 في قراءة الدلالات أو الخلاصات المطلوبة من الإعلان الإسرائيلي عن التوغل والحزام الأمني والمشهد برمته، لا شك أننا أمام تكريس الاحتلال الإسرائيلي للهضبة  كلها بما في ذلك فرض الهيمنة على الجزء المحرر منها  عبر احتلال  2 كم برياً لإقامة شريط وحزام أمني والسيطرة الجوية والنارية على المنطقة كلها. 

 إلى ذلك نحن أمام تكريس لفكرة أن الهضبة باتت إسرائيلية ولم تعد مطروحة على جدول الأعمال السياسي والتفاوضي لا الآن ولا في المستقبل وأن الدولة العبرية  ليست بوارد الانسحاب منها باعتبار ذلك نقطة إجماع في الساحة السياسية والحزبية الداخلية حتى إن يئير ليبد رئيس الوزراء السابق –يمين الوسط- ترأس ندوة دولية في الكنيست منذ أربع سنوات تقريباً دفاعاً عن الفكرة ولحشد التأييد العالمي لها. 

 من جهة أخرى نحن أمام قبول صريح لنظام بشار الأسد بالوقائع السياسية والعسكرية  التي تفرضها إسرائيل دون التصدّي لها ولا حتى  فضحها والإعلان عنها ولو في سياق الشجب والاستنكار. والتهديد اللفظي والشكلي عن الرد في الزمان والمكان المناسبين، واعتبار ذلك صبراً وحكمة وفق الأكذوبة الأخيرة التي ابتدعها قال وزير خارجية النظام فيصل المقداد لتبرير العجز وببساطة بدا السكوت هنا علامة الرضا ما  يكشف وللدقة يفضح كل أكاذيب النظام عن المقاومة والممانعة وحقيقة فقدانه للسيادة حتى في مناطق سيطرته لدرجة عدم إطلاق ولو طلقة واحدة على التوغل الأخير الذى استمر ثلاثة أيام كما لم يعترض ولم يعمل على منع إقامة الحزام الأمني كون همه الأساسي هو البقاء فى السلطة ولو صورياً وأسيراً للغزاة الأجانب بمن فيهم إسرائيل نفسها.

  في السياق نفسه يفضح المشهد قبول إيران وميليشياتها بتلك المعادلة أي بقاء النظام  فقط وأنها في الحقيقة محجّمة وعاجزة عن تهديد إسرائيل أو تشكيل خطر عليها هذا على افتراض أنها تريد ذلك ومن الناحية الأخرى قبول الدولة العبرية بوجود إيران نفسها في سوريا مع رفض التموضع الإستراتيجي بمعنى إقامة قواعد دائمة ونشر أسلحة وإستراتيجية فيها والسقف هو التواجد بمعسكرات النظام المتاحة والمستباحة أمام الرادارات والغارات والضربات الإسرائيلية.

 الصمت لا يقتصر على النظام وإيران وميليشياتها وإنما يشمل روسيا أيضاً باعتبارها القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في مناطق سيطرة النظام وهذا الصمت والقبول الروسي يستند على التفاهمات الأساسية السياسية الأمنية مع إسرائيل التي  توصّل إليها رئيس الوزراء المكلف -العائد إلى السلطة-  بنيامين نتنياهو مع صديقه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وتنص على قبول إسرائيل ببقاء الأسد مقابل حرية الحركة والعمل ضد إيران وميليشياتها وحتى النظام نفسه إذا دعت الحاجة وفق الفهم الموسّع والعنصري لمصالحها الأمنية ولكن دون أن يصل الأمر أبداً إلى حد إسقاطه.

 وعليه يمكن فهم عدم صدور أي رد فعل عن روسيا ولا حتى بيان إدانة خجول كما تفعل تجاه الغارات الإسرائيلية إضافة إلى غياب أي حديث أو إشارة إلى انتهاك سيادة النظام وإقامة حزام أمني بالمناطق المحررة، ما يعني قبول روسي صامت بما يجري علماً أن الأمم المتحدة التي تعمل عبر قوات اندوف بالمنطقة لم تصدر أي رد فعل رسمي تجاه الحدث مع الانتباه إلى أن روسيا اعتبرت عودتها إلى هناك بعد انسحابها إثر اندلاع الثورة بمثابة انتصار وتعويم وشرعنة للنظام ولو بسيطرة صورية.

واضح أيضاً أن ثمة قبولاً أمريكياً بالوقائع الجديدة التي تفرضها إسرائيل على الأرض خاصة أن إدارة جو بايدن لم تُلغِ اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بضم إسرائيل للجولان، وواضح أيضاً أن تل أبيب تتصرف وفق التفاهمات والمصالح المتقاطعة مع واشنطن والتي تتضمن بقاء نظام الأسد ضعيفاً مسلوب السيادة مع عدم ممانعة استنزاف إيران وميليشياتها بما في ذلك هيمنتها السلبية المؤذية الضارة والمدمرة في سوريا ولبنان والعراق طالما أنها تندرج ضمن قواعد وخطوط اللعب المحددة أمريكياً وإسرائيلياً.

 بالعموم بدا الإعلان الأخير كاشفاً وللدقة فاضحاً للمشهد في هضبة الجولان وسوريا بشكل عام حيث الهيمنة الإسرائيلية البرية والجوية وعجز النظام وفقدانه السيادة وصمته هو وحلفاؤه تجاه تلك الهيمنة رغم ضجيج أبواقهم الإعلامية عن المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين كما التفاهمات الإسرائيلية مع روسيا وأمريكا المتضمنة بقاء النظام والواقع الراهن برمّته الذي يخدم الأسد وداعميه من الغزاة الأجانب، إضافة إلى أمريكا وإسرائيل أيضاً على حساب المصالح والحقوق والتطلعات المشروعة للشعب السوري الثائر.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات