النازحون يسمّونها "مكرويف".. "الببوريّة" وسيلة الطهي الأولى في مخيمات إدلب (صور)

النازحون يسمّونها "مكرويف".. "الببوريّة" وسيلة الطهي الأولى في مخيمات إدلب (صور)

"صرنا نعمل أكبر طبخة على السريع وبكمشة أعواد".. بتلك الكلمات عبّرت أم علي النازحة من ريف معرة النعمان والمقيمة في مخيم "العهد" غرب مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، عن رضاها عن "الببورية"، التي وضعت بداخلها بعض أعواد الزيتون اليابس وفوقها إبريق الشاي.

ثورة في عالم الطبخ

وقالت أم علي لـ"أورينت نت" إن "الدنيا دولاب، تغيّر أنواع الطبّاخات كما تغير وجوه الناس، بداياتنا كانت مع (التفية) أو موقد الحطب، مع ما فيها من معاناة من النفخ والدخان وصعوبة إشعالها في فصل الشتاء، بالإضافة إلى الرطوبة التي تصل إلى الحطب".

وأضافت: "سنوات طويلة ومريرة عشناها مع (التفية) قبل أن يظهر بابور الكاز الذي منح ربّات البيوت نوعاً من الراحة والرفاهية نسبة لموقد الحطب، فقد وفّر الوقت والجهد والنجاة من أعمدة الدخان رغم ما يشوب العمل عليه من صوته المرتفع وبعض الدخان المنبعث أثناء تشغيله، إلا أن بابور الكاز يعتبر ثورة تكنولوجية في عالم الطبخ في تلك الفترة".

وتابعت أم علي: "من ثم جاءتنا طبّاخات الغاز التي وفرت مزيداً من الراحة للنساء، وحافظت على نظافة الأواني بعيداً عن (الشحار) الأسود ودون أصوات مزعجة، ولكننا بعد سنوات النزوح الطويلة عدنا إلى البداية وإلى مواقد الحطب، ولكن مع إدخال تعديل هام وهو إدخال مروحة تضاعف من قوة النار ليصبح الاشتعال كاملاً دون هدر في الحطب".

"ميكرويف المخيمات"

في ظل انقطاع الغاز عن الشمال السوري وتضاعف ثمنه في السوق الحرة، وسط الارتفاع الكبير في أسعار مختلف أنواع المحروقات، عاد النازحون للتفتيش في دفاترهم القديمة كما يقال، ولم يجدوا أقرب إليهم من الحطب، وذلك من خلال الاختراع الجديد الذي يطلق عليه النازحون اسم "ميكرويف المخيمات" وهو (الببوريّة)، التي تتكون من موقد حطب عادي مع إضافة مروحة صغيرة تعمل على البطارية وتزيد من اشتعال النار وقوتها، لتتصدّر (الببوريّة) وسائل الطهي الآن في عالم المخيمات. 

في مخيمات "كفرجالس" غرب إدلب، التي تعرضت منذ فترة قريبة لقصف من الطيران الحربي الروسي، يجلس الستيني أبو رياض (شرطي متقاعد) على حصير في مساحة خصصها خلف خيمته كـ(مصيف)، ليطلب من زوجته تحضير إبريق من الزهورات، التي قامت والابتسامة مرسومة على ملامح وجهها بإنزال وعاء مملوء بمياه ساخنة من على (الببوريّة) لتضع مكانه الإبريق بعد أن ملأته بمياه من الوعاء.

وعن تعاملها مع (الببوريّة)، قالت أم رياض لـ "أورينت نت": "الغاز مقطوع وإن توفر لا يمكننا شراءه بعد توقف دعم المخيم منذ ثلاثة شهور، ونحن نسكن في خيمة وعائلة ابننا الشهيد في خيمة مجاورة، هم أولاد صغار وبحاجة إلى الحمام والغسيل والطبخ، وخاصة يوم الجمعة".

وفي أثناء حديثها تهرع أم رياض لتنزل إبريق الزهورات بقطعة كرتون مطويّة، بعد أن وصلت المياه في الإبريق إلى درجة الغليان.

وبعد أن وضعت الزهورات في الإبريق، أكملت أم رياض حديثها قائلةً: "لذلك اعتمادنا على هذه الببوريّة التي وفرت علينا الكثير من الحطب، حيث يمكننا استخدام الكرتون والأعواد الرفيعة والورق وقطع القماش، ومروحتها تجعل النار قوية، ونستفيد من كل الحطب".

إقبال على (الببوريّة)

في شمال إدلب، وعلى طريق دير حسان-قاح المكتظ بالسيارات والدراجات النارية، افتتح حامد (42 عاماً) ورشة حدادة، اختص بتصنيع (الببوريّات) التي يعرضها أمام المحل، إضافة إلى صوبات الحطب التي قال إنه يبدل لها الفرن.

وعلّل حامد إقبال الناس على اقتناء (الببورية)، موضحاً لـ "أورينت نت": "نحن أدخلنا تكنولوجيا المعلومات في الببورية، مروحة الكمبيوتر لها دور كبير كما أن ثمن الببورية الرخيص التي لا يتجاوز 200 ليرة تركية، ونارها القوية وتوفيرها للحطب وانقطاع الغاز مع غلاء المازوت، كل ذلك جعل الناس يقتنونها".

"الببوريّة بسيطة التركيب وتتكون من هيكل معدني يمكن أن يكون جرة غاز البرادات أو مدفأة قديمة، ويضاف إليها مروحة تبريد الكمبيوتر أو مروحة (السشوار) والتي لا تحتاج إلا إلى تيار كهربائي ضعيف حيث توصل إلى بطارية، ويزيد الهواء المتولد من هذه المروحة والموجه نحو النار يزيد من اشتعالها بحيث يستفاد وبشكل كامل من كل الحطب"، بحسب ما شرح حامد.

وعن الأعطال وطرق الصيانة قال حامد، إن "أعطال الببوريّة نادرة وقد يهترئ الفرن أو تتوقف المروحة، وتلك القطع متوفرة ورخيصة، كما أن هذه الببوريّة يمكن أن تعمل لسنوات عديدة دون أن تقول (آخ يا راسي)!". 

"بابور الكاز من جهاز عرسي"  

إلى جانب ورشة حامد، جلس أبو داوود على كرسي حديدي مربع، وأمامه بعض بوابير الكاز التي ظهرت كما قال لـ "أورينت نت" بشكل موازٍ لـ (الببوريّة) في بعض الخيم".

وذكر أبو داوود أن بابور الكاز عاد بعد غياب طويل، وأصبح من الممكن رؤيته في بعض المحلات والخيم، ولكن الشكوى من غياب الكاز واضطرار الناس لاستخدام المازوت المضاف له القليل من البنزين، سبب العديد من حرائق في الخيم.

وروى حادثة لا ينساها، قائلاً: "جاءتني امرأة عجوز ذات صباح وهي تحمل البابور وكأنها تحمل طفلها، وعندما سألتها عن سر اهتمامها به، شعرت وكأنني ذكّرتها بالماضي، وراحت توصيني بالاهتمام به واختيار القطع الأصلية، وقالت إنه عزيز على قلبها وهو من ذكريات الماضي الجميل، وأنه من جهاز عرسها".

وسائل الطهي في المخيمات والحرائق

وعن وسائل الطهي التي يستخدمها قاطنو المخيمات في إدلب، أوضح مدير مخيم "الناصر" القريب من مدينة الدانا أبو محمود لـ "أورينت نت"، أن (الببوريّة) وبوابير الكاز والمواقد الطينية والمدافئ التي تعمل على روث الحيوانات تعد من أبرز هذه الوسائل، وذلك بعد سعر أسطوانة الغاز المنزلي 13.13 دولاراً أمريكياً إن توفر. 

الجدير بالذكر أنه ومنذ بداية العام الحالي، أخمدت فرق الإطفاء في “الدفاع المدني السوري” العديد من الحرائق التي نشبت في أكثر من مخيم، نتيجة استخدام مواقد الحطب البديلة في الخيم أو بالقرب منها، وذهب ضحية تلك الحرائق العديد من الضحايا بينهم أطفال، وتعرض آخرين للإصابة بحروق مختلفة.

وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن الدفاع المدني، فقد نشب أكثر من 450 حريقًا نشب في شمال غرب سوريا، من بينها 237 حريقاً في منازل المدنيين، و78 حريقًا في مخيمات النازحين، وأغلبها نتيجة استخدام مواقد الطهي والتدفئة الغير آمنة والتي أرغمتهم ظروف النزوح على استخدامها بعد عجزهم عن شراء الغاز، وبحثهم عن مواقد بديلة تعتمد على الحطب والنايلون والكرتون الذي يجمعه أبناؤهم ولو عرّضوا حياتهم للخطر.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات