المرأة السورية بين العرف والتقاليد

المرأة السورية بين العرف والتقاليد

لا يمكن إنكار أن الحصة الكبرى من القهر السوري كانت من نصيب المرأة، فهي أبرز الأمثلة على مسيرة القهر السورية بكل أوجهها ودينامياتها، ففي الحال التي هي عليها الآن تتجمع كل تناقضات المجتمع السوري، تلك الحال القهرية تتخذ عدة ملامح، أهمها الوضعية التي تتبنى المرأة فيها كل الأساطير والاختزالات التي يحيطها بها الرجل، فتتقبل مكانتها، ووضعية القهر التي تعاني منها، كجزء من طبيعتها، عليها أن ترضى بها وتكيف وجودها حسبها"، فمن خلاله يتم ابتزاز المرأة واستغلالها، وهذا يتطلب قراءة في أسباب هذه الوضعية وتداعياتها على المرأة السورية وكيفية التخفيف من حدتها.

العجز عن المجابهة

المجتمع السوري في غالبيته يضع العرف كقاعدة للسلوك وكمعيار للنظرة إلى الأمور، وبالأخص موضوع المرأة، فإن التقاليد هي المتحكمة بالسلوك والمواقف تجاهها، هذا ما نراه عند إبداء المواقف تجاه دعوات تحرير المرأة وتمكينها، حيث يتم رفضها والنفور منها بقياسها على ما اعتاده الناس وألفوه، يترافق ذلك مع استخدام الدين بشكل سطحي ودون فهم لروحه في تعزيز العادات والتقاليد وإلباسها لبوس الدين، وبالتالي لا يظهر من الدين إلا ما يجعلنا ننفر من الأفكار العصرية -كثير منها غير مخالف للدين- بحجة أنها بدعة وضلالة، وما يجعل المرأة في مرتبة أدنى من الرجل.

إن العجز عن مجابهة أفكار من مثل: أن الأصل بين المرأة والرجل (من حيث الحقوق والواجبات) هو المساواة، وللمرأة الحق في المشاركة في الحياة العامة، وتبّؤ المناصب؛ زاد من تكريس هذه الوضعية للمرأة، والاندفاع نحو التقليدي والمألوف فيما يتعلق بالمرأة، والناتج عن العجز في مجابهة تلك الأفكار؛ أبقى المرأة مقتنعة أن ميدان إبداعها هو البيت، وذاتها لا تحققها إلا بالنماذج التي يفرضها عليها العرف الشعبي المتوارث، و"تتبنى المرأة كل الاختزالات التي يحيطها بها الرجل/المجتمع، ولا تستطيع أن تصور وضعاً غير الوضع الذي وجدت نفسها فيه، وإذا ما حاولت تغييره؛ فُسِّر ذلك خروجاً على اعتبارات الشرف والكرامة". 

الهروب في أمجاد الماضي

بعض الرجال في هذه الحالة أشبه بطفل اعتاد الدلال والعناية من قبل والديه، ولما رأى الطفل أن هناك من ينافسه في الدلال والإطراء؛ غيّر سلوكه من خلال العودة لماضيه السعيد، ظناً منه أن ذلك سيعيد له العناية والاهتمام الذي كان ينعم بها أيام كان طفلاً صغيراً، أي إن بعض الرجال بعجزهم عن إثبات صحة/نفي الأفكار والدعوات الخاصة بتمكين المرأة وتحريرها، يشعرون بأن مكانتهم وقيمتهم قد تغيرت؛ فيعودون إلى الماضي الذي يعدّ ملاذاً آمناً يبعد عنهم الشعور بانعدام القيمة. 

المصيبة أنهم يأخذون من الماضي ما لا يستفاد منه في واقعنا التعيس، ويتركون ما يحث على التغيير ومواكبة كل جديد، فمثلاً، يأخذون الجوانب المرتبطة بالانتصارات العسكرية، وجوانب الفخامة في العمارة، وبطولات الفرسان الخارقين، وأنه لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، ويتركون: الأصل بين الرجل والمرأة هو المساواة (من ناحية الحقوق والواجبات)، وأن لها المشاركة في الحياة العامة كما الرجل، ولها أن تكون في المناصب القيادية والإدارية العليا، وبالتالي، تخسر المرأة الحاضر دون أن يربح أحد الماضي، ويفرض عليها دور التابع، وتحرم فرصة عيش كيانها بكل أبعاده وتنوعه.

الاقتصار كنتيجة

نتيجة لما سبق، اقتصر دور المرأة على واحدة من صفاتها أو خصائصها أو وظائفها، وغالباً تواجه صعوبة بتعدي ذلك الدور، فهي القاصر التي لا تعرف كيف تتصرف؛ فتصبح مصدراً للعجز وعبئاً على الأسرة؛ فتُحصر إمكاناتها في بيت الأسرة، "وهي الماكرة التي يسقط المجتمع عليها معظم تناقضاته"، وهي الإنسان الذي لا يوثق به، ويجب الحذر من مكره. 

من جهة أخرى هناك ما يمكن تسميته بالاقتصار الإيجابي المصلحي، وهو أن تحاط المرأة بتقدير مبالغ فيه لخدمة غايات الرجل أو المؤسسة التي تعمل فيها، وليس لأنه يجب التعامل معها ككيان قائم بذاته، فكثير من المؤسسات (حتى الرسمية منها) تعاملت مع النساء من هذا الباب، فيتم إعطاؤهن أدواراً ثانوية لإيصال صورة للخارج أن لها دوراً فعلياً في المجتمع. 

جُعلت خصائص المرأة والرجل أنماطا مثالية، فالخصائص كالقوة، والعقلانية، والاستقلالية، وولاة الأمر، وما هو عام، ترتبط بالرجل، بينما ترتبط بالمرأة خصائص مثل الضعف، والعاطفية الانفعالية، والخاص، "ومن المهم أن أؤكد أن الأفراد من الرجال أو النساء لا يجمعون كل هذه الخصائص؛ فمن الممكن أن تظهر النساء خصائص ذكورية والعكس بالعكس"، ومن جهة أخرى، فإن إعطاء قيمة إيجابية للخصائص الذكورية أكثر من القيمة التي تعطى للخصائص الأنثوية؛ قلل من نسبة مشاركة النساء الفاعلة في الحياة العامة، وخفّض أعداد النساء في المناصب ذات السلطة.

الخلاصة

ليست كل النساء بقيت مستسلمة لهذه الوضعية، فهناك نماذج مشرقة من نساء سوريات استطعن أن يكنّ مثالاً للمرأة السورية، إن شدة تعقيد المجتمع السوري وتركيبه، تفرض على كل من يعمل في مجال دعم وتمكين المرأة فهم طبيعة عدم المساواة بين المرأة والرجل، وليس أن يبقى التركيز الرئيسي على حقوق المرأة، إن فهم طبيعة عدم المساواة تتطلب فهم مغذياتها، وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى فهم طبيعة المرأة في مجتمع متخلف. 

هذا المجتمع، الإنسان فيه (رجلاً وامرأة) لم ينظر إليه يوماً على أنه محوري في أي عملية تنمية مهما كان ميدانها، ولذلك، لا بد من أخذ خصائص الفئة المراد تمكينها/تحريرها بعين الاعتبار، ولا بد من دراسة هذه الخصائص ومعرفة بنيتها وديناميتها. هذا الفهم عندما تكتمل صورته يتبين موضع الخلل، وبالتالي يسهل علينا العمل على إخراج المرأة من الوضعية التي هي فيها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات