ثورة الإيرانيات اليتيمة

ثورة الإيرانيات اليتيمة

بعد مرور أكثر من شهرين على انتفاضة نساء إيران ضد نظام الملالي الديكتاتوري المستبد في إيران إثر مقتل الصبيّة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق؛ وتحولها إلى ثورة شعبية عارمة تجمع بين أحضانها كل أطياف المجتمع وأعراقه، لم تكن الاستجابة الرسمية الغربية واضحة وكافية حتى الآن لدعم هذا المشروع التحرري العظيم؛ الذي إن نجح، فسيغير خارطة المنطقة الجيوسياسية لصالح قيم الحرية والديمقراطية والسلام.

حقيقة ثورة اليوم وأسئلة الغرب الغبية

هناك فرق كبير بين ثورة اليوم واحتجاجات عام 2009، حيث كانت المطالب في ذلك الوقت محدودة نوعاً ما وتعلّقت أساساً بنتائج الانتخابات الرئاسية.. كذلك تختلف عن احتجاجات نوفمبر 2019، التي تمحورت حول الاقتصاد، لا سيما بعد رفع أسعار البنزين.. الآن، هناك الكثير من السياسة.. هناك الكثير من الحماس والعنفوان والنضوج... اليوم، يرغب الناس في إسقاط نظام الملالي بكامل أركانه الظلامية العفنة، التي لم تخيم لعقود فوق إيران وحدها وإنما فوق جُل منطقتنا العربية. 

ومع ذلك، لا يريد الغرب التدخل والمساعدة والضغط، إنه يعود بأفكاره ومواقفه إلى تجارب تدخّله الفاشلة في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول، ويطرح الأسئلة التعجيزية التقليدية البائسة، التي لطالما طرحها مراراً وتكراراً أيام الإجرام الأسدي في سوريا، على استحياء تارة وعلى وقاحة ونذالة تارة أخرى: "هل هناك قوة ديمقراطية يمكن التعرف عليها، في الداخل أو في الخارج، يمكنها أن تتحمل المسؤولية في طهران إذا انهار النظام الحالي؟"، "هل أفرزت هذه الاحتجاجات قادة؟"، "هل ستتجه البلاد نحو دكتاتورية عسكرية أم ستنهار؟"، "ما مدى الفوضى التي يمكن توقعها بعد سقوط النظام؟"، "هل سيصبح الوضع أكثر اضطراباً وأسوأ بعد وضع النقطة الأخيرة في مسيرته؟"، "هل تنتهي الأمور بسحب خامنئي وعصابته مكبلين بالأصفاد، وتفتح أبواب سجن إيفين للتعذيب، ويطلق سراح جميع السجناء السياسيين؟"، "من سيأتي أخيراً؟"..، دون الأخذ في الحسبان أن المنتفضين الذين يطالبون بالتغيير موجودون هناك على الأرض، وما زالوا صامدين ومستعدين للقتال حتى آخر رمق!.

طبيعة نظام الملالي وملاحقة المعارضين

من المعروف أن الدول المحكومة بأنظمة ديكتاتورية عقائدية لا يمكن لها أن تشفى تلقائياً وبسرعة في حال سقوط أنظمتها.. إنها تحتاج إلى بعض الوقت والكثير من المساعدة، كما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. فلولا "مشروع مارشال" الأمريكي لم تنهض أوروبا على قدميها، لاسيما ألمانيا، وتعود للواجهة العالمية من جديد!. 

يعمل النقص المزعوم حول الادعاء بعدم وجود بدائل جاهزة لنظام العسكريتاريا الشيعية، وأنه في حال سقوطه سيترك وراءه فراغاً سياسياً مخيفاً، دوراً مهماً في الترويج لشكوك الغرب المختلفة، وبالتالي وقوفه مكتوف الأيدي تجاه ما يحدث هناك، محاولاً نسيان أو التناسي عن قصد، أن جهاز الدولة القمعي هناك يمنع بشكل منهجي تشكيل معارضة حقيقية، ويقف عثرة أمام كل خطوة تسير نحو التنظيم الذاتي الديمقراطي أو تشكيل الأحزاب والتنظيمات الفاعلة، التي من المفروض أن تقود المرحلة القادمة. 

إن سجون الملالي، مثلها مثل سجون الأسد وغيره من حكام الشرق، مكتظة بعدد لا يحصى من السجناء السياسيين المنتمين إلى جميع الأيديولوجيات والأقليّات الدينية والعرقية، حيث سُجنوا فقط لأنهم عارضوا أو حاولوا تنظيم أنفسهم ضمن تجمعات شعبية. هذا بالإضافة إلى ملاحقة الناشطين في الخارج من قبل الأجهزة الأمنية السريّة وتلفيق التهم الجاهزة لهم، مثل: الانتماء إلى منظمة إرهابية أو الترويج لها، والتجسس، والدعوة إلى الحرب ضد دولتهم، المشاركة في مؤتمرات معادية... 

إن إلقاء اللوم على المعارضة غير المنظمة في عدم وجود بدائل سياسية في ظل هذه الظروف هو بمثابة هروب إلى المربع الأول. فهؤلاء يتناسون أن الدولة الإيرانية تعمل كعصابة مافيا وأثبتت نفسها كدكتاتورية عسكرية في المنطقة. لقد منعت بشكل صارم أي تنمية اجتماعية عضوية، ولم تهتم أبداً بالانتقال السلمي للسلطة أو التحوّل نحو دولة حديثة تحكمها القوانين والدساتير المدنية. وعززت هذا الموقف من خلال "التطهير" المنهجي لكل من يعارضها في البلاد من مثقفين ومفكّرين وسياسيين ومنشقين... 

يتظاهر الحكام الإيرانيون بأنهم قادرون دائماً على ضبط الوضع داخلياً من خلال الاعتماد على افتراض ماضوي ينص على أن "الأغلبية الإيرانية كانت جزءاً من الثورة الإسلامية، وهي اليوم تقف مع حكومتها". لكن هذا غير صحيح؛ فقد تغيّرت الأمور كلياً الآن، والاستقرار هناك ظاهريّ وغير متين، والفساد ينخر أجهزة الدولة، والوضع الاقتصادي كارثي، وحالة حقوق الإنسان مزرية... إنها دولة شمولية بكل معنى الكلمة، إذ تحاول دائماً إلقاء اللوم والذنب على الخارج ومؤامراته (الإمبريالية والصهيونية) في زعزعة الاستقرار المزعوم فيها. لا تتوقف السلطات على اتهام المحتجين والحكومات الغربية بالمسؤولية عما يحدث في إيران، وهو مقاربة زائفة لإزالة الفوارق بين الجاني والضحية. والغريب أن الكثير من الغربيين ينجرون وراء هذه الدعاية ويستسلمون لها عن طيب خاطر، لا سيما من قبل بعض الكتّاب والصحفيين اليساريين الذين يروّجون لها، كما روّجوا لنظام الأسد على أنه "علماني ويقاتل الإرهابيين والتكفيريين الإسلاميين"!.

على الدول الغربية التحرّك ومساعدة الثوار

على الدول الغربية أن تتوقف أخيراً عن التفاوض مع الحكومة الإيرانية بشأن عقد الاتفاقية النووية، لأن هذا يساعد على إجهاض الثورة.. هذه الدول ترتبط بعلاقات جيّدة مع النظام الإيراني، وقد تجاهلت لعقود الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان وقتل الناس وتهجيرهم.. عليها أن تتوقف اليوم وتلجأ إلى الإيرانيين أنفسهم وتسألهم عما يريدون، وتبتعد عن دعم القتلة.. لقد وضعوا كل شيء تحت طاولة المفاوضات، لأن رائحة الغاز والنفط قد أعمتهم وأصابت رؤوسهم بالدوار، ولم تسمح لهم بالنظر عن كثب.. عليهم أن يقفوا أخيراً على الجانب الصحيح من التاريخ... اليوم، الإيرانيون منتفضون في الشوارع ويطالبون الغرب بالدعم والعمل على عدم عزلهم عن العالم الخارجي، والتدخل لإنقاذهم من بطش نظامهم الفاشي.. يجب منح هذا المجتمع المدني الذي يناضل من أجل الحرية دعماً حاسماً!.

عظمة الشعب الإيراني الثائر

كانت الاستجابة الشعبية كبيرة في أوروبا مع ثورة النساء الإيرانيات، لكن الحكومات اكتفت بالتنديد والشجب كما حدث في سوريا، لكن هذا لن يغير شيئاً في المعادلة؛ فالأحداث في إيران توضح وبشكل جلي أن مصير البلاد ومستقبلها يحدده الشعب الإيراني وليس الساسة الغربيّين.. إن الاحتجاجات تزداد قوة بشكل واضح يوماً بعد يوم، وهي ستستمر عضوياً حتى إسقاط النظام. لقد فقد الشعب الإيراني صبره على هذا النظام، وكل محاولات إصلاحه باءت بالفشل.. لقد نفض الناس عن أنفسهم غبار الخوف والاستكانة، وها هم يدفعون ثمناً باهظاً من أرواحهم من أجل حريتهم. 

إن شعب إيران مثقّف ومتعلّم بما يكفي ليكون قادراً على انتخاب من يمثله، إنه لا يحتاج إلى قائد معيّن يعرفه العالم بالفعل، لأن هؤلاء القادة غالباً ما يتطورون إلى ديكتاتوريين مثل "روح الله" الخميني، الذي رعاه الغرب وقدمه بديلاً للشاه، لكنه بعد الثورة تبين أنه يفوقه ديكتاتورية ودموية وإجراماً.. تقول القاضية السابقة والناشطة شيرين عبادي في هذا الصدد: "إيران بحاجة إلى انتخابات حرة تشرف عليها الأمم المتحدة، ويمكن للأحرار أن يترشحوا، حيث يستطيع الناس أن يختاروا. عندها ستفهم أوروبا أيضاً من هم الممثلون الحقيقيون للشعب الإيراني".

إن عدم تدخّل الغرب في شؤون الثورة الإيرانية وانشغاله التام بتبعات الحرب الأوكرانية، قد يصبّ في مصلحة الثوار؛ لأن الملالي يتغذون إعلامياً على كل ما يصدر ضدهم من تصريحات في الغرب، حتى يخرجوها بشكل آخر متّهمين الثوار بالخيانة والتبعية والمشاركة في المؤامرة الكونية ضدهم!.

قد لا يعرف الغربيّون حتى الآن حقاً كيفية إيجاد نهج تجاه الإيرانيين، الذين هم في الغالب وطنيون تماماً، لكنهم في الوقت نفسه غالباً ما يكونون في مواقف معادية لرجال الدين. المجتمع لا يريد إسقاط البلاد بل إسقاط نظام الملالي. ولكن السؤال هو: هل يتم تفجير الاحتجاجات بمعنى إدخال العناصر الناشذون من جماعة القاعدة والبي كي كي ومجاهدي خلق كما تقتضي الضرورة في الشرق دائماً؟.

النصر قادم ودروس الثورة السورية

على الرغم من أن الوضع ديناميكي للغاية، إلا أن هناك سبباً للاعتقاد بأن "آيات الله" سيقاومون مرة أخرى؛ فالاحتجاجات الجماهيرية في إيران، بما في ذلك تلك التي تضم عدداً كبيراً من الضحايا، ليست حالة طوارئ بقدر ما هي تقليد.

بالطبع قد لا تنجح الثورة الإيرانية، لأن نظام الملالي سيُقاتل حتى النهاية هذه المرة، وقد تكون هناك صراعات طويلة كما هو الحال في سوريا؛ لكن المفيد والأهمّ هو سقوط هيبتهم مع سقوط الأنياب السامة لفكرهم الأسود.. على الثوار أن يأخذوا دروس وتجارب ثورتنا بالحسبان، وأن يكونوا متحدين، ويحفاظوا على سلميّة هذه الحركة بأكملها قدر الإمكان، ويمكن للشارع أن يُنظّم نفسه بطريقة ما وتكون لديه أجندة تعمل لبضع سنوات على الأقل. إن الديمقراطية والحرية وسيادة القانون كلها جيدة جداً، ولكن أولاً وقبل كل شيء سيكون الأمر متعلقاً بتغيير السلطة، وكيفية فعل ذلك. 

أيها الإيرانيون، حتى ولو كانت ثورتكم يتيمة مثل ثورتنا، فأنتم قد قطعتم مشواراً لابأس به: من خلع الحجاب، مروراً بإلقاء العمائم من فوق رؤوس الملالي، وصولاً إلى إزالة الحواجز في الجامعات بين الطلاب والطالبات.. الآن، لديكم فرصة قوية للفوز بجدارة، فأنتم شجعان للغاية، وتقف خلفكم قاعدة شعبية عريضة.. هيا، هيا إلى الأمام.. النصر قادم.

التعليقات (3)

    ابو محمد

    ·منذ سنة 4 أشهر
    الكاتب ساذج يحلم بأن أمريكا والغرب سيسمحان للديمقراطية بالازدهار في الشرق الأوسط

    سوري حر

    ·منذ سنة 4 أشهر
    يتحدث صاحب المقال عن بعض المظاهر الإسلامية الأصيلة ، كالحجاب مثلا و كأنها شعار حصري من شعارة النظام الإيراني الرافضي و التي تجب محاربته و التخلص منه ، و في هذا تسيس واضح و مفضوح لقضية ثورة شعب محقة باتجاه غايات علمانية علنية.

    أبو هزاع

    ·منذ سنة 4 أشهر
    وأنت يا أبو محمد أكثر سذاجة كقارىء بتفكيرك الضحل هذا
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات