واقع خرّيجي الطب في المناطق المحررة: حملات مستمرة لإنشاء مشفى جامعي وحلول رهن الانتظار

واقع خرّيجي الطب في المناطق المحررة: حملات مستمرة لإنشاء مشفى جامعي وحلول رهن الانتظار

يواجه خريجو كليات الصحة في مناطق شمال غرب سوريا صعوبات ومعوّقات بارزة، جراء غياب المشافي الجامعية من جهة، والقوانين التي تمنع الطلاب من التدرب في المشافي والمراكز الطبية التي تشرف عليها الحكومة التركية في المنطقة من جهة أخرى، الأمر الذي يهدّد مستقبل الأمن الصحي وعشرات الخريجين الذين يواجهون البطالة وعدم القدرة على دراسة التخصص.

وبحسب "هيئة طلاب سوريا"، فإن 172 طبيباً تخرجوا من جامعة حلب الحرة مؤخراً دون حصولهم على فرص التدريب والتطبيق السريري، ليصل العدد الكلي إلى 500 خريج، الغالبية العظمى منهم لم يتلق فرصة مزاولة المهنة، نتيجة عدم امتلاك الجامعات في مناطق سيطرة المعارضة مشافي تعليمية. 

وتعاني الكليات الطبية التي أُنشئت في مناطق سيطرة المعارضة انعدام المراكز التدريبية المناسبة للتطبيق السريري، حيث يعتمد الطلاب على المستشفيات التابعة للمنظمات الإنسانية، ما يزيد من حجم الأعباء والضغوط على الخرّيجين الجدد، خاصة وأنها غير مهيأة للتدريب ولا تلبي جميع الاختصاصات.

حملات مستمرة

واقع دفع طلاب الكليات الصحية لإطلاق حملة تحت عنوان "المستشفى الجامعي مطلب حق" مطالبين الحكومة السورية المؤقتة بإنشاء مشفى جامعي تعليمي لاستيعاب الخريجين الجدد، والمساهمة في إتاحة فرص تطبيق التدريب السريري وتمكينهم من التخصص.

ضرار إسماعيل عضو "هيئة طلاب سوريا"، أوضح أن هذه الحملة لم تكن الأولى من نوعها، حيث انطلقت منذ سنوات العديد من الحملات و التظاهرات لتسليط الضوء على الواقع التعليمي بشكل عام وعلى وضع الطلاب في الكليات والمعاهد الطبية بشكل خاص.

ويقول: الحملة الأخيرة أخذت صدى أوسع من الحملات والتظاهرات السابقة التي شهدها الشمال السوري، بحكم أن الطلاب عاينوا وشاهدوا أحوال الخريجين الذين سبقوهم في السنوات الماضية، وما وجدوه من صعوبات ومعوقات سواءً في التدريب أو الاختصاص أو التوظيف.

وأضاف: هناك شعور بعدم مبالاة الجهات المسؤولة عن مناطق الشمال السوري، من ائتلاف وحكومة مؤقتة ومجالس محلية، بالوضع التعليمي وتأسيس قواعد ثابتة تكون منطلقاً لأصحاب الشهادات والخريجين الجدد، وهو ما تؤكده الأرقام التي تظهر ارتفاع أعداد الذين بحاجة إلى التدريب ليصل إلى 500 طالب، تُركوا لتدبر أمورهم والبحث عن فرص التدرب في المشافي التابعة للمنظمات الغير حكومية "NGOs".

ويشير ضرار إلى أن "مشافي المنظمات خدمية فقط وغير مهيأة لتكون تعليمية خدمية كحال المستشفى الجامعي، وبالتالي الطبيب في المستشفى الجامعي مُلزم بتعليم وتدريب الطالب، أما في المستشفى الخدمي فهو غير مُلزم".

الطلاب ضحية 

ورغم تقديم بعض المشافي والمراكز الطبية الفرصة لخريجي الجامعات بالتدرب، إلا أن الغالبية العظمى منهم يواجهون عراقيل ومعوقات تمنعهم من الحصول على فرص التعليم التطبيقي، خاصة الطلاب المقيمين في أرياف حلب الشمالية والشرقية.

محمود فهمي، طالب في سنته السادسة بكلية الطب البشري، وعضو "اتحاد طلبة سوريا الأحرار"، أشار إلى وجود الكثير من العقبات، بينها ما هو مرتبط بالوضع التعليمي وضعف البنية التحتية، وأخرى سببها تناحر القوى المسيطرة على المنطقة، كما هو الحال مع قرار "حكومة الإنقاذ" إخضاع طلاب وخرّيجي جامعات ريف حلب لامتحان "الكولوكيوم" للسماح لهم بالتدرب أو التعيين في المشافي الموجودة ضمن مناطق سيطرة "الإنقاذ".

وأوضح فهمي أن قرار "حكومة الإنقاذ" دفع بالحكومة المؤقتة إلى اتخاذ قرار مماثل، الأمر الذي زاد من مشاكل الطلاب، خاصة أن الحكومة التركية تمنعهم من التدرب في المراكز الصحية التي تشرف عليها، إضافة إلى عدم قدرة مشافي المنظمات على استقبال أعداد كبيرة من المتدربين.

ويقول: حرم قرار "حكومة الإنقاذ" طلاب الكليات الطبية بريف حلب من فرص تلقي جلسات التدريب التطبيقي في المراكز الصحية والمشافي التابعة للمنظمات غير الحكومية، بالنظر إلى وجود العدد الأكبر منها في منطقة إدلب.

ويضيف: المشافي المدربة لطلاب الطب ليست معتمدة كمستشفى جامعي إنما طلبات رسمية وقبول ورقي تتم عن طريق هيئة الاختصاصات SBOMS والتي تأخذ طلاباً بما يناسب العدد المطلوب من المشافي الموقعة معها، حيث تتباين نسبة تفهم كوادر المشافي وتعاونها مع طالب الطب، فمنهم من يدرّب بشكل أكاديمي ومنهم من ينشغل عن الطالب ولا يوليه اهتماماً.

مساعي الهيئات الطلابية

بدوره، يعتبر رئيس مكتب العلاقات العامة لـ "اتحاد طلبة سوريا الأحرار"، "عبدالله مرندي"، أن غياب مستشفى جامعي يعني عدم وجود تخصص للطلاب بعد التخرّج، إضافة إلى أن المستشفى يرفع من السويّة العلمية للجامعة وللطلاب ويساهم بشكل كبير في البحث العلمي".

ويقول: وجود مستشفى جامعي يلعب دوراً هاماً في تخفيف الضغط بشكل كبير على المشافي الأخرى، مع توفير العلاج واستقبال الحالات المرضيّة، لضمه أقساماً وتخصصات إما متوفرة في بعض المشافي المحددة أو غير موجودة على الإطلاق على مستوى الشمال السوري.

مضيفاً: لو توفر ذلك فإن هذا الأمر يعود بالفائدة على الطلاب بطبيعة الحال لرفع سويتهم ومهاراتهم في المجال الطبي، فضلاً عن تعزيز مكانة الشهادات العلمية لطلاب المنطقة وجامعاتها، إلى جانب أنه خطوة هامة لتحصيل المزيد من الاعتراف على المستوى الخارجي.

وأشار مرندي إلى قيام "هيئة الطلاب الأحرار" بالعمل على تقديم الفرصة لأكبر عدد من الخريجين والطلاب لتلقي التدريب ضمن المشافي المتواجدة بريف حلب، وذلك من خلال التواصل مع مسؤولي المستشفيات الحكومية والتابعة للمنظمات "إلا أن الأعداد أكبر من قدرة المراكز الطبية على استيعابها، فضلاً عن عدم جاهزيتها للتدريب، وهو ما يفرض علينا متابعة شؤون الطلبة بشكل مستمر والعمل على توفير الجلسات التدريبية التي يحتاجونها".

 وبحسب إحصائيات قدّمتها "هيئة طلاب سوريا الأحرار" لموقع أورينت عن تعداد الطلاب في جامعات الشمال السوري لعام 2021، فقد بلغ عدد الطلاب المسجلين في كلية الطب البشري 1130 طالباً وطالبة، وأعداد الطلاب المسجلين في كلية طب الأسنان 413 طالباً وطالبة.

بينما بلغ أعداد الطلاب المسجّلين في كلية الصيدلة 525 طالباً وطالبة، كما يوجد أكثر من ألف طالب وطالبة بين طلاب حاليين وخريجين موزعين على كلية العلوم الصحية والمعهد التقني الطبي.

التكاليف تُعيق مشروع المشفى الجامعي

لكن الدكتور جهاد حجازي وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، أوضح في تصريحه لموقع أورينت، أن إنشاء مشفى جامعي تعليمي مؤهّل لاستيعاب جميع الطلاب "ليس بالأمر السهل على مجتمع ومعارضة أنهكتها سنوات الحرب".

ويقول: تبلغ كلفة المشروع نحو مليوني دولار أمريكي، فضلاً عن المصاريف التشغيلية الثابتة التي تُقدّر بمئة ألف دولار شهرياً، وهي تكلفة لا يمكن لموارد الحكومة المؤقتة تغطيتها وحدها، إنما تحتاج إلى تكاتف الجميع من مجالس محلية ومنظمات داعمة مثل "مداد" لإنجاز هذه المهمة.

ويضيف: رسوم الجامعات في المناطق المحررة، سواء حلب أو غيرها بسيطة ولا تكفي لتغطية تكلفة المشروع الباهظة، كما إن موارد الحكومة أيضاً قليلة ومعظم المنظمات تفضل إقامة مشاريعها بشكل مستقل.

 رهن الانتظار

وعن أسباب منع الحكومة التركية تدريب طلبة الداخل السوري في المراكز الطبية التي تشرف عليها، يوضح الدكتور حجازي: "تواصلنا مع الجانب التركي وهم دائماً يقولون أن طاقة المشافي بالكاد تستوعب الحالات المرضية وأن الوضع لا يتسع لحركة الطلاب ودخولهم وخروجهم وأن هذه المشافي غير مجهزة للتدريب".

ويقول أيضاً: إن وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة قدمت مشروعاً لصندوق الائتمان الدولي لبناء مستشفى جامعي قادر على التخفيف من حدة الأزمة التي يعيشها طلاب المنطقة، ويخفف الضغوط على المشافي ويساعد الأهالي، إلا أنه لا يزال رهن الانتظار.

ويتابع: استشعرنا قبولاً أولياً للمشروع ومن الممكن أن يقوم الصندوق بتمويله، إلا أنه بحاجة إلى الوقت. مشيراً إلى حل آخر قد يساهم في حل الأزمة، من خلال إطلاق صندوق وطني تعاوني لإنشاء مشفى جامعي تعليمي.

يوجد في الشمال السوري الخارج عن سيطرة نظام أسد 9 جامعات، 5 منها تضم كليات طبية وصحية، وتستند هذه الجامعات في تعليمها على تدريس المواد العلمية الأساسية وتعليم المواد الطبية والصحية، بينما يغيب التدريب السريري التطبيقي الذي يُعتبر أساس مخرجات كليات الطب.

التعليقات (1)

    أونيسي حسينة

    ·منذ سنة 4 أشهر
    أريد تغيير كلمة السر لويفي Tenda 192.168.1.2
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات