الميليشيات التي أتقنت الاحتفاظ بحق الرد!

الميليشيات التي أتقنت الاحتفاظ بحق الرد!

بُعيد حرب 6 أكتوبر - تشرين أول عام 1973 وتوقيع اتفاق فصل القوات بين سوريا واسرائيل نهاية أيار – مايو من عام 1974 عقب زيارات مكوكية لهنري كيسنجر ثعلب الديبلوماسية الأمريكية، طويت إلى غير رجعة مسألة الرد بالسلاح على أي تحرش أو اعتداء عسكري إسرائيلي على الحدود السورية أو في عمق سوريا، وكانت دائماً تكتفي العصابة السورية الحاكمة ببيان شجب واستنكار لهذا الاعتداء يذيّل في نهايته بعبارة إن سوريا تحتفظ بحق الرد على العدوان في الزمان والمكان المناسبين(!) وتمضي السنون سراعاً ولم نرَ أو نسمع قط أي رد على أي عدوان من تلك الردود التي احتفظت بها قيادة العصابة الحاكمة وماتزال تفعل(!).

وعلى الرغم أن هذا الاتفاق بحسب ماجاء في البند الثامن منه لا يعتبر اتفاق سلام نهائي وإنما خطوة فقط نحو سلام دائم بين الأطراف على أساس القرار الدولي رقم 338 الصادر بتاريخ 22 / أكتوبر – تشرين أول عام 1973 أي بعد أسبوعين من بدء الحرب، وبالتالي هو اتفاق لوقف إطلاق النار وفصل بين القوات المتحاربة، وهو لايحجب عن أي من أطرافه الحق في الرد بالوسائط القتالية على الطرف الذي يخرق الاتفاق، إلا أن سلطة العصابة الحاكمة رفضت استخدام الحق المشروع بالرد على مئات الحالات التي قامت فيها "إسرائيل" بخرق الاتفاق وقصفت مئات المواقع العسكرية حول دمشق والعديد من المدن السورية ومنها موقع "الكبر" في دير الزور في أقصى الشرق السوري !!! وكأنها جعلت من هذا الاتفاق اتفاقية سلام نهائي صامت يُبقي الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي مقابل إبقاء سوريا تحت حكم عائلة أسد .. وللأبد  (!).

اليوم وبعد نصف قرن من الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، وفي المشهد السوري الحالي يبدو أن الميليشيات التي فرضت على الثوار السلميين نمطاً آخر للصراع مع سلطة العصابة وفرضت نفسها على المشهد بقوة سلاحها، ونحّت الثوار جانباً واستأثرت وحدها بسلطة القرار والتصرف في مناطق سيطرتها التي تآكلت كثيراً بسبب خلافاتها البينية من جهة وارتهان قرارها للقوى الداعمة التي فرضت عليها خريطة تحركاتها القتالية وأهدافها، ومن ثم انخراطها في مسارات تفاوضية في أستانا وسوتشي، ما كان يتعين عليها الانجرار لها والامتثال لمقرراتها من جهة أخرى، كل ذلك حوّلها إلى مجرد أدوات عسكرية وظيفية يقتصر دورها ضمن مساحات جغرافية متآكلة على مجرد الاستجابة لمقتضيات سياسة الداعمين الإقليميين ولم يعد لها أو لبنادقها أي دور وطني على الإطلاق، بل وليس لها من دور قتالي حقيقي بمواجهة النظام لأن خريطة مساحات السيطرة المتاحة لها والمتوافق عليها إقليمياً ودولياً لايجوز العبث بها مهما كانت الأسباب بعد أن وُضع لها سقف منخفض لا تستطيع تجاوزه.

هذه الميليشيات اليوم وفي سبيل الحفاظ على مزارعها صارت أيضاً تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين على كل الاعتداءات شبه اليومية على المدنيين في مناطق سيطرتها وهي لاتجرؤ أن ترد على هذه الاعتداءات إلا ببضع طلقات مدفعية على غير هدى ذراً للرماد في العيون كما يفعل النظام تماماً في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عندما يطلق بضعة صواريخ غبية على غير هدى فتسقط في مناطقه لا مناطق العدو (!) والفارق الوحيد بين ميليشيات أسد وميليشيات (معارضيه) أن الأول يفعل ذلك مقابل إبقائه حاكماً رسمياً لسوريا، بينما تلك الميليشيات الغبية تفعل ذلك امتثالاً لسياسات وأجندات غير سورية ستُفضي عاجلاً أو آجلاً لزوالها بالنظر لانتفاء الحاجة إليها لحظة الاستحقاقات النهائية.

لاغرابة في كل ما نراه من كارثية وعبثية المشهد الميليشيوي في الشمال، فمن استنسخ سياسات وممارسات وجرائم وانتهاكات من يُفترض أنه عدو وخصم، ومارسها بكل فجور على الناس تحت سطوته الذي يفترض أنه حمل السلاح دفاعاً عنهم (!) من الطبيعي جداً أن يستنسخ ويمارس سياسة الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين على كل الاعتداءات التي تطال مخيمات النازحين ومدن وبلدات المدنيين المقهورين، ويكتفي ببضع طلقات مدفعية تصلح للتحية العسكرية أكثر مما تصلح للأعمال القتالية، وبإصدار بيان صميدعي ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويذيل بعبارة " وإنها لثورة حتى النصر" !!!.

  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات